لماذا لا ترفع أزمة إيران أسعار النفط؟

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. أيمن علي *

ارتفعت أسعار النفط قليلاً في الأسبوع الأخير من يوليو/‏ تموز نتيجة زيادة السحب من المخزونات التجارية الأمريكية، لكنها ظلت في نطاق 55-60 للخام الأمريكي الخفيف و60-65 لبرنت. ولم تتحرك الأسعار بشكل واضح نتيجة التوتر في الخليج ولا حتى نتيجة موافقة أوبك والمنتجين من خارجها على تمديد خفض الإنتاج بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً حتى مارس العام المقبل.
ورغم الانخفاض الحاد في صادرات النفط الإيراني واستمرار غياب النفط الفنزويلي من السوق ومشاكل إنتاج في نيجيريا وليبيا وغيرها، إلا أن أساسيات السوق من عرض وطلب تظل متوازنة إلى حد كبير. والسبب الرئيسي هو توقعات عدم زيادة الطلب العالمي نتيجة النظرة السلبية للنمو الاقتصادي.
الحكمة التقليدية أن التوترات الجيوسياسية تؤثر في أسعار النفط بغض النظر عن أساسيات السوق، لكن يبدو أن ذلك العامل النفسي فقد تأثيره في أزمة إيران الأخيرة. فمع التصعيد المتواصل في الخليج والحشود العسكرية الأمريكية والبريطانية وتخريب ناقلات النفط وتفجيرها في الأشهر الأخيرة واحتجاز إيران لناقلة بريطانية لم ترتفع أسعار النفط.
يعود ذلك لعدة أسباب، منها أن الأسواق مقتنعة بأن أحداً لا يريد الحرب في الخليج وأن الحشود والتصعيد مجرد مناورات حتى تتفاوض إيران مع الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق النووي العام الماضي وأعادت فرض العقوبات على إيران. ويبدو أن العالم واثق من قدرته على حماية ممرات الملاحة الدولية في الخليج وبالتالي ضمان استمرار انسياب النفط والمشتقات عبر الممر المائي الاستراتيجي ومن مضيق هرمز الهام لسوق الطاقة العالمي.
إلا أن هناك عاملاً مهماً أيضاً، وهو أن أغلب الدول التي يمر نفطها عبر الخليج قامت في الأعوام الأخيرة بالاستثمار في طرق بديلة لنقل نفطها ومنتجات التكرير غير الخليج ومضيق هرمز، مثل موانئ الإمارات على خليج عمان وخط الأنابيب السعودي من المنطقة الشرقية إلى موانئ على البحر الأحمر.
لذلك فأسعار النفط، التي وصلت إلى 85 دولاراً للبرميل في أكتوبر من العام الماضي، لم ترتفع متأثرة بأزمة إيران والتوتر في الخليج. ولا يعني ذلك أن العوامل الجيوسياسية لم تعد تؤثر في سوق النفط وإنما لأن الأسواق لم تحسب احتمال تعطل إمدادات النفط من المنطقة وبالتالي تجاهلت التصعيد الحالي.
أما قرار أوبك وشركائها من خارج المنظمة، وفي مقدمتهم روسيا، بتمديد اتفاق خفض الإنتاج فهو في الواقع لم يعد كافياً لسحب أي فائض عرض محتمل نتيجة زيادة الإنتاج من دول خارج الاتفاق أو نتيجة تراجع الطلب العالمي. وبالتالي يظل توازن أساسيات السوق على ما هو عليه منذ مطلع العام، وحتى بعد تشديد أمريكا عقوباتها النفطية على إيران بهدف «تصفير» صادراتها من النفط.
ولعل استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار يؤثر في أسعار النفط أكثر من عوامل التوتر في الخليج وقرار أوبك. فأغلب عقود النفط في العالم هي بالدولار الأمريكي، ويتناسب سعر النفط عكسياً مع سعر الدولار لأن الدولار المرتفع القيم يقلل من الطلب وبالتالي يخل بتوازن العرض والطلب لصالح الضغط نزولاً على أسعار النفط.
لذلك تترقب أسعار النفط قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اتجاه سعر الفائدة. وسيؤدي خفض الفائدة إلى تراجع سعر صرف الدولار وبالتالي ارتفاع أسعار النفط. وهناك عامل أمريكي آخر يؤثر في معادلة العرض والطلب وبالتالي في أسعار النفط وهو زيادة الإنتاج الأمريكي خاصة من النفط الصخري. وإذا كان عدد منصات الإنتاج لم يعد يزداد بوتيرة كبيرة في الأسابيع الأخيرة إلا أن زيادة الإنتاج الأمريكي ما زالت في إطار التوقعات السابقة لتصبح الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً في سوق الطاقة العالمي، ليس فقط كمستهلك بل كمنتج وربما مصدر أيضاً.
أما العامل الأهم الذي يضغط على أسعار النفط هبوطاً، أو على الأقل يحول دون ارتفاعها، فهو المخاوف من تراجع الطلب العالمي على النفط نتيجة التباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي. ويواصل الاقتصاديون حول العالم رسم صورة متشائمة للنمو الاقتصادي. وأحدث تلك المؤشرات خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من 3.3% إلى 3.2% وكذلك خفض توقعات النمو للعام المقبل بقدر مماثل (من 3.6% إلى 3.5%).
والسبب الرئيسي للتوقعات المتشائمة للنمو الاقتصادي العالمي هو الحروب التجارية التي بدأتها الولايات المتحدة، وخاصة الصراع التجاري بين الصين وأمريكا. وهكذا نجد أن أغلب العوامل الأكثر تأثيراً في سوق الطاقة العالمي وبالتالي أسعار النفط هي أمريكية. لذلك لا تتأثر الأسعار بأزمة إيران إنما تنتظر كل ما يتعلق بأمريكا من إنتاجها النفطي وحجم مخزوناتها التجارية وسعر صرف عملتها وحتى اتفاقاتها التجارية مع شركائها.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"