ركود أم لا ركود؟

23:40 مساء
قراءة 4 دقائق
د.أيمن علي *

رغم الأنباء عن اقتصاديات رئيسية، بما فيها الاقتصاد الصيني الذي كان دينامو النمو العالمي في السنوات الأخيرة، إلا أن أي رقم أو بيان أو تصريح عن الاقتصاد الأمريكي هو ما يزيد الجدل سخونة ويزيد من كثافة التوقعات بشأن الاقتصاد العالمي ككل.
ربما كان السؤال الذي لا يخلو منه حديث اقتصادي، أو حتى نقاش عام حول «الأحداث الجارية» في العالم، هو: هل الاقتصاد العالمي إلى ركود أم لا؟ ومتى وكيف؟ حتى إن الكلمة أصبحت الأكثر تداولاً في عناوين الأخبار إلى جانب أخبار الحروب والكوارث والأزمات السياسية. وبالتأكيد زاد من تداول التساؤل حول الركود، البداية المبكرة للحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية العام القادم، حيث لا يمر يوم دون تصريح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يهاجم فيه الإعلام والخبراء والمحللين الذين يتحدثون عن الركود.
ورغم الأنباء عن اقتصاديات رئيسية، بما فيها الاقتصاد الصيني الذي كان دينامو النمو العالمي في السنوات الأخيرة، إلا أن أي رقم أو بيان أو تصريح عن الاقتصاد الأمريكي هو ما يزيد الجدل سخونة ويزيد من كثافة التوقعات بشأن الاقتصاد العالمي ككل. ولا يعود السبب فقط لأن الاقتصاد الأمريكي ما زال أكبر اقتصاد في العالم، ولكن لأنه يظل الأكثر مرونة والقدرة على خلق سعة فائضة أكثر من غيره. كما أن ارتباط أغلب اقتصادات دول العالم به، وبعملته الدولار، يجعله المؤشر الرئيسي على حالة الاقتصاد العالمي.
وفي ظل استمرار تحسن أسعار الأسهم، في المتوسط بشكل عام، وانخفاض أسعار النفط عالمياً رغم كل التوتر في الشرق الأوسط، يستمر معدل البطالة في الولايات المتحدة منخفضاً (نسبة البطالة 3.7%)، لا يرى الرئيس ترامب وكبار مستشاريه الاقتصاديين أيّ دلالة على الركود. ويحملون الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي، المسؤولية عن أي تباطؤ في الاقتصاد لأنه لا يخفض أسعار الفائدة رغم انخفاض معدلات التضخم.
المشكلة أن ترامب ليس اقتصادياً، وبالتالي لا يعجبه تقديرات الاقتصاديين والمعلقين حول احتمالات الركود ومؤشراته في سوق السندات ونماذج الدورات الاقتصادية. لكنه أيضاً اختار مستشاره الاقتصادي الرئيسي مثله تقريباً، فلاري كادلو رئيس المجلس الاقتصادي للبيت الأبيض جاء من مجال التلفزيون مثل ترامب، وكانت وظيفته التي تربطه بالاقتصاد قبل أن يصبح مقدماً لبرنامج اقتصادي تلفزيوني هي محلل مالي صغير.
لا يعني ذلك أن تعقيدات الخبراء والاقتصاديين، ولغتهم المعقدة، صحيحة أو يجب تصديقها أكثر من سمسار عقارات ومقدم برنامج تلفزيوني ومحلل مالي بسيط ومقدم تلفزيوني. كما أن قاعدة الحكمة التقليدية بشأن الدورات الاقتصادية: ركود - نمو - ركود، لم تعد ذهبية في ظل تطورات الاقتصاد العالمي. وحسب الكتاب فإن الأزمة الأخيرة في 2008-2009 كان يتعين أن تليها نهاية دورة أخرى في 2016 أو 2017 تقريباً.
إنما السنوات العشر الأخيرة لم تشهد نمواً جيداً في الاقتصاد العالمي، إذ لم يتجاوز معدل النمو متوسط 2-3%، وقد يكون ذلك سبباً في طول مدة الدورة عما هو معتاد، كما أن سياسات التيسير النقدي وانخفاض معدلات الفائدة وإن لم تؤدّ إلى نمو قوي إلاّ أنها حالت دون الركود.
لكن المنطقي أيضاً أن النمو، وإن كان متواضعاً، لا يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية، وبالتالي فمؤشرات التباطؤ التي يتحدث عنها الخبراء وتبدو واضحة في أرقام الاقتصاد الكلي للاقتصادات الرئيسية والصاعدة حقيقية. ويلمس الناس العاديون، وليس الاقتصاديين فحسب، الضغط الاقتصادي الناجم عن عدم التحسن والرواج الذي غالباً ما كان يتبع نهايات الدورات الاقتصادية السابقة.
كما أن بعض الأرقام لا تبعث على التفاؤل أيضاً، خاصة في الاقتصاد الأمريكي نفسه. فقد أعلن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي بنهاية أغسطس مراجعة بالسلب لأرقام الوظائف التي يضيفها الاقتصاد الأمريكي (وتعد أهم مؤشر على توسع الاقتصاد وسلامة نموه). وحسب بيان المكتب فإن أرقام الوظائف التي توفرت في العام الأخير حتى نهاية مارس أقل مما هو معلن بنصف مليون وظيفة، بمعنى أن أصحاب العمل كانوا يعلنون أرقاماً مضخمة على مدى الشهور الماضية. وتلك أكبر مراجعة بالسلب لأرقام الوظائف يعلنها المكتب في عشر سنوات، وهي بنسبة سالب 0.3%.
ومن الصعب أيضاً التغاضي عن تأثير الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على شركاء أمريكا التجاريين في العالم. وحسب مكتب الميزانية في الكونجرس فإن الرسوم العقابية التي يفرضها ترامب ستؤدي إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3% العام المقبل.
وجاء مؤشر رضا المستهلكين في الشهر الأخير في أقل مستوى له في 7 أشهر وكذلك مؤشر توجه الاقتصاد الذي جاء منخفضاً لأقل مستوى في 5 أشهر. وفيما يظل سعر الدولار مرتفعاً وكذلك سعر الذهب (الذي يفترض أن يتناسب عكسياً معه) الذي وصل إلى أعلى مستوى في 6 سنوات، فإن سعر النحاس آخذ في التراجع بشكل مطّرد. وتلك دلالة واضحة لما نراه في أرقام نمو التصنيع المتراجعة باستمرار.
كل تلك المؤشرات تعني أن الاقتصاد العالمي ليس في طريقه لاستمرار التحسن، وإن لم يكن الركود العالمي في الأفق فالأرجح أن العالم مقبل على مرحلة تباطؤ طويل الأمد قد تعني انكماشاً Deflation مستمراً كما حدث لليابان لسنوات.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"