تربية الدب في الكرم

03:50 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. عبد الله السويجي
هل كانت فرنسا تتوقع، وهي تسهل مرور (الجهاديين) لمحاربة (الديكتاتور) بشار الأسد، أنهم سيعودون إليها لممارسة (الجهاد) ضد (الكافر) هولاند؟ وهل كان (أمير المؤمنين رجب طيب أردوغان) يتوقع، وهو يفتح حدوده لمن هب ودب من مرتزقة العالم، و(الجهاديين)، و(الثوريين)، أن يضربه هؤلاء في عقر داره في أنقره، مخلفين عشرات القتلى والجرحى، وأن يجعلوا منطقة ديار بكر مسرحاً لحرب حقيقية؟ وهل كان (ملك الديمقراطية الغربية أوباما) يتوقع، وهو يزود (المعارضة) السورية بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الاتصال، أن يتلقى التهديدات باقتحام البيت الأبيض؟ وهل كان (أئمة المسلمين) يتوقعون وهم ينادون ب (الجهاد) في المساجد، ويفتون بالقتال ضد (الطاغية بشار قاتل الأطفال) أن يعود هؤلاء (الجهاديون) إلى أراضيهم، ليفجروا المساجد ويقتلوا رجال الأمن والمدنيين، ويهددوا باستباحة أراضيهم ويتهمونهم ب (المشركين والمرتدين) بكل صفاقة وإجرام؟

أما (أبو علي بوتين) فكان يتوقع كل شيء من هؤلاء (الإرهابيين) الذين يعارضون نظام بشار الأسد، لكنه لم يخف صدمته القاتلة من تفجير طائرة مدنية فوق صحراء سيناء، ويتوقع تهديداتهم باقتحام واحتلال الكرملين، بل يتوقع أكثر؛ أن ينفذوا تلك التهديدات، خاصة أن بلاده على مقربة من دول تشكل أرضية حاضنة لهؤلاء، وتصدر آلاف المقاتلين للانضمام في صفوف (داعش والنصرة)، وغيرهما، وله تجارب كثيرة معهم، وخاصة مع مقاتلي الشيشان الذين اقتحموا ذات يوم مسرحاً في موسكو، وقتلوا وحرقوا قسماً من الموجودين داخله، فما كان من (أبو علي بوتين) إلا أن خنقهم بالغاز.
هؤلاء الذين لم يتوقعوا عودة (الأبناء الضالين) للقيام بهجمات في بلادهم، كانوا يضربون (داعش) ضرب الأب لابنه، لسنوات، وبعد الضرب كانوا يرسلون إليهم الأموال، والسلاح، وأجهزة الاتصال، ويفتحون حدودهم أكثر، ويقومون بالإغارة على أوكارهم، بينما كانوا في الواقع، يقصدون مقاتلي المعارضة، كما فعلت تركيا، حين ادعت أنها ستشن حرباً ضد "الدواعش"، فإذا بها تقصف من دون هوادة مواقع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، بعد أن أوقفت مفاوضات العملية السلمية معهم. وكان رد حزب العمال قاسياً وكبّد تركيا مئات القتلى من جنودها.
أما ضربات (قيصر روسيا) الذي توقع أن يقوم هؤلاء (الجهاديون) بالعودة إلى دياره لإقامة مناطق نفوذ لهم على حدوده في أفغانستان وقيرغزستان والشيشان، فذهب إليهم قبل عودتهم، وشن ضربات موجعة ظهرت نتائجها بتقدم الجيش السوري على الأرض واستعادته آلاف الكيلومترات المربعة، واستعرض (القيصر) أكثر فأطلق صواريخه من بحر قزوين، ومن القاذفات الاستراتيجية.
لا يهم هنا دوافع روسيا، إن كانت تريد المحافظة على مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وقواعدها في البحر المتوسط، أم أنها تريد القيام بضربة استباقية ضد (الإرهابيين)، أو أنها تريد الحفاظ على نظام بشار الأسد، أو تريد توجيه رسالة إلى الناتو والعالم بأنها لا تزال قوة عظمى، أو تريد أن تكون شريكاً رئيسياً في ترتيب الشرق الأوسط من جديد، وإنما تهمنا النتائج التي حققتها على أرض الواقع عسكرياً في سوريا، والنتائج التي توصلت إليها سياسياً، حيث وضعت تاريخاً محدداً للبدء في عملية السلام أو الانتقال السياسي، مكررة أن بقاء الأسد من عدمه ليست هي المشكلة، لأن (الشعب السوري هو من يحدد مصيره ).
