عادي

قادة ملأوا الدنيا وشغلوا الناس

04:18 صباحا
قراءة 8 دقائق
أربعة رجال وامرأتان.. ستة من قادة العالم ملأوا الدنيا وشغلوا الناس في العام 2018. وكل منهم يتميز بشخصيته وأقواله وأفعاله. تحركوا في فضاءات أوطانهم، وظهروا على المسرح العالمي، فمنهم من أثار الإعجاب، ومنهم من أثار الجدل، ومنهم من اتسم بالشجاعة، ومنهم من تمسك بالأخلاق في العمل السياسي والعلاقات الدولية، ومنهم من طرح نفسه نموذجاً للقائد الوطني والزعيم العالمي بأقواله وأفعاله. وفي ما يلي بورتريهات ترسم ملامح هذه الشخصيات.

المتباهي.. رئيس غير مسبوق

الرئيس الامريكي دونالد ترامب أكد في العام الثاني في المنصب إحساسه بالعظمة وتوقعه أن يعامله الآخرون في الداخل والخارج معاملة المتفوق، وأثبت اكثر من مرة في عام انتخابات التجديد النصفي انه متمسك بأوهام السلطة والنجاح منقطع النظير والذكاء الخارق والجاذبية، ودلل بتغريداته وخطاباته الانتخابية العامة انه يحس في اعماقه بأنه فريد نوعه وعصره والمتعالي الذي لا يخالط ولا يعمل إلا مع أناس من طبقة وفئة راقية،كما أظهر انه لا يتسامح مع من يظهرون له عدم الاعجاب، وأسرف في استغلال الآخرين واستخدامهم والتخلص منهم سريعا، وأظهرت تغريداته وتعليقاته العامة أنه لا يهتم ولا يكترث بمشاعر الآخرين أو آمالهم او حاجاتهم، فضلاً عن انه نقل غريزته «الاحساس بالغيرة والتنافسية» الى المكتب البيضاوي واثر كذلك في قراراته المفاجئة والصادمة أحيانا وغير المستغربة في أحيان أخرى في مجال السياسة الداخلية والخارجية.
تباهى الرئيس الامريكي دونالد ترامب بما قال إنه أنجزه في العام 2018، مؤكدا ان «احدا لم يفعل ما فعلته»، وهو القول نفسه الذي ردده امام الجمعية العامة للامم المتحدة في سبتمبر الماضي، وأثار موجة من الضحك وسط قادة العالم ،رفضاً لأساليبه التي تعتمد على هراوة العقوبات والرسوم بدلا من جزرة المساعدات والاستثمار والحوار. وما يفخر به ترامب كانجاز ينظر إليه آخرون كاخفاق.
فترامب يتحدث عن انجاز اقتصادي ويورد ارقاما اكد الخبراء على الفور انها غير صحيحة ومبالغ فيها، وان النمو الاقتصادي المتحقق لا يد لسياسات ترامب فيه فهو ناتج الدفع الذاتي من الاجراءات والاصلاحات الاقتصادية التي اتخذها سلفه باراك اوباما، بل إن هذه المكاسب مهددة بالضياع مع سياسة ترامب لخفض ضرائب الاغنياء وزيادة الانفاق العسكري وفقدان عوائد السوق بسبب الحمائية.
أما شعار«أمريكا اولاً» الذي ردده ترامب ، فقد أدى إلى أن تفقد امريكا نفوذها حول العالم، فالرئيس لم يوفر صديقا أو حليفا ونقض معاهدات إقليمية للتجارة الحرة ،ورفع القيود الحمائية بوجه الصين والدول الأوروبية،وأثار الشكوك والانقسام داخل مجموعة السبع وحلف شمال الاطلسي، وتخلى عن التزامات أمريكا الدولية الثابتة تجاه الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة ومهام حفظ السلام. ولم يعد الالتزام الأمريكي حيال الأصدقاء والحلفاء محكوما باتفاقيات وتفاهمات ومبادئ أخلاقية،بل اعلاء المصلحة الامريكية .
جعل ترامب العقوبات مركز سياسته الخارجية، وأصبحت أداته الأولي والوحيدة التي يستخدمها لإعادة تشكيل العالم،ولمعاقبة الخصوم وابتزاز الأصدقاء والحلفاء واضعاف اي تحد حقيقي او مظنون للسلطة الامريكية. وفرضت إدارة ترامب خلال عامين فقط العقوبات على اكثر من ألف دولة وكيان وفرد، وفي المقارنة لم تفرض إدارة أوباما طوال 8 سنوات في الحكم الا 695 قرار عقوبات.
يقول مراقبون إن العقوبات أصبحت الاداة المثلى لدى شخص مثل ترامب، لانه وصل الى البيت الابيض دون خدمة في الحكومة او علاقات بالكونجرس أو البيروقراطية او علاقات مع قادة العالم، بل يكفي ترامب فقط ان يصدر امرا تنفيذيا كأنه مدير شركة. والعقوبات بالنسبة لترامب «سلاح أمريكي مثالي ورخيص الكلفة وليس فيه تهديد لارواح امريكيين.
يبدو ان العقوبات الامريكية التي لم تستثن صديقا او حليفا او عدوا قادت الى حملة أوروبية صينية روسية لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي واخراج امريكا منه، وإجراء مثل هذا من شأنه ان يهدد القوة الامريكية المالية والاقتصادية.
واذا كانت الولايات المتحدة في العهد الديمقراطي الرافعة الاساسية لبلورة اتفاقيات للحد من ظاهرة التغير المناخي، فإن ترامب بخروجه من اتفاقية باريس واستجابته لفتح المحميات امام اعمال التنقيب اصبح اكبر معرقل للجهود المبذولة للحد من المخاطر التي تهدد كوكب الارض والنوع البشري.
داس ترامب منذ بداية حملته الانتخابية للوصول الى الرئاسة وحتى الان على كل التقاليد والاعراف والتابوهات، واستخدم لغة مسفة في شتم الخصوم، وعنصرية بغيضة موجهة الى مكونات امريكية، وتمييزية وتحريضية ضد النساء والمهاجرين واليساريين والاعلام، والى دول الجوار، حيث وصف المكسيك بأنها تصدر الى الولايات المتحدة القتلة والمغتصبين ومروجي المخدرات.
وادخل لغة جديدة في اسلوب التخاطب مع قادة الدول الاخرى، فوصف رئيس وزراء كندا بأنه «مخادع وضعيف»، وفي تجريح الشعوب الاخرى قال ان الفرنسيين عندما احتل النازيون بلدهم سارعوا الى تعلم اللغة الالمانية، وفي المس بالاسلام ومعتنقيه فقال انه لن يقبل ان يتولى شخص اسمه محمد رئاسة «إسرائيل».
وكان مساعدو ترامب هم اكبر ضحاياه. فقد اقال خلال عامين اربعين مسؤولا، ومنهم من لم يمكث في المنصب الا 22 يوماً مثل مايكل فلين مستشار الامن القومي الاسبق،وعاقب ترامب وزراء لأنهم لم يوفروا له الحماية كوزير العدل جيف سيشنز، أو لأنهم انتقدوا أسلوبه المنفرد في الإدارة، .كما وجد البعض صعوبة في التعامل مع نزعته الدكتاتورية ، وفي المقابل كان يشيع من يستقيل بكيل من الشتائم مثلما وصف وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون بأنه غبي وكسول، ومحاميه السابق مايكل كوهين بأنه كاذب ووضيع ومخادع.

