كيف يطرق الإبداع الأدبي النسائي أبواب المدارس؟

05:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

حين كنت على مقاعد الدراسة، وكان الأدب بكل ما فيه من جماليات يشدني إليه، كنت أتحمس لقراءة كل ما يحتويه المنهاج الدراسي في ذلك الحين من أعمال أدبية رائعة تشبع نهمي للقراءة وحبي للاطلاع. لكنني على الرغم من ذلك، كنت أشعر بذكورية الكلمة لدى كبار الكتاب والأدباء والشعراء والفلاسفة...
في ذلك الوقت، كنت مثل أي فتاة عربية شابة، متعطشة لكتابات أنثوية تتناغم مع طبيعتي، وحينما كنت أقرأ لكاتبات نادرات روايات عظيمة مثل روايات الأخوات برونتي وأعمالاً أدبية غربية أخرى، كنت أشعر بداخلي بعدم الاكتفاء وكأنني غير راضية تماماً عما أقرأ، مع أنني كنت أرشف من المداد الذي كتبت به تلك الروايات قطرة قطرة!
في الواقع كنت في شوق جامح للانصهار في عمل نسائي قريب مني متآلف مع حياتي وأسلوب معيشتي العربي، ولا أنكر أنني حينما كنت أقرأ روايات عبقرية مثل «جين إير» لشارلوت برونتي، أو «مرتفعات وذرنغ» لإميلي برونتي، كنت أبحث عن شيء يربطني بالكاتبات أو بأبطال الرواية، كنت أبحث عن قواسم مشتركة بيني وبينهم، فإلى جانب البيئة الاجتماعية المختلفة كان هناك انعكاس للقيود الثقافية التي أثرت في الأعمال الأدبية مع مطلع القرن التاسع عشر في بريطانيا.
كنت أبحث، ومن غير أن أدري، عن محيط عربي أصيل بكل ما فيه من خلفيات سياسية ونضالات وثورات، كنت أبحث عن أبطال سُمر لوحت بشرتهم شمس الصحراء الحارقة، كنت أبحث عن بيوتنا وساحاتنا، عن عاداتنا وتقاليدنا...
لقد شكل ذلك التعطش للفكر الأنثوي أول صدمة لي وأنا بعد طالبة، فرحت أبحث بين الكتب المكدسة على رفوف مكتبة المدرسة عن ذلك الفكر، عن أسماء لم يتضمنها منهاج الدراسة ولم يأبه بها النظام التعليمي.
كبرت، وأدركت مدى الجفاف الذي تعانيه أنظمتنا التعليمية، وأتخيل نفسي اليوم كمن يبحث في أكوام من الورق عن أوراق تحمل أسماء عقول عربية نسائية غير تلك التي عرفتها أثناء رحلتي مع الأدب، فما زلت أبحث عن المزيد علني أرتوي بعد ذلك العطش الذي كنت أشعر به أيام الدراسة...
لقد تغير الزمن، وكثرت الكتابات الأنثوية العربية، فهناك كاتبات وأديبات عربيات لمعت أسماؤهن في سماء الأدب، وقد أدَّين أدواراً مهمة على المسرحين العربيين السياسي والفلسفي، لكن كثيراً من الشباب لم يقرؤوا لهؤلاء الأديبات ولم يصلهم صوت يتلهفون لسماعه في عالمهم. لذا لا بد من طريقة تجعلهم على احتكاك بالكلمة النسائية المؤثرة...
لقد قدمت الإمارات العربية المتحدة للمرأة ما لم تقدمه دول أخرى كثيرة في المنطقة، ليس على الساحة الأدبية فقط، إنما أيضاً في قطاعات أخرى كثيرة. ومع التطور العظيم الذي شهدته وتشهده دولتنا التي تحولت إلى مركز للمفكرين والمبدعين، حظيت المرأة الإماراتية بفرص تحسدها عليها نساء كثيرات في العالم العربي. مع ذلك، أرى أن هذا ليس كافياً، فنحن في حاجة إلى تغيير أسلوبنا في التفكير، فالفرصة وحدها لا تكفي ما لم تعرف الفتاة الإماراتية أن عليها التسلح بالثقافة والمعرفة.
وليس على جيل الشباب أن يدرك أن الفرصة حين تمنح للمرأة تساعدها على عمل أي شيء تطمح إليه فقط بل من الضروري أن يكون لديه مفهوم عن تلك العقلية التي غيرت العالم وأوصلتها إلى هذه القمم.
لأجل ذلك، علينا أن ندع الحرية للشباب ليعبروا عن آرائهم، فينتقدوا ويحللوا، علينا أن نعلمهم الفرق بين الشعر والرواية، علينا أن نعلمهم اللغة على أصولها، وندعم ذلك بشواهد حية من النماذج النسائية التي تقدم أعمالاً إيجابية ليتسلحوا بها أمام سيل الكليشيهات التي تعرض على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
طلبة المدارس والجامعات، يتأثرون كثيراً بما حولهم وبمن حولهم وكذلك بكل ما يقدم لهم، فلندعهم يتعرفون إلى المرأة العربية المثقفة عن كثب ليقرؤوا لها ويستمعوا إلى محاضراتها، ولا أخص الطالبات في هذا الأمر، بل على الطلاب أيضاً أن يستمعوا لصوت المرأة العربية الناجحة، فنحن نبني جيلاً يؤمن بالمساواة بين الجنسين، وحين يكبر الفتى يجد نفسه في منافسة مهنية مع الفتاة أشد من تلك المنافسة التي عرفها في المدرسة أو الجامعة.
وكما يمكن أن نعرف بناتنا بالأديبات والمفكرات البارعات في دولتنا وفي العالم العربي، يمكننا أن نعرف فتياننا بأولئك المحاربات والمناضلات اللاتي أطلقن صوتاً مميزاً من رئتي العذاب والمعاناة والقهر حتى تخلق هذه المنافسات تفاعلاً كبيراً بين الجنسين وتعمل على تعزيز الاحترام الذي يعود بالفائدة على المجتمع.
على شبابنا أن يقرؤوا لنساء عربيات استطعن أن يفككن قيود الصمت ويخرجن على العالم بعد سنوات بصوت منبعث من عناء الاضطهاد والظلم، صوت مبدع لا يماثله صوت ذكوري مهما عظم.

عائشة عبد الله تريم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"