عراقيل التسوية السورية

04:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

تتسارع من جديد وتائر البحث عن تسوية سياسية، وسط انخراط أوروبي، تمثله ألمانيا وفرنسا، في البحث عن مشتركات مع الدول الثلاث الضامنة لاتفاق أستانا (روسيا، تركيا، إيران)؛ بعد أن وصل الروس والأتراك إلى صيغة حول محافظة إدلب، جنّبت المدنيين كارثة إنسانية كبيرة، خصوصاً أن المحافظة أصبحت مركزاً للنازحين السوريين من مختلف مدن وبلدات سوريا، ويقدّر عدد قاطني المحافظة اليوم بحوالي أربعة ملايين سوري، معظمهم من الفقراء، الذين خسروا أملاكهم وأرزاقهم، وقد شكّل الاتفاق (الروسي- التركي) حول المحافظة مدخلاً للعودة إلى نقاش التسوية السياسية.
لم ترغب موسكو أن تدخل حرباً برية في محافظة إدلب، فهي تدرك مسبقاً أن قوتها النارية الجوية لن تكون كافية لكسب المعركة، لأسباب كثيرة، من بينها أن المحافظة تضم معظم مقاتلي الفصائل الإسلامية، الذين خرجوا من بلدات ومدن الجنوب السوري، بعد مصالحتي الغوطة والجنوب، ويبلغ عدد المقاتلين أكثر من عشرة آلاف على أقل تقدير، وبالتالي فإن روسيا كانت مضطرة للاعتماد على قوات النظام وإيران، وهو ما لا ترغب فيه؛ نظراً للحساسية التركية تجاه تمدد إيران إلى حدودها.
أما أوروبا، فلم تكن راغبة في رؤية موجة لجوء جديدة، قد تكون أكبر من كل موجات اللجوء السابقة، وهو ما سيضع حكومات أوروبا أمام جدل سياسي كبير، وسيعطي أحزاب اليمين، واليمين المتطرّف، فرصة للنيل من الأحزاب الحاكمة، وبالتالي فإن ألمانيا وفرنسا وجدتا أن الانخراط الإيجابي في مسار تسوية سياسية هو أمر حيوي لمصالحهما؛ لكن دون أن يعني هذا الأمر قبولاً بالشروط الروسية، أو تقديم تنازلات كبيرة لمصلحة موسكو.
يشكل الموقف الأوروبي والأمريكي من النفوذ الإيراني في سوريا أبرز التحديات أمام التسوية السياسية، فقد صرّح جون بولتون مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي أن «بوتين لا يريد إيران في سوريا؛ لكنه غير قادر لوحده على إخراجها من هذا البلد»، وأتت تصريحات بولتون في سياق تصعيد واشنطن ضد إيران، وزيادة الضغوط عليها، إضافة إلى سعي واشنطن، خلال الشهرين الأخيرين، إلى تمكين قواتها بشكل أكبر من الحدود العراقية السورية، في قاعدة التنف، التي تمثل اليوم واحدة من أهم القواعد الأمريكية في سوريا.
تحاول روسيا تأمين مصالحها الاستراتيجية في سوريا؛ لكن هذا الأمر لن يكون ممكناً دون ضخ أموال كبيرة في عملية إعادة الإعمار، فتكاليف السلم لا تقل عن تكاليف الحرب، وتأمل روسيا أن تنخرط أوروبا جديّاً في تأمين الأموال اللازمة لمرحلة ما بعد التسوية السياسية؛ لكن أوروبا فعلياً أوضحت، أكثر من مرّة، أن انخراطها في إعادة الإعمار مرهون بضمان أن تكون التسوية السياسية قابلة للديمومة، وليست حدثاً عابراً، يمكن أن تتبعه موجات قتال جديدة، إضافة إلى خروج القوات الإيرانية والقوات التابعة لها من الأراضي السورية.
وفيما يخص استقرار العملية السياسية وديمومتها، فإن أوروبا ترى أن أي حل لا يتضمن وجوداً فاعلاً للمعارضة السياسية ولقوى المجتمع المدني لن يكتب له النجاح، في الوقت الذي تمانع فيه موسكو، ومن ورائها النظام السوري، أي دور فاعل لبعض القوى السياسية، أو منظمات المجتمع المدني، وقد وقفت هذه الإشكالية في وجه تشكيل اللجنة الدستورية، التي كان من المفترض أن تقوم بعملية كتابة دستور جديد، من شأنه أن يرسم سياق الفترة الانتقالية نفسها، وما بعدها، خصوصاً لجهة تقليص صلاحيات الرئيس، ورموز بنية النظام.
وفي الوقت الذي تبدو فيه القوى الإقليمية والدولية ساعية إلى إيجاد أرضية للتوافقات السياسية حول الحل السوري، فإن هذه القوى نفسها ماضية في ترسيخ وجودها ومصالحها، فواشنطن تزيد من حضورها في الشمال السوري، وتدرك بأن أي تسوية لا تشمل شرقي الفرات ستكون فارغة من أي مضمون حيوي، فالشمال السوري هو خزان سوريا النفطي والمائي، إضافة إلى ثرواته الزراعية والحيوانية، كما أن تركيا، وعبر الاتفاق مع روسيا، حول إدلب، تحاول إعادة ترتيب أوراقها، بما يحفظ مصالحها وأمنها القومي، وترسيخ هيمنتها على المحافظة.
إن معظم المؤشرات حول التقارب بين الدول الثلاث الضامنة لأستانا ومجموعة «السبع» الغربية-العربية (وتضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر) تبدو غير كافية لتحقيق مشتركات حول طبيعة مخرجات التسوية السياسية، فلا تزال المسافة بين مصالح الأطراف بعيدة، كما لا يزال إطار التسوية نفسه محل خلاف رئيسي، فموسكو لا ترغب بحل عن طريق الأمم المتحدة، وقراراتها، وهو ما تصر عليه واشنطن والغرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"