شي جين بينج.. إمبراطور أمة منتعشة

يسميه الصينيون «دادي شي»، بعد أن سطع نجمه ليكون أكثر الزعماء الصينيين قوة ونفوذاً، بعد مؤسس الدولة ماوتسي تونج، ووصفه محللون بأنه «إمبراطور أمة منتعشة».
شن شي حملة وطنية واسعة النطاق ضد الفساد في الحزب الشيوعي الحاكم، وفي الجهاز التنفيذي للدولة. ومثلما كان لماو كتاب احمر صغير يعتبر انجيل الثورة، أصدر شي كتاب «سحر الكلمات »، وهو اصفر اللون، يتضمن مقتطفات من أقواله. وقال نقاد صينيون إن كلمات شي فيها حكمة، وبساطة، وسحر، وتدخل إلى القلوب مباشرة.
شي «شخصية حيوية متعددة الأبعاد»، فهو دكتور في القانون، ومحام، ومهندس كيميائي، وبطل أفلام حركة. عزز مكانة الصين دولياً بالالتزام بالتعددية، والحوار لحل النزاعات، وتبادل المنافع ورفض سياسة التدخل في شؤون الغير، أو الإملاء، وأطلق بنك التنمية الدولي الموازي للصندوق والبنك الدوليين،وأطلق مبادرة وطريق الحرير لتعزيز العلاقات مع طيف واسع من الدول الآسيوية والعربية والافريقية والامريكية اللاتينية.

