كيف يمكن أن تتطور الحرب التجارية الأمريكية الصينية

23:52 مساء
قراءة 5 دقائق


د. أيمن علي *

مزيد من الرسوم الصينية على صادرات أمريكا إليها ستبدأ في التأثير سلباً في المزارعين الأمريكيين، خاصة أن الصين بدأت بالفعل في استيراد منتجات مثل فول الصويا من البرازيل وغيرها.
على عكس نبرة التفاؤل التي قد تظهر بين حين وآخر بشأن احتمال العودة للمفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاقية تجارية تنهي الحرب الحالية بينهما، لا يبدو أن تلك الحرب التي تعد أحد أسباب التخوف العالمي من الركود الاقتصادي في طريقها للنهاية قريباً. ومنذ انهيار المفاوضات التجارية بين الطرفين في شنغهاي في يوليو، بدأ تصعيد جديد يتوقع أن يستمر حتى نهاية العام.
فقد بدأ الطرفان فرض رسوم جديدة على صادرات كل منهما للآخر مطلع الشهر، ضمن جدول لتصعيدها مجدداً منتصف ديسمبر القادم. وبدأت الولايات المتحدة بفرض رسوم على بقية الصادرات الصينية لأمريكا التي لم تطلها الرسوم بنسبة 15%، تطال ما تصل قيمته إلى 110 مليارات دولار من الصادرات الصينية تمثل 40% مما تبقى من تلك الصادرات دون رسوم عقابية (تقدر قيمتها بنحو 300 مليار دولار). وتم تأجيل فرض الرسوم على البقية حتى 15 ديسمبر.
كان قرار الرئيس ترامب مطلع أغسطس بفرض رسوم 10% على ما تبقى من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة لكن قرار الصين في 23 أغسطس بالرد على الإجراء الأمريكي بزيادة الرسوم على الصادرات الأمريكية للصين جعل الإدارة الأمريكية تزيد الرسوم إلى 15% مع الالتزام بالجدول الأصلي: بقسمتها على مرحلتين في مطلع سبتمبر والبقية في 15 ديسمبر.
وتشمل تعرفة الرسوم الجديدة بضائع صينية مثل الملابس والأطعمة والأدوات المنزلية وبعض الإلكترونيات كالتلفزيونات وسماعات البلوتوث. بينما السلع المتبقية التي ستفرض عليها الرسوم منتصف ديسمبر فأغلبها الهواتف وأجهزة الكمبيوتر وإلكترونيات أخرى. أما الشريحة الأولى التي فرضت عليها الرسوم قبل أشهر (وهي صادرات صينية بقيمة تصل إلى 250 مليار دولار) فأغلبها منتجات وسيطة للصناعة.
يعكس البدء بنسبة أقل وجعل الرسوم الجديدة على مرحلتين تحفظ الرئيس ترامب بشأن تأثير النطاق الواسع للرسوم على الأسر الأمريكية، خاصة أن عام الانتخابات الرئاسية على الأبواب. لذا كان تأخير فرض الرسوم على نحو 60% مما تبقى من صادرات الصين لأمريكا حتى منتصف ديسمبر كي يسمح للمتسوقين الأمريكيين الذين يستعدون لموسم عيد الميلاد بشراء حاجياتهم بالأسعار الحالية. ثم إن مزيداً من الرسوم الصينية على صادرات أمريكا إليها ستبدأ في التأثير سلباً في المزارعين الأمريكيين، خاصة أن الصين بدأت بالفعل في استيراد منتجات مثل فول الصويا من البرازيل وغيرها، وهو ما اشتكى منه ترامب حين غرد بأن الصين لم تنفذ وعدها بشراء المنتجات الزراعية الأمريكية.
ولا يتوقع أن تتراجع الصين عن عقوبتها على المنتجات الزراعية الأمريكية ما لم تخفف الإدارة الأمريكية من سياساتها التصعيدية. وكررت الصين أنها لن تعاود شراء المنتجات الزراعية الأمريكية ما لم ترفع أمريكا العقوبات عن شركة هواوي. وكانت الإدارة الأمريكية وضعت قيوداً تصديرية على منتجات شركة الاتصالات الصينية منتصف مايو، ثم قررت مدة سماح 90 يوماً مددتها بنهاية أغسطس 90 يوماً أخرى. وفرضت واشنطن قيوداً تصديرية على شركات تكنولوجيا صينية أخرى أيضاً.
في المقابل بدأت الصين فرض رسوم على صادