فساد الديمقراطية الغربية

04:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

في إيطاليا يمكن لرئيس الوزراء أن يتجاوز قانون الأقلية والأكثرية، وأن يزوِّر إرادة الناخبين لينقذ حكومته من السقوط في البرلمان، وذلك عبر شراء أصوات عدد من النواب المعارضين الذين ينقلون البندقية من كتف إلى كتف ويوفرون له الأغلبية . ويتم شراء الأصوات جهاراً من خلال عقد عمل براتب شهري مقداره عشرة آلاف يورو لمدة خمس سنوات يوقعه النائب المعني في رابعة النهار مع إحدى الشركات التابعة لرئيس الوزراء .

وفي إيطاليا يمكن لرئيس الحكومة أن يبرر اغتصاب ملكة جمال سابقة وغيرها من الفتيات بالتلميح الى أن بلاده تضم النساء الأجمل في العالم، ومن الطبيعي أن ينطوي هذا الأمر على حالات اغتصاب . وفي السياق ينظم رئيس الوزراء سهرات ماجنة تضم فتيات قاصرات فتطلب زوجته الطلاق من دون أن يرتدع، فيواصل السهرات وتتواصل الفضائح، ومن بينها حضوره شخصياً حفل ميلاد قاصر أهداها خلاله عقداً ذهبياً ثميناً . أما آخر الفضائح فهي المعروفة باسم روبي غيت، حيث تدخل رئيس الوزراء شخصياً لإنقاذ فتاة من أصول مغاربية من أحد مراكز الشرطة . . ولا يتردد رئيس الوزراء في عرض خياراته الجنسية على العموم، إذ يرى أن من المفضل لديه أن يكون المرء مغرماً بالنساء الجميلات من أن يكون مثلي الجنس .

وفي إيطاليا يمكن لرئيس الوزراء أن يقرأ في الصحف فضائح ويكيليكس تتحدث عنه بعبارات شديدة القسوة والسخرية، وتجري على لسان مستشاريه في أحاديثهم مع السفارة الأمريكية في روما، أو مع مسؤولين أمريكيين يزورون العاصمة الإيطالية ومن دون أن يهتز له جفن . في حين تصفه وثائق أخرى بأنه تابع لفلاديمير بوتين، ويمر الاتهام وكأن شيئاً لم يكن بل يواصل رئيس الوزراء دعاباته النسائية الساخرة، كما فعل نهاية الأسبوع الماضي عندما قال في معرض تدشين خط للقطارات السريعة: علمت أن مباراة ستتم لاختيار المضيفات في هذا الخط قريباً، ويسرني أن أشرف على هذا الاختبار .

بيد أن بيرلسكوني الذي لا يكف عن احتلال عناوين الصحف الأخلاقية في العالم، غالباً ما يوسع حقل تدخلاته وأحياناً يغامر في إطلاق تصريحات عدوانية لا يحسب أبعادها جيداً، ومن ضمنها تلك التي قال فيها إن العرب ينتمون إلى حضارة متخلفة بالقياس الى الحضارة الغربية، وإن عليهم أن يقبلوا بهذا الموقع، إن الحضارة الغربية أرقى من الحضارة العربية الإسلامية ولا بد من انتصار الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية التي يجب أن تهزم لأنها لا تعرف الحرية ولا التعددية ولا حقوق الإنسان، وإن على الغرب أن يواصل تعميم حضارته وفرض نفسه . وكعادته نفى بيرلسكوني هذه التصريحات من بعد، وأعرب عن احترامه للحضارة الإسلامية مدعياً أن اليسار الإيطالي شوه تلك التصريحات وأخرجها عن سياقها .

ليست حال رئيس الحكومة الإيطالية نادرة في المشهد السياسي الغربي، فقد مرت الولايات المتحدة الأمريكية لتوها بظاهرة التسلط البوشي الذي لا يختلف عن بيرلسكوني سوى بابتعاده عن الفضائح الجنسية، وكذا الحال بالنسبة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المعروف هو الآخر بابتعاده عن الفضائح الجنسية وإن كانت فضائحه العائلية في متناول الرأي العام . هذا إذا أردنا أن نستبعد ظاهرة هتلر الذي خرج من اللعبة الديمقراطية، وظاهرة نابليون الثالث الذي انتخب رئيساً للجمهورية الثانية، فعين نفسه إمبراطوراً . . إلخ .

ولعل هذه الحالات وغيرها تبين أن الديمقراطية الغربية ليست محصنة ضد الانحرافات التسلطية أو الخفة السياسية أو السقوط في الفساد لخدمة مصالح الفاسدين، وأن الخطر الأكبر الذي يحيق بهذه الديمقراطية مرده إلى ضعف الفصل بين السلطات، وبالتالي توفر فرص جدية للجمع الخفي بينها في مجتمع شديد الليبرالية . والمشكلة التي يطرحها هذا الانحراف لا تنحصر بالبلد المعني وحده . فالظاهرة البوشية التسلطية شكلت خطراً على العالم بأسره، والظاهرة البيرلسكونية كادت تصب الزيت على صراع الحضارات، والظاهرة الساركوزية قد تكون الأكثر خطراً بينها كلها لأنها منهجية والأقدر على احتواء اليمين المتطرف، وعقلنة خطابه المناهض للأجانب، أي جعله ممكناً وفعالاً . قد يفوز بيرلسكوني وقد يخسر معركة الثقة على حكومته في البرلمان الإيطالي، وفي الحالتين سيبقى خطر انحراف السلطة قائماً في النظام الإيطالي والغربي عموماً مع فارق بيننا وبينهم هو أن الانحراف الدكتاتوري عندنا يؤذي في مكانه، وعندهم يؤذي العالم بأسره .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"