نزعم أن رئيس فرنسا وأمريكا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية كانوا يتعاملون مع القضية السورية كقضية سياسية، وينظرون إلى المقاتلين كمناضلين من أجل الحرية والديمقراطية، وإذا أحسنّا النوايا، نقول أنهم لم يكونوا على علم تام بالفكر الذي يحرك هؤلاء المتطرفين، على وجه الخصوص، إذ إن (الجهاديين) لم يتحدثوا عن تكفير (الصليبيين) بشكل صريح، ولم يعلنوا عن عدائهم للكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين، ولم يكفّروا اليهود، بل إن التصريحات التي كانت تصدر عن بعضهم في وسائل الإعلام، كانت تمجّد نتنياهو، على أنه أرحم من بشار الأسد، وكأن نتنياهو لم يقتل الأطفال ويبقر بطون النساء الحوامل، ولم يهدم البيوت، ولم يرتكب المذابح بحق الفلسطينيين، ورغم ذلك، لم تصدر حتى الآن فتوى بضرورة الجهاد ضد «الإسرائيليين» في فلسطين كونهم يحتلون بلاداً مسلمة ويذيقون شعبها الويل، بل هؤلاء (المجاهدون) لم يذكروا المسجد الأقصى ولا قبة الصخرة، ولا المكان الذي أسرى منه سيد المرسلين ليعرج إلى السماوات، وهذا، ما أقنع زعماء أوروبا بأن هؤلاء (المجاهدين) ليسوا على عداء مع الغرب، بل إن زعيم جبهة النصرة كان واضحاً وهو يتحدث إلى «قناة الجزيرة» عندما أعلن أنه ليس على عداء مع الغرب، ومحاوره أحمد منصور (الإخونجي) جعله يكرر هذا في محاولة لتوصيل رسالة تطمين لهؤلاء ليواصلوا دعم المتطرفين.
أما السؤال الجوهري هو: ألم يكن العرب والمسلمون على دراية بفكر هؤلاء وطموحاتهم ومخططاتهم، ألم تدرك وزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف والعدل ودور الفتوى جموحهم منذ البداية، أم أنها كانت خاضعة لموجة سياسية لم تستطع مواجهتها، والآن يطلب منها مواجهة هذا الفكر الشيطاني المتطرف التكفيري، ونخشى أن الأوان قد فات على ذلك، لأنهم هيجوا الشعوب وشحنوها بقناعات جعلتهم يتسامحون مع رجل شق صدر جندي سوري والتقط كبده وبدأ بالتهامه، وحين جاؤوا ليتآزروا في وجه حرق الطيار الأردني الكساسبة، كانت القناعات قد ترسخت (العين بالعين والسن بالسن)، وذهب كثيرون لتوسيع مفهوم هذا المبدأ ليشمل (الحرق بالحرق).
فرنسا الآن تلملم جراحها، وترسل حاملة طائراتها، وتقوم بشن غارات على أوكار (داعش)، وأمريكا، ويا للغرابة، تقرر زيادة الدعم (للمعارضة)، والعرب والمسلمون يناقشون بقاء الأسد من رحيله، على الرغم من أنهم يكتشفون كل يوم مجموعات إرهابية على صلة ب (داعش) في بلادهم، ومقاتلو (داعش) يخططون لضرب أماكن بالأسلحة الكيماوية، إذ لم يعد يهمهم الآن إقامة الخلافة، وإنما بث الذعر في عواصم العالم، وعملية احتجاز الرهائن في فندق في العاصمة المالية تأتي في هذا السياق.
هل تستطيع روسيا وأمريكا وفرنسا، وهي دول عظمى، إلى جانب الجيش السوري المدعوم بشكل مباشر من إيران وحزب الله اللبناني، القضاء على (داعش) والمتطرفين؟ وهل (داعش) من القوة بمكان حتى تصمد أمام كل هؤلاء الذين يمتلكون ترسانات أسلحة يمكنها تدمير الكرة الأرضية؟ وإذا استطاعت هذه الجيوش هزيمة (داعش)، هل ستتمكن من هزيمة الفكر الذي يحرك التنظيم، علماً بأن دولاً تقف خلفه وتستخدمه لصالحها وتنفيذ سياساتها؟ إذاً، هل في المحصلة النهائية، ستقوم تلك القوى العظمى بمقاتلة تلك الدول؟ هذا هو السؤال الذي يخشى منه العالم، الذي سيضطر، كما نعتقد، لاتخاذ خطوة خطيرة جداً في هذا السياق، إذا ما زاد (داعش) من ضرباته، خاصة وأنه تسلل مع عشرات الآلاف من اللاجئين إلى أوروبا. لقد حصل مع أوروبا ومع الدول التي نصفها في الغرب ونصفها في الشرق، ما يقوله المثل (جاب الدب إلى كرمه)، وطبعاً بدأ الدب يأكل الأخضر واليابس، وهذه ضريبة الخطط غير المدروسة، والاقتحامات غير المنطقية.
لا أحد يستطيع الإجابة عن هذه التساؤلات سوى المستقبل، الذي يحمل في طياته تطورات أخطر مما نظن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"