تريم عمران.. في ذكرى رحيله

04:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
بقلم: عبدالغفار حسين

تريم عمران الذي يعيش في وجدان الإماراتيين ولا يبرح ذاكرة من عرفه وجالسه وتحدث معه، ناهيك من كان قريباً منه وهو قريب منه، كأخ وصديق جمعهما حب مهنة المتاعب، مهنة الكتابة ومهنة حمل القلم في أجواء غير صافية الرؤية تتراكم فيها في كثير من الأحيان سحائب تمطر ما يغشى العيون من العفار والغبار..
في مثل هذا الجو الملبّد، وفي مثل هذا الظرف غير الملائم، ظهر شاب في العقد الثالث من عمره يُفكر في إنشاء دار للصحافة والإعلام المستقل، لا يرتبط بأي رباط يجره ذات اليمين وذات الشمال من غير إرادة حرة منه.. كيف يكون ذلك؟ وكل شيء حوله غير مؤثر كما قلنا وغير مُساعد، نحن الآن على مشارف انتهاء الستينات من القرن العشرين والبلاد مُقبلة على أمر جلل يشغل أذهان الناس ويجعلهم في أحوال نفسية غير مستقرة..
الأحداث تعلو وتهدأ حول قرار الإنكليز الانسحاب من المنطقة، وترك الناس يعملون ما يريدون وما يرون، والتساؤلات على أشدها، هل من أمل في لمّ الشتات وإقامة كيان وحدوي في الخليج لأول مرة بعد الخلافة الإسلامية الراشدة؟ كانت كل هذه الأسئلة تموج وتدور، تلقى أحياناً أجوبة قد تُحيّر السائل أكثر مما تهديه إلى الصواب..
ولم يكن أمام تريم عمران إلاّ الإصرار على تحقيق أمنيته التي يصبو إليها، وهي إقامة صحافة تنقل رأي الناس وآمالها وأمانيها في جوٍّ ليس فيه ظلال كثيف من الغموض.. ولكن هناك عقبة كأداء أخرى هي المال الذي يحتاج إليه المشروع، كيف يوفره واليد في ضيق وبسطها ليس بالأمر الهين؟ ولكن تريم عمران العصامي الذي لا تلين له عزيمة يواصل السير ويتخطى العقبات واحدة تلو أخرى.
وبهذه العزيمة والإصرارية على تحقيقها، نجح تريم عمران في استقطاب كل إمكانية استطاع تسخيرها، لتنفيذ مشروعه وهو دار الخليج وما يتبع هذه الدار من صحف ونشرات ومجلات.. وما دمنا في ذكر الإمكانيات التي استطاع تريم أن يوجدها بجهوده الذاتية، فإننا نذكر أن المشاركة من شقيقه الدكتور عبدالله عمران في هذا المشروع، والذي كان بمثابة حجر الزاوية التي استمد منها تريم عمران، مزيداً من القوة والثبات في وجه كل عقبة اعترضت طريق السير..
وقد جاءت الحوادث التي تلت تأسيس دار الخليج لتلقي بأعباء ثقيلة على هذه الدار الوليدة ومؤسّسيها، فكان هناك الشد والمد واحتقان المواقف في مباحثات إقامة اتحاد خليجي يَضُم تسعة بلدان خليجية هي: الإمارات السبع والبحرين وقطر، وكان هناك في إثر ذلك قرار من كل من البحرين وقطر عزمهما على الاستقلال وإقامة دولتين منفصلتين، وأحدث ذلك شيئاً من الارتباك والخلخلة في المواقف، مما جعل الإماراتيين يتفهمون الأوضاع ويتطلعون إلى إقامة دولتهم بتكوين اتحاد سباعي بين الإمارات السبع.. وشاركت الخليج وفريق عملها، تريم وشقيقه عبدالله ورفاقهما مشاركة فعالة في قراءة الأحداث وتطوراتها من العدد الأول الصادر في أكتوبر 1970، وحتى قيام الدولة بعد ذلك بعام وبعض عام..
في كتابي الذي كتبته بعد رحيل أبي نجلاء بوقت قصير وعنوانه «تريم عمران لمحات من حياته»، استعرضت فيه شيئاً من تفاصيل المراحل التي مرّ بها تريم، لاسيما تلك المراحل المتعلقة به كأول سفير في مصر ومندوب للإمارات العربية المتحدة لدى جامعة الدول العربية، ثم عودته وتوليه بعد فترة قصيرة رئاسة المجلس الوطني الاتحادي.. هذه الرئاسة التي أحدث فيها تريم عمران نقلة نوعية من مجلس استشاري تقليدي إلى مجلس مشارك مشاركة فعالة في الرأي والمشورة والعمل مع أجهزة الدولة المختلفة.. ومن يستعيد قراءة المذكرة المشتركة التي اتفق أعضاء المجلس الوطني ومجلس الوزراء على رفعها للمجلس الأعلى للاتحاد، يتبين لنا مدى الجهد الذي بذله تريم عمران للارتقاء بالمجلس الوطني وجعله حديث الناس في دعوته إلى الإصلاح وسد الثغرات التي كانت توجد في هذه الزاوية أو تلك.. ولو استعدنا ما حدث بعد ذلك من تطورات في المراحل المقبلة بعد دورة المجلس الذي رأسه أبو نجلاء، لوجدنا أن الكثير بل الأكثر قد تحقق في الدولة نتيجة لتلك المواقف والآراء المثمرة التي دعا إليها أبو نجلاء تريم عمران، رحمه الله رحمة واسعة، خاصة ونحن نستعيد ذكراه في شهر رمضان المبارك، داعين الله أن يتكرم فيعتبر هذه الذكرى في رمضان في ميزان حسنات هذه الشخصية الخيّرة التي كما قلنا لا تبارح وجدان من عرفها ورافقها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"