مكافحة الإرهاب بلا عنصرية و«إسلاموفوبيا»

03:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
لا يناقش موضوع الإرهاب في أوروبا على مستوى القارة إلا في حالات ضاغطة من طرف الرأي العام إثر عملية دموية في هذا البلد، أو ذاك. وتتخذ الإجراءات نفسها في كل مرة، أي فتح الأجهزة الأمنية على بعضها بعضاً، لتغلق من بعد. رغم ذلك لم يتوج التنسيق الأوروبي -الأوروبي ب«صفر عمليات»، بدليل أن عملية استاد فرنسا الرياضي بينت بوضوح أن الإرهابيين جاؤوا من بلجيكا من دون أن يتمكن البوليس البلجيكي من ضبطهم، وتحذير الشرطة الفرنسية منهم، لا بل إن أحد أفراد المجموعة تمكن من العودة إلى بلجيكا بعد العملية، ونجح في اختراق الحدود من دون صعوبات تذكر، الأمر الذي يكشف محدودية التنسيق، أو هامشيته.
تعذر الانفتاح الشامل، والدائم بين أجهزة الأمن الأوروبية يبدو مفهوماً، ذلك أن حدود عمل الجهاز الأمني في هذا البلد، أو ذاك تظل حدوداً وطنية، والنتائج التي يحققها الجهاز الوطني تظل وطنية، تماماً كحال الجيوش الأوروبية التي تحمي مواطني بلدها، أولاً وأخيراً، كيف لا، وهي تتقاضى ميزانيتها من الدولة الوطنية، فضلاً عن تصنيف أعمال الجهاز، وحدود هذا التصنيف ضمن إطار وطني، بما في ذلك قياس الترقيات، والأنواط والأوسمة، وكلها محلية، وليست أوروبية. وهذا ينطبق على الجيش وسائر المؤسسات الرسمية.
ولا يعني ذلك بالطبع أن التعاون مفقود، فهو قائم بحسب الحالات، لكن فعاليته الدائمة تقتضي تجاوز الثنائيات، وتأسيس جهاز أوروبي بحسب الخبراء المحليين في هذا الشأن، على أن تسبق ذلك خطوة جريئة أخرى بتأسيس جيش أوروبي يعمل لمصلحة القارة، وليس لغيرها.
بانتظار ذلك، يبدو أن الإرهابيين سيواصلون الإفادة، جزئياً على الأقل، من ضعف التنسيق الأوروبي -الأوروبي، والتسلل إلى حيث يريدون، وبالتالي القيام بعمليات إرهابية هنا وهناك. والسؤال الذي تطرحه أوروبا على نفسها هذه الأيام هو: هل تؤدي هزائم «داعش» في العراق وسوريا ولبنان إلى تراجع عملياته في الخارج، أم إلى زيادتها؟ وهل ما زال لدى التنظيم القدرة على القيام بعمليات كبيرة، ومدوية، كما عملية برشلونة. وأخيراً، هل تؤدي عودة أعضاء التنظيم الأجانب إلى أوروبا، وهم مواطنون فيها، إلى زيادة المخاطر، وكيف يمكن الوقاية منها؟
لا توجد أجوبة قاطعة على هذه الأسئلة، وإنما فرضيات قريبة، أو أقل قرباً من الواقع. فالقول إن ضعف التنظيم في سوريا والعراق يمكن أن يؤدي إلى زيادة الأعمال الإرهابية، يعني أن مصلحة أوروبا تقتضي أن يظل قوياً حتى تنخفض العمليات، وهذا في نظر أحد الخبراء في شؤون الإرهاب أمر عبثي. إن ضعف التنظيم يمكن أن ينعكس سلباً على العمليات الكبيرة، كما هي الحال في برشلونة مؤخراً، أو في استاد فرنسا الرياضي عام 2015. لكن لن يتراجع في العمليات الصغيرة المحدودة الأثر التي ارتفعت حدتها مع اقتراب النزاع في العراق إلى النهاية.
يجدر التنبيه إلى أن القيام بعمليات فردية قد يبدو من الصعب ضبطها في كل الحالات، إلا نادراً، أو بالصدفة البحتة. وحتى تتضح الصورة اكثر نأخذ مثالاً افتراضياً عن شاب مراقب من طرف الأجهزة الأمنية لشكوك حول فكره الديني المتطرف، وهو حر الحركة، ويمكن مراقبته بواسطة الحلقة الإلكترونية، وفجأة يقرر هذا الشخص القيام بعملية انتحارية بواسطة سيارة مدنية، أو سكين مطبخ، أو ما شابه ذلك، فكيف يمكن منعه؟ الاحتمال صفر. لنأخذ مثالاً آخر عن ربّ أسرة مؤلفة من زوجة وثلاثة أولاد، نهض صباحاً وتناول فطور الصباح مع أسرته، ومن ثم ذهب إلى مكتبه فذبح ربّ العمل، وفصل رأسه عن جسده، واتجه إلى مصنع كيماويات لتفجيره إلى أن التقطته أجهرة الشرطة، وقتلته.
هذه النوع من العمليات التي يصعب كشفها هو الذي يحقق الأغراض الدعائية للتنظيم، بوسائل لا قيمة كبيرة لها، ولا تحتاج إلى تحضيرات ضخمة، بل أكاد أقول إنها محصورة في الأجهزة المنزلية. والراجح أن يؤدي اعتقال مسؤولين في التنظيم إلى الكشف عن بعض الشبكات النائمة، أو الأفراد المنتظرين أوامر تأتيهم للقيام بعمليات في مناطق سياحية معروفة في العالم، كما هي الحال في برشلونة، والشانزليزيه، ومتحف اللوفر في باريس، والبرلمان البريطاني.. إلخ
ومن بين الإجراءات التي قد تحدث قلقاً في صفوف المنتسبين الأجانب إلى التنظيم، السماح للدول التي تعاني إرهاب «الدواعش» الأوروبيين، بأن تحاكمهم على أراضيها، وتطبق بحقهم العقوبات التي تراها مناسبة، أما المقيمون على الأراضي الأوروبية من ذوي الجنسيات الأجنبية، فهؤلاء يمكن طردهم، وبالتالي حرمانهم من حصانة الإقامة الثابتة، كما هي الحال حتى الآن، وما نعرفه أن فرنسا طبقت هذه الإجراءات على الأقل، وصرح وزير خارجيتها جان ايف لودريان، بأن من حق العراق مثلاً، مقاضاة فرنسيين إرهابيين على أراضيه، مع ما يعني ذلك من احتمال تطبيق عقوبة الإعدام، أو التعرض لتجاوزات من ضمنها التعذيب، للحصول على معلومات. تبقى الإشارة إلى أن ضعف التنظيم في العراق وسوريا لا يلغي خطره، فهو موجود في ليبيا، ودول إفريقية، وإن لم يكن بصيغة «الدولة».
ما من شك في أن دورة الإرهاب «الداعشي» قد تستمر إلى هذا الحد، أو ذاك، بعد معارك العراق وسوريا، ما يعني أن التصدي لها يقتضي تجنب السقوط في فخ العنصرية، والإسلاموفوبيا، وكره الأجانب.. فالسقوط في هذا الفخ، وفيه وحده، يمكن للإرهاب أن يبقى إلى أجل غير مسمى.
فيصل جلول
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"