العِشرة

01:28 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

العِشرة (بكسر العين) في اللغة العربية اسم مشتق من المعاشرة التي هي بمعنى المخالطة، والعشير يطلق على الزوج والصديق، وفي الحديث: «إني أريتكن أكثر أهل النار، قيل: يا رسول الله ولماذا؟ قال: «لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير» (أي تنكرن إحسان الزوج مهما يفعل) والحديث رواه البخاري ومسلم.
ثم إن الفقهاء اختلفوا في حكم العشرة بين الزوجين، فالحنفية والحنابلة قالوا إن العِشرة بالمعروف بين الزوجين مندوبة أو مستحبة، فنقرأ في «بدائع الصنائع» للكاساني أن المعاشرة بالمعروف من قبل الزوج مستحبة، ومن جانب الزوجة فإن المعاشرة الجميلة مندوبة (انظر البدائع ج2 ص 334).
ونقرأ للبهوتي من الحنابلة أنه يسن لكل من الزوجين تحسين الخلق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه (انظر كشف القناع ج 5 ص 185).

أما المالكية فقالوا بوجوب العِشرة بالمعروف ديانة لا قضاء، لذلك يقول ابن العربي المالكي: «العِشرة بالمعروف واجبة على الزوج، ولا يلزمه ذلك في القضاء، إلا أن يجري الناس في ذلك على سوء عادتهم، فيشترطونه ويربطونه بيمين». (انظر أحكام القرآن لابن العربي ج1 ص 363).

في كل الأحوال فإن العشرة بالمعروف بين الزوجين من الأمور التي حث عليها الشارع الحكيم، قال تعالى: «وعاشروهن بالمعروف»، وقال أيضاً: «ولهن مثل الذي عليهن».

يقول الضحاك في تفسير هذه الآية: «إذا أطاعت الله وأطاعت زوجها فعليه أن يحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته».

نعم.. والعِشرة بالمعروف هي أداء الحقوق المشروعة للمرأة كاملة، مع حسن الخلق في المصاحبة، ومن تلك الحقوق أن يعطيها مهرها كاملاً، ويعطيها نفقتها وقسمها من المبيت، ولا يوجه إليها الكلام الغليظ، ولا يعرض عنها من غير سبب، ولا يميل إلى غيرها أكثر إذا كان متزوجاً أكثر من زوجة، وألاّ يعبس في وجهها، (انظر أحكام القرآن للجصاص ج٢ ص ١٣٢).
ولا ننسى أن نقول إن حسن العشرة مخاطب فيه المرأة والرجل على حد سواء، أي أن لكل من الزوجين حقوقاً على صاحبه، وعلى كل منهما أن يراعي هذه الحقوق، لأن النشوز وإن كان بالمرأة ألصق، إلا أن الرجال فيهم نشوز أيضاً.

والشرع ميزان بين الزوج والزوجة، لذلك قال الله تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة» (الآية ٢٢٨ من سورة البقرة).

وهذه الدرجة كما يقول ابن العربي هي أن الزوج مفضل على الزوجة مقدم عليها في حقوق النكاح فوقها (انظر أحكام القرآن لابن العربي ج١ ص ١٨٨).

والحديث صريح في بيان فضل الزوج على الزوجة، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمراً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». (رواه الترمذي)
فالزوجة عليها أن تمكن زوجها من الاستمتاع بها متى استوفت منه مهرها، وكانت بالغة بحيث تطيق الوطء، ولم تكن مريضة مرضاً يمنع من الجماع، وطاعته واجبة فيما أحله الله تعالى، إذ لا يجوز لها أن تطيعه فيما لا يحل كأن يطلب منها الوطء في حال الحيض. (انظر تفسير القرطبي ج٥ ص ١٦٩، (وانظر أحكام النساء لابن الجوزي).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"