القوي يرسم صورة روسيا الجديدة

تصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعام الخامس على التوالي المشهد العالمي، وهو يعزز استعادة روسيا نفوذها في النظام العالمي، والوقوف بقوة وصلابة أمام التمدد الغربي في مدارها الحيوي.
لم يوفر بوتين أداة من أجل استعادة مكانة روسيا الدولية، بعد أن تعامل معها الغرب باستخفاف. استخدم بوتين كل الاسلحة المتاحة أمامه لاثبات قوة روسيا ومكانتها، ومن ذلك العمل العسكري المباشر داخلياً وخارجياً (الشيشان وداغستان في القوقاز وجورجيا وأوكرانيا في الجوار وسوريا في الشرق الاوسط)، واجراء المناورات الشاملة لكامل الجيش الروسي بكل وحداته، واعادة الانتشار في البحار والمحبطات والتحليق في الاجواء الدولية، والحفاظ على مناطق النفوذ الحيوي لروسيا في الفضاء الاوراسي، والتأثير الاعلامي عبر قنوات تلفزيون روسيا اليوم بمختلف اللغات الحية.
حصّن بوتين بلاده ضد الاستلاب الغربي بصك هوية روسية تقوم على الكبرياء القومي والقيم الوطنية والأرثوذكسية؛ وما اسماه «الديمقراطية السيادية» كشكل مختلف للحكم. وطرح فكرة «العالم الروسي» الموازية للكومنولث البريطاني والفرانكفونية الفرنسية والصين العالمية.
تبنى بوتين برامج لتحديث السلاح في الجيش الروسي، وتعزيز قوته العسكرية،ومتن العلاقات السياسية والاقتصادية مع الصين، وبنى اتحادا اقتصاديا أوراسيا منافسا للغرب، ويعزز من النفوذ الروسي في الوقت نفسه.
يحتفظ بوتين بالحيوية والنشاط عبر ممارسة السباحة وركوب الخيل والتخييم في البراري وصيد البر والبحر وتسلق الجبال، إلى جانب ممارسة رياضة الجودو التي قال إنها «تعلمنا أن نستخدم ما لدينا، ونُقدّر ما نملكه، ومن ثم فهي قوة كافية لإسقاط الخصم».

ماكرون.. زعيم يتجاوز حدود فرنسا

مـــــــع ظهــــور احتجـــاجات «السترات الصفــراء» فـــــــي فرنــــسا، أصــــــــبح الــــرئيـــــس إيمانويل ماكرون في مأزق كبير أودى بشـــــــعبيته إلى الحضيض، إذ وصلت نسبة الرضا عنه إلى أدنى مستوى (27%) منذ بداية ولايته في مايو 2017، بعدما تراجعت خمس نقاط خلال شهر واحد، هو عمر الاحتجاجات العنيفة على زيادة الضرائب والغلاء والأوضاع الاقتصادية المتدهورة. ووضعت تلك الاحتجاجات ماكرون في مرمى سهام المعارضة من اليمين واليسار ومن الوسط أيضاً، ومما تسمى «الدولة العميقة».
اذا وضع ماكرون على الميزان، لا يمكن أن يخرج خالي الوفاض من الحسنات، فمثلما له نقاط سلبية وسياسات غير موفقة في بعض المناحي الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه يحسب له ، أنه حاول التعبير عن قدر الأمة الفرنسية والدولة التي يرأسها بكل ماضيها العريق ودورها الريادي في العصر الحديث. وبقدر اختلافه عن سابقيه جميعاً، استدعى في سياسته الخارجية خصوصاً بعضاً من مواقف شارل ديجول وفرانسوا ميتران وجاك شيراك. وربما كان للحظة التاريخية دور في صقل هذه الشخصية التي جذبت الأضواء من كل التيارات تقريباً، وبدا خطابها غير قابل للتصنيفات السياسية. ومنذ دخوله الإليزيه قبل عام ونصف العام ظهر بوجه زعيم يتجاوز حدود فرنسا إلى كل أوروبا، بالتزامن مع انعزال بريطانيا وراء مشروع «بريكست»، وتقوقع ألمانيا نسبياً على نفسها بسبب اضطراباتها السياسية وضعف قيادة المستشارة أنجيلا ميركل لحزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي، سعى ماكرون إلى الظهور بشخصية القائد القاري، عندما دعا مرات إلى بناء «جيش أوروبي حقيقي» والتحرر من التبعية للولايات المتحدة، كما دخل في صدام سياسي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول اتفاق المناخ والأفكار الشعبوية والعلاقة مع الصين. وخارج الحدود الأوروبية عمل ماكرون على إحياء منظمة «الفرانكفونية» على نحو غير مسبوق، بالتوازي مع سعي إلى وضع فرنسا في قلب صناعة القرار الدولي، وحاول أن يناور في بعض الملفات. وبينما مسك العصا من الوسط في سوريا، لم يتورط في اتخاذ مواقف صارخة في القضية الفلسطينية. وبقطع النظر عن نجاحه أو فشله، فلا يمكن إغفال هذه السمات في سياسة ماكرون، وحتى إذا توارى عن المشهد السياسي وغاب، وحينها يمكن أن يقال عنه إنه حاول أن يجمع أوروبا، ولكن مغامرته انتهت بخسارته لفرنسا.

