امتداد الأزمة السورية

02:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول
يمكن لبضعة أسطر أن تغني أحياناً عن آلاف الأوراق التي تتناول مواقف الأطراف المتصارعة في أزمة معينة، كما هي الحال في دراسة موجزة، تسربت إلى وسائل الإعلام الفرنسية من وزارة الخارجية، وتقتصر على سبع صفحات، أعدها باحثون في مراكز القرار في ال«كي دورسيه»، حول السياسة التي يترتب على أوروبا وفرنسا اعتمادها في المنطقة بعد سقوط مدينة حلب.
تفيد الوجهة العامة لهذه الورقة، بالتزامها الأسس التي اعتمدتها باريس في التعاطي مع الأزمة السورية خلال عهدي نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، والتي ترى وجوب تغيير النظام في سوريا، أو محاصرته، وحرمانه من هوامش المناورة على كل صعيد. ومع أنها تأخذ في الاعتبار سقوط حلب، إلا أنها لا تنصح بتغيير السياسة الخارجية إزاء الحكومة السورية، حتى لا تستكمل الانتصار العسكري بانتصار سياسي ينهي الأزمة وفق مصالحها.
كل الدلائل تشير إلى أن هذه الدراسة، كان ينبغي أن تظل سرية، لكونها تنطوي على نصائح يترتب اعتمادها خدمة للمصالح الفرنسية والأوروبية في سوريا والشرق الأوسط، ولعل تسريبها يضمر طرح بنودها للنقاش، أو استجابة لمصلحة مرشح أو مرشحين للرئاسيات في الربيع المقبل، ممن يعارضون علناً سياسة الرئيس هولاند في هذه القضية، ولديهم تصور مخالف، إن لم يكن يتناقض تماماً مع سياسته. وأعني بذلك مارين لوبن التي صرحت، أمس الأول، بأنها ستتعاون مع دونالد ترامب، وفلاديمير بوتين، وبشار الأسد، في مكافحة الإرهاب إذا انتخبت رئيسة للجمهورية، وأن فرنسا في عهدها لن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، انطلاقاً من مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.
ويعتمد جان لوك ميلنشون، مرشح اليسار الشيوعي والراديكالي، الموقف نفسه تقريباً، فهو يرى أن مصير الحكومة السورية يقرره الشعب السوري، في حين يعتقد فرانسوا فيون المرشح الذي تلاحقه الفضائح والذي كان حتى عهد قريب المرشح الأقرب إلى الإليزيه، أن الحكم في سوريا ديكتاتوري، لكن على فرنسا التباحث معه في سياق مكافحة الإرهاب، خصوصاً أن السياسة التي اعتمدت من قبل لم تتكلل بالنجاح.
الاختلاف بين المرشحين للرئاسة حول سوريا قد يفسر تسريب الورقة ونشر مقتطفات منها، ولربما أيضاً يراد من نشرها قطع الطريق على ماكرون، الذي يعتمد في الأزمة السورية موقفاً أقرب إلى اليمين الديغولي.
وقبل الحكم على صلاحية هذه الورقة بالقياس إلى وقائع الصراع على الأرض، لا بد من الوقوف على بعض عناصرها الأساسية:
أولاً تريد الحكومة السورية بحسب الورقة تحويل انتصارها العسكري في حلب إلى انتصار سياسي شامل، وبالتالي حمل المعارضين على الاستسلام لقاء مصالحات وإصلاحات هامشية.
ثانياً يمكن لتفاهم روسي - أمريكي أن يحقق غرض الحكومة السورية، بيد أن ترامب يصعد اكثر فأكثر مع إيران، الأمر الذي يضعف التفاهم المرتقب.
ثالثاً المصالح التركية لا تتطابق مع المصالح الأوروبية في شمال سوريا، والأتراك يهتمون بضمان مصالحهم من خلال الروس.
رابعاً «إسرائيل» تعتمد على روسيا في ضمان مصالحها أيضاً في سوريا.
خامساً المصالح الفرنسية والأوروبية تستدعي دعم المعارضة المعتدلة في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية، ولا بد من إيجاد تفاهم مع الأتراك من خلال صيغة معينة لا تثير قلقهم إزاء المسألة الكردية. إن هذه المناطق تتيح مواصلة الضغط على النظام في سوريا، وحمله على الخروج من الأزمة بما يتيح نفوذاً للغرب يمنع الحكم السوري من اللعب بروقتين أساسيتين تتصلان بالمصالح الأوروبية، والمقصود بذلك الأمن واللاجئين.
سادساً الضغط بواسطة ورقة إعادة الإعمار، فالحكم السوري بحسب الورقة، لا يمكنه تحمل تكلفة إعادة الإعمار، ولا يمكن لحلفائه الروس والإيرانيين تحمل هذه التكلفة المقدرة ب 300 مليار دولار، وهذا يعني أنه سيكون بحاجة للرساميل الأوروبية وبالتالي القبول بتأثيرات أوروبية.
سابعاً إن مصالح دول المنطقة، متناسبة تماماً مع المصالح الأوروبية، في إقامة مناطق آمنة ومستقرة في سوريا خارج السيطرة، على أن تكون إدارتها سورية، وجاذبة للكادرات السورية المعارضة للنظام بحيث تشكل نموذجاً يحتذى.
الواضح أن هذه الخطة في حال اعتمادها تتناقض مع الحماس الذي أبدته فرديريكا موغريني حول المساهمة الأوروبية في إعادة الإعمار في سوريا، وبالتالي تؤكد أن رهان إعادة الإعمار يتم بمساهمة أوروبية فقط، في حال رضيت دمشق أن تعمل تحت السقف الخليجي- الأوروبي، وهو أمر بعيد المنال.
وتفيد المعطيات المتوفرة عن موقف الحكومة السورية، وعن الوقائع المحيطة بها على الأرض، أن حلفاء دمشق قد بذلوا تضحيات على غير صعيد حتى لا تسقط العاصمة، وحتى يستعيد الجيش السوري زمام المبادرة، ولكنهم لا يرغبون بدورهم، في بذل المزيد من التضحيات عندما يكون النظام بعيداً عن الخطر.
في المحصلة، تبدو الأزمة السورية بعد سقوط حلب كأنها مفتوحة على شكل جديد من الصراع حول المناطق الطرفية الواقعة خارج سيطرة الحكم، الأمر الذي يعني تشجيع انفصال المناطق الطرفية في الشمال والجنوب، أو الحفاظ عليها كورقة ضغط ضد الحكومة السورية لانتزاع تنازلات منها، وهدايا لم تتمكن من الحصول عليها عندما كان القتال يدور على ساحتي العباسيين، وبني أمية.
الأمر المؤكد أنه في حال انتخاب رئيس فرنسي مناهض للحكومة السورية، هو أن الحرب السورية مرشحة للبقاء في فضاءاتنا أياماً صعبة، بل سنين أخرى بطعم الدم والخراب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"