التفاهمات القادمة

05:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبدالله السويجي

الضربة الصاروخية التي نفذتها الولايات المتحدة على قاعدة جوية سورية لا تزال يتردد صداها حتى كتابة هذه السطور، وينشط المحللون في دوافع وآفاق وتداعيات الضربة، حتى أن بعض الأجهزة الإعلامية تحدثت عن احتمال صدام روسي- أمريكي فوق الأراضي السورية أو عليها، بل إن الصدام كان قاب قوسين أو أدنى من الحدوث. وفي السياق ذاته، شجبت أطراف تلك العملية العسكرية وأيدتها أطراف أخرى، وفق التحالفات الإقليمية، بينما طالبت المعارضة السورية باستمرار الضربات حتى إسقاط النظام السوري.
هل كانت روسيا على علم بالضربة؟ البعض يؤكد والآخر يشكك، لكن المنطق وطبيعة العلاقة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يستعد لزيارة روسيا خلال الفترة القريبة المقبلة، تجعلنا نميل إلى تنسيق ما بين الطرفين، والاختلاف يمكن أن يكون في حجم الضربة، وهي التي أدت إلى تدمير جزء من القاعدة الجوية السورية، التي قيل أن النظام أخلاها قبل العملية، والأضرار اقتصرت على الماديات ومقتل جنود لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد الواحدة. وهنا تثور الأسئلة التي تدور حول أسباب التنسيق وقبول روسيا المفترض بالضربة.
ترامب خلال حملته الانتخابية وجه سهامه إلى أطراف عديدين في الإدارة الأمريكية السابقة، ومن بينهم الرئيس السابق باراك أوباما، واتهمه بالتلكؤ في التعامل مع الأزمة السورية، بل اتهم أوباما بأنه وراء إنشاء تنظيم «داعش»، وعقد ترامب العزم على القضاء على «داعش» خلال فترة وجيزة، وأطلق تصريحات قبل الضربة بيومين أفادت بأنه عازم على محاربة «داعش» أما الرئيس السوري بشار الأسد فهو شأن سوري بحت، لكنه بعد الضربة وجه انتقادات قاسية للرئيس الأسد، وقال إنه تم السكوت عن أفعاله طويلاً، وآن الأوان للرد عليه، وانتهز فرصة قضية الهجوم الكيماوي ليوجه ضربته قبل أن يجري تحقيقات، ويتأكد من تورط النظام السوري في استخدام الأسلحة الكيماوية، وقد سلك السلوك ذاته الذي قام به بوش الابن حين قصف العراق بالسبب ذاته، وتبين فيما بعد أن العراق لم يكن يمتلك أسلحة كيماوية، باعتراف التقارير الأمريكية ذاتها، وهو ما يدل على أن السيناريو ذاته يتكرر، وبتنسيق روسي أيضاً.
هذه الضربة التي وصفها مسؤولون أمريكيون بأنها لمرة واحدة ترفع من أسهم ترامب رغم عدم استشارة الكونغرس، كما قيل، وتظهره بأنه نفذ وعده وترجم كلامه، لكن ما غاب عن المحللين أن ترامب لم يعد بضرب الجيش السوري، وإنما بالقضاء على الإرهاب، الذي يقول النظام إنه يحاربه منذ أكثر من ست سنوات. وهكذا يكون الرئيس الروسي بوتين قد ساعد ترامب على إعادة بناء صورته وتقديمه على أنه رجل أفعال لا أقوال. على الصعيد الأمريكي الداخلي، ومن ناحية أخرى، غطت الضربة على الجدل القائم، حتى ما قبل الضربة بشأن محاولات روسيا التدخل في الانتخابات الأمريكية، وهي التي قسمت السياسيين الأمريكيين إلى معسكرين.
الضربة الأمريكية للقاعدة الجوية السورية لم تكن مفاجأة بشكل كبير، أي لم تكن صدمة إلّا لأسواق المال التي اهتزت، فقد صرح مسؤولون في الإدارة الأمريكية بأن ترامب يدرس خيارات لكنه لم يصل لقرار، وفوجئنا بأن القرار قد اتخذ بعد عشر ساعات تقريباً، وتلك المناورة معروفة في العلم العسكري؛ حين تجعل عدوك يطمئن ثم تنقض عليه. لكن المفاجئ في الأمر هو قيام النظام بإخلاء القاعدة من الطائرات والأسلحة أو الدفاعات الجوية، ما يؤكد معرفته بالضربة، كما يؤكد التنسيق الروسي- الأمريكي بشأنها، بهدف تلميع ترامب وتمهيد الطريق لتفاهمات أخرى، وربما يكون من بينها عقد مفاوضات جدية بين النظام والمعارضة للتوصل إلى حل معين.
إن ما يجعلنا نعتقد بهذا التحليل هو الحديث عن إعمار سوريا خلال مؤتمر استضافه الاتحاد الأوروبي، يوم الأربعاء الماضي، في بروكسل، حيث ناقش المؤتمرون فرص إنهاء النزاع والبدء في إعمار سوريا، وقال «كريستوس ستيليانيدس» المفوض الأوروبي للمساعدات الإنسانية في ختام المؤتمر، إن الوفود المشاركة تعهدت بتقديم مساعدات بقيمة 6 مليارات دولار في عام 2017، وقال «يتعين علينا الآن أن نتجاوز إصدار البيانات، علينا أن نعمل لتنفيذ هذه التعهدات في أقرب وقت ممكن»، ولننتبه إلى الجملة الأخيرة (في أقرب وقت ممكن)، ولنلاحظ أيضاً ما كشفه وزير الخارجية القطرية، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في ختام المؤتمر عن تخصيص بلاده ما يزيد على مليار و600 مليون دولار «لتخفيف معاناة السوريين. في الداخل وفي الخارج وهذا عبر المنظمات الأممية، ومن خلال تمويل عدة مشاريع. وشدد على ضرورة التخطيط لمشاريع إعادة الإعمار في سوريا..».
نحن لا نعتقد بنهاية قريبة للحرب في سوريا، ولا نعتقد أيضاً أن روسيا والولايات المتحدة في طريقهما إلى التصادم، بل إنهما يعيدان ترتيب الأوراق بطريقة تقليدية، أي تسخين الموقف قبل تبريده، لكن في الأحوال جميعها، لن يكون الأسد عائقاً أمام أي تفاهمات، بمعنى أن روسيا، وحتى إيران، لن تتمسكا به إلى الأبد، فقد سقطت ورقته شعبياً وإقليمياً. وهذا ما ستثبته الأيام القادمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"