الاتعاظ بالقراءة في التاريخ

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

التاريخ قديمه وحديثه وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه الحروف، يذكر لنا أن إدارة المجتمعات المبنية على القهر والتسلط مآلها في النهاية إلى التلاشي، مهما بلغت قوة القاهر والمتسلط . البعض يعتقد أن الحداثة في الإدارة السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي التي أولدت ضعف القاهر والمتسلط، وأعطت الشعوب القدرة على التغيير . في مثل هذه النظرية جانب من الصحة، فالشعوب التي تدار إدارة جماعية وباختيار من الناس تقل فيها القهرية والتسلطية . وعرف الناس في أنحاء الدنيا هذه الإدارة الجماعية عن طريق الاحتكاك بهذه الشعوب، التي يأتي على رأسها النظام الليبرالي الغربي، الذي تطور ووصل إلى هذا الحد من التقدم بعد صراع وجهد طويلين، وخاصة بعد الحربين الكبيرتين اللتين شهدهما العالم، العالمية الأولى والثانية، وقيام الأمم المتحدة والمنظمات المتعددة المنبثقة عنها، ولكن كما قلنا فإن التاريخ في مساره الطويل يذكر لنا حوادث كثيرة من تلاشي القهر والتسلط قبل المبادىء السياسية الحديثة، حتى الإمبراطوريات الكبيرة والقوية تلاشت، وأصبحت مفككة في كيانات صغيرة، نتيجة قيام شعوبها بمواجهة القهرية والتسلطية التي كانت تمارسها مركزياتها الإدارية . وعندي أن بعض الزعماء من ذوي السمات التسلطية والقهرية لا يقرؤون التاريخ، وإن زعموا أنهم يقرؤون، والدليل على ضعف مداركهم الفكرية بسبب ضعف في قراءة التاريخ ، أنهم في إدارتهم يتبعون نفس الأساليب التي جلبت لغيرهم الفشل، من أولئك الذين باؤوا بخسران، نتيجة ما كانوا يفعلون وما يتبنونه من سياسة في إدارة المُلك .

وفي التاريخ المعاصر للعرب أو بالأحرى خلال أعوام قليلة مضت، ونشاهد في هذه الأيام ذيولها وتبعاتها ، وقد نشاهد ما لا يخطر على البال في الأيام الآتية، هناك حوادث سقطت خلالها أنظمة، وتفككت بلدان، وتقف على مشارف السقوط أخرى ، ولو استعدنا الذاكرة وتعمقنا في التفكير، ولم تنحرف بنا العواطف عن جادة الواقعية، لوجدنا أن هذا السقوط وهذا التفكك جاء نتيجة حتمية لما كان الناس فيه من معاناة الضغوط القهرية والتسلطية اللتين فرضتهما الأنظمة المسيرة في المجتمعات التي حدثت فيها هذه التغييرات وتحدث .

إذن، الديمقراطية اللبرالية، والعدالة الاجتماعية، والاعتراف بحقوق الإنسان، وإدارة المجتمعات على أسس من التكافل الاجتماعي والمساواة بين الناس، واستقلالية القضاء، والابتعاد عن التسلطية الإدارية، والتقرب إلى الناس والوقوف على حوائجهم، هي صمامات الأمان لبنيان قوي لا تهزه العواصف والزلازل، ولا يأتي الأمان بحشد الوسائل القمعية، فالوسائل القمعية علاج مؤقت لا يعدو كونه تخديراً موضعياً سرعان ما يزول أثره، ويعود العضو المخدر في الجسم إلى نشاطه، ولكن العلاج الناجع، هو بالوسائل المشروعة التي تتبعها المجتمعات المتطورة في علاج مشاكلها، وهذه الوسائل معروفة . . التفاهم بين المتخاصمين بالحوار، والاستعداد للوقوف على هذه المشاكل، والعمل الجماعي لإيجاد الحلول لها . .

مرة أخرى نعود إلى ما قلناه وهو أن كثيراً من زعماء العالم، وخاصة عالم المجتمعات المتخلفة، بحاجة ماسة إلى قراءة التاريخ والاتعاظ به، وبما حدث لأقرانهم، وخاصة للمتسلطين والجبارين منهم، ونقول أيضاً إن القراءة وحدها لا تكفي إذا كانت غير متمعنة، لذلك عليهم أن يفهموا ويعوا ما يقرؤونه بإمعان، وكما قال سقراط . . ليس المهم أن نقرأ ولكن المهم أن نفهم ما نقرأ .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"