شهادة الولد لأبيه

02:51 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

كانت لأحدهم قضية في المحكمة الشرعية، وطلبوا منه الشهود، فقال للمحكمة: أبنائي كلهم يشهدون لي.
لكن المحكمة رفضت شهادة أولاده له، وقالت: لا تصح شهادة أولادك لك من منظور الشرع، فاندهش الرجل وقال: هؤلاء أولادي وهم أقرب الناس إليّ وأعلم الناس بي، وأحرص على مصالحي من الغريب فكيف يُرفضون؟
أقول: لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من ظهره كمال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
إن الأصل في الشهادة كما يقول الفقهاء أن يكون الشاهد عندما يُدلي بشهادته محلّ تصديق، وبعيداً عن التهمة والشك في مصداقية ما يقول؛ لكن أولادك من صلبك ليسوا كذلك.
يرى جمهور الفقهاء أن شهادة الولد لوالده أو شهادة الوالد لولده لا تقبل، لماذا؟ لوجود تهمة أو احتمال وجود مجاملة أو محاباة أحدهما للآخر بحكم القرابة القريبة.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: «اختلف أهل العلم في شهادة الولد لوالده أو العكس، فمنع من ذلك الحسن البصري الشعبي وزيد بن علي والثوري ومالك والشافعية والحنفية، وعللوا بالتهمة فكان كالقانع».
لكن في المقابل، قال عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبدالعزيز وأبو ثور والعترة وابن المنذر والإمام الشافعي رضي الله عنهم، في قول أنها تقبل لعموم قوله تعالى: «ذوي عدل..».
وما يقال عن شهادة الولد لوالده أو شهادة الوالد لولده يقال أيضاً عن شهادة الزوج لزوجته أو شهادة الزوجة لزوجها لوجود التهمة نفسها (انظر نيل الأوطار ج8 ص336).
ولابن القيم في هذه المسألة رأي آخر؛ حيث يقول: «الشهادة تردّ بالتهمة ولا ترد بالقرابة ولا بالولاء وهذا هو الصواب، ثم استشهدوا بقول عبدالله بن عامر بن ربيعة عن عمر بن الخطاب أنه قال: تجوز شهادة الوالد لولده والولد لوالده، والأخ لأخيه إذا كانوا عدولاً، والله تعالى لم يقل حين قال: «ممن ترضون من الشهداء»، إلا والداً وولداً وأخاً.
ثم قال: «وإنما قُبل قول الشاهد لظن صدقه، فإذا كان متهماً عارضت التهمة الظن، فبقيت البراءة الأصلية ليس لها معارض مقام» (انظر إعلام الموقعين ج1 ص99).
يقول الزهري: «لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده ولا الأخ لأخيه ولا الزوج لامرأته، ثم دخل الناس بعد ذلك فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم إذا كان من قرابة، وصار ذلك من الولد والوالد والأخ والزوج والمرأة لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان» (انظر إعلام الموقعين لابن القيم ج1 ص89).
أقول: هذا في زمن الزهري رحمه الله، فكيف في زماننا نحن اليوم في القرن الخامس عشر الهجري والقرن الحادي والعشرين الميلادي؛ حيث لا ذمة تذكر والمال سيد الموقف إلا من رحم ربي؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"