العد العكسي لحملة شاملة على الإرهاب؟

03:09 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول

تبدو بروكسل منذ ثلاثة أيام كمدينة أشباح بسبب تهديد إرهابي بتفجيرات شبيهة بما وقع في باريس الأسبوع الماضي. ليست بروكسل المتوقفة عن الحياة الطبيعية عاصمة بلجيكا فقط هي أيضاً عاصمة الاتحاد الأوروبي ما يعني أن قلقها وحذرها بل خوفها يتعداها إلى القارة العجوز بأسرها.

ومن غير المعروف إلى متى يمكن أن يستمر الإقفال الذي ينتهي اليوم بحسب الإعلان الرسمي لكن يصعب تأكيد ذلك ما دام السبب الذي من أجله أغلقت الجامعات ومحطات المترو والمدارس والأسواق لم يتضح بعد سواء عبر اعتقال المهددين أو الإرهابيين المحتملين أو تحديد مكانهم.

والحال الأصعب بالنسبة للسلطات البلجيكية هي أن تكون مضطرة لإطالة حظر التجول من دون أفق منظور أو تاريخ محدد أو أن تكون مضطرة للمخاطرة بفتح المرافق العامة من دون نتيجة أمنية واضحة نزولاً عند ضغوط الحياة اليومية عشية أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية.

ما نراه في بلجيكا يمكن النظر إليه مضاعفاً في باريس التي ضربها الإرهاب بقوة الأسبوع الفائت من دون أن تتمكن من طمأنة مواطنيها، إلى أن ما حصل انتهى بموت الإرهابيين وبالتالي يمكنهم استئناف حياتهم الطبيعية كما كانوا يفعلون من ذي قبل.

والأخطر من حالتي باريس وبروكسل هو أن تضطر مدن أخرى في أوروبا أو في الغرب عموماً إلى اتباع المسارين البلجيكي والفرنسي. في هذه الحال سيكون العالم قد سجل سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخه حيث استطاعت منظمة إرهابية متوسطة الحجم أن تنشر الرعب في مدنه وتحمل سلطاتها على تجميد حركة الناس والأسواق وأطباء التحليل النفسي على معالجة آلاف البشر المصدومين إن لم يكن عشرات أو مئات الألوف منهم.

ولربما هذا الافتراض هو الذي يوحي للمعلقين الغربيين بالحديث عن مساع حثيثة لتشكيل تحالف دولي من أجل تدمير «داعش» على حد تعبير هولاند وأوباما وليس إلحاق الهزيمة به. لكن الوقت لا يلعب لصالح هذه المساعي فكل تأخير في تشكيل هذا التحالف من شأنه أن يتيح تنظيم وتعبئة مجموعات إرهابية أخرى والتخطيط لعمليات إرهابية قاتلة كما جرى في باريس الأسبوع الماضي ما يعني أن سباقاً مع الوقت يتم بين الطرفين مع أرجحية ل «داعش» الذي لا يحتاج إلى رسم استراتيجية مجابهة جديدة، فهو بالنظر إلى أسلوب عمله ربما قرر منذ وقت طويل شن حرب تدميرية على الدول الغربية ووضع الخطط اللازمة لذلك وحدد المجموعات التي يمكن أن تتولى مثل هذه المهام.

أما حديث التكتل الدولي لشن حرب شاملة على «داعش» فإنه يفصح عن تعقيدات لا نعرف كيف سيتم التغلب عليها ومن بينها مصير سوريا بعد الانتصار الموعود. هل يبقى النظام الحالي ورئيسه أم يرحل ويتم تغيير النظام بهذه الدرجة أو تلك ؟
تقول في هذا الصدد «فورين بوليسي» إن تنظيم «داعش» سيحمل الجميع على الاعتراف بسلطة الرئيس بشار الأسد وإنه لن يترك للغربيين سوى هذا الخيار. وترى جهات أخرى أن تعيين الرئيس الفرنسي هولاند «داعش» كعدو أوحد للحرب في سوريا استثنى بشكل تلقائي الاعتداء على قوات الرئيس السوري وأنصاره أو العمل على إسقاطه بقوة، ويعني أيضاً سقوط الاستراتيجية السابقة التي كان هولاند يرددها ويختصرها بشعار «لا «داعش» ولا الأسد». بيد أن هولاند على الرغم من تعيينه «داعش» عدواً وحيداً فإنه لا يكف لحظة واحدة عن القول إن «مستقبل سوريا لن يكون مع الأسد» من دون أن يكون واضحاً في الحديث عمن يخلف النظام السوري وكيف وبأية وسائل؟ والمشكلة لا تتوقف عند هولاند وحده فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن الشعب السوري هو الأجدر بحل مشكلة رئيسه. وهنا لا تخفي المصادر الروسية ارتياحها للتغير في الموقف الفرنسي الذي ما عاد يضع رحيل الأسد كأولوية للمفاوضات كما حصل في فيينا، ويعتبر الروس أن تحديد هذه الأولوية يهمش الباقي خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتشكيل تحالف دولي لشن حرب عالمية على عدو الأسد في الحرب السورية.
لكن هل يواصل الرئيس الفرنسي مساعيه لتشكيل التحالف الدولي بما يرضي روسيا من دون أن يكف عن هجومه التكتيكي على الرئيس السوري تجنبا لإثارة خصومه وأعدائه ومعارضيه فيأتي الانتصار على «داعش» لطي صفحة الحرب السورية التي فاضت عن إطارها المحلي إلى محيطها الإقليمي والدولي حتى صار إقفالها هدفاً بحد ذاته؟ أم يصر على التمسك جدياً بشعار لا «داعش» ولا بشار مغامراً في هذه الحال بالقضاء على فكرة التحالف الجدي في مهدها؟ أم يرضى بتشكيل تحالف شكلي تحتفظ أطرافه باستراتيجياتها الخاصة فتكون فاعليته محدودة الأمر الذي يصب الماء في طاحونة «داعش»؟

وسط هذه السيناريوهات لم تتردد الحكومة السورية بإعلان شروطها للحل السياسي في سوريا متمسكة بأولوية تدمير الإرهاب قبل تطبيق خريطة الطريق التي أعلنت في اجتماع فيينا الثاني.

يفضي ما تقدم إلى أن الحرب المعلنة على «داعش» من الأطراف الدولية قاطبة ما زالت حتى هذه اللحظة متعددة الرهانات والحسابات الاستراتيجية وهذا من شأنه أن يعيق مسار الحرب التي يصعب الانتصار فيها جواً وبالتالي تحتاج إلى مقاتلين على الأرض من الجهتين، حيث الجيش الرسمي السوري وحلفائه من جهة والمعارضة المسلحة الكلاسيكية والموصوفة بالاعتدال من جهة أخرى، ويحتاج الجمع بين الطرفين ضد «داعش» إلى وفاق سياسي لا يمكن إلا أن يكون نتيجة لتفاهم القوى الدولية والإقليمية التي تجمع على أولوية الحرب على الإرهاب.. ويبقى أن تطلب من أصدقائها المحليين التفاهم السياسي على حل للأزمة السورية خلال أجل مسمى والمرجو أن تكون هذه كلمة السر في المناورات الحربية الراهنة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"