امرأة أمام التحدي ماي.. رهان «البريكست» ورهينته

بــــرزت تيـــريزا مـــاي عــــلى المسرح السياسي مع قضية البريكســـت المعقــــدة ، وارتبـــط مصيرها السياســي مـــع هـــذه القضية ارتباطاً لا فكاك منه. لقد خلفت نتائج استفتاء يونيو 2016، وضعاً فوضوياً في بريطانيا وأوروبا، وفجرت مخــــاوف ومــــخـاطــر لا قــــبـــــــل للسياسيين بمواجهتها. تقدمت ماي الصفوف بعد تنحى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وخاضت انتخابات رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة . وهكذا وضعت بريطانيا رهانها على المرأة النحيلة لترتيب الفوضى وقيادة المرحلة الحرجة،وضمان مكانة الدولة وكرامتها ووحدة شعبها ومؤسساته.
قالت كاتبة سيرتها الذاتية روزا برنس، إن ماي تمتص الضربات والصدمات ومؤامرات الخصوم وخيانات الأصدقاء من دون ان تتوقف او تنحرف عن طريقها، فهي تقدس العمل وتكرس له كل وقتها وطاقاتها الروحية والجسدية والعقلية.

ابنة قس صنعت تاريخاً جديداً لأوروبا
ميركل.. رائدة «الأنسنة» في السياسة العالمية

حتى وقت قريب كان مصطلح «أنسنة السياسة العالمية» مفهوماً طوباوياً بعيد المنال ولا يعدو كونه رغبات حالمة لمنظري السياسة لا تعني صانعي السياسة وممارسيها ولا يأبهون لها. لكن ظهور المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في المشهد السياسي العالمي وضع هذا المفهوم قيد التطبيق ليصبح حقيقة واقعة مع المفاهيم التقليدية للسياسة.
طوال 18 عاماً في أعلى مناصب القيادة الألمانية، تصدت ميركل للتيار الغالب في السياسة الدولية، وتعاملت مع الأزمات الطارئة في أوروبا وفي العالم بروحية مغايرة، واتخذت مقاربات قيمية أخلاقية مؤسسة على احترام الكرامة الإنسانية في معالجة قضايا المشهد الدولي بديلا عن الصورة السائدة المتمثلة في حماية المصالح الوطنية والحفاظ على السلطة باي ثمن واستخدام القوة الباطشة ضد الخصوم في الداخل والخارج.
حدث ذلك في الازمة اليونانية، وفي النزاع الاوكراني الروسي، والروسي الأمريكي، وفي الموقف من الصين، وصــــــــولا إلى أزمـــــــــــة اللاجــــــــئين.
في خــــضم الأزمـــة التـــي كـــشفت هشاشة الاستجابة الدولية لمشاهد الجثث الطافحة على مياه البحار، اتخذت ميركل ابنة القس ،قرارها الحاسم باستقبال اللاجئين، رغم أن القرار لا يحمل وعدا بمصالح شخصية أو قومية، بل ينطوي على مخاطر وتهديدات امنية واشكاليات ثقافية. واعلنت تجميد اتفاقية «شينغن»، مراعاة للأزمة الإنسانية لللاجئين، كما جابهت القادة الرافضين لفرض حصص من اللاجئين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ربما تفتح الطريقة السهلة التي قدمت بها ميركل استقالتها من رئاسة الحزب وإعلانها اعتزال السياسة، الباب أمام فهم أفضل لشخصية ميركل. ولعل السهولة التي أعلنت بها قرار التنحي عن رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي واعتزال السياسة مع نهاية دورتها الحالية تكشف عن البناء الأخلاقي الرفيع لهذه الشخصية الفريدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"