كيف رأى ابن خلدون العرب

شيء ما
03:11 صباحا
قراءة دقيقتين
د . حسن مدن
في الظاهر يبدو ابن خلدون، في مقدمته الشهيرة، أقرب إلى التحامل في تشخيصه لطبائع العرب، الذين وصفهم ب"أصعب الأمم انقياداً لبعضهم للغُلظة والأنفة وبُعد الهمة والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم، ومن أجل ذلك لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوءة أو أثر من دين على الجملة" .
حاول البعض من منتقدي ابن خلدون أن يردوا هذا الحكم إلى أصول أمازيغية مفترضة لابن خلدون، جعلته حاداً في نظرته لشخصية العربي، ولكن هذا الاعتقاد يقف عند السطح، ولا يذهب إلى عمق الأمور، فابن خلدون في نهاية المطاف عربي اللسان والثقافة والتكوين، وهو نتاج الحضارة التي تربى في كنفها ونهل من مصادرها، والمتعين هو البحث عما وراء ألفاظ هذا التوصيف التي تبدو حادة، للوقوف على ما هو جوهري فيه .
أغلبية من درسوا المقدمة واستعانوا بمنهجها في أبحاثهم من المفكرين العرب، مثال علي الوردي في المشرق ومحمد عابد الجابري في المغرب، لم يكن بوسعهم، وهم يدرسون مجتمعاتهم العربية، الخروج على توصيفات ابن خلدون للعرب، لكن هناك من لم يسلّم بأحكامه بسهولة، خاصة طه حسين، الذي جادله في الأمر، واستشهد بأقوال مستشرقين أوروبيين، يرون خلاف ما رآه .
لكن جدل طه حسين يتصل بالموقف من تقييم الحضارة العربية الإسلامية عامة، أكثر مما يتصل بالصفات السيكولوجية لشخصية العربي، التي حاول ابن خلدون ردها إلى المنشأ البدوي للعرب . وابن خلدون الشغوف بدراسة العمران البشري، رأى في الطباع التي صدرنا بها هذا الحديث، ورآها مستقرة في نفس العربي ما ينافي هذا العمران ويناقضه، لأن "غاية الأحوال العادية كلها عندهم، أي عند العرب، هي الرحلة والتغلب، وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومنافٍ له" .
حين نمعن النظر في "الخراب" العربي الذي يعم مناطق شاسعة من دنيا العرب، والخراب هو نقيض العمران، كلمة السر الخلدونية الأثيرة، ألا يمكن لابن خلدون أن يسعفنا في فهم أنفسنا وما إلنا إليه، ففي هذا الفهم باب معرفة طريق الخروج من المأزق .
وابن خلدون المؤرخ في الأصل لاشك أنه يعلم أن "جينات" أي أمة قابلة للتطور والتحوير تبعاً لتطور مساراتها في التاريخ، لذا ما من صفات مخلدة أو أبدية للعرب أو سواهم، لكن ما نقص وينقص العرب هو الرافعة الحضارية التي تحقق هذا التحوير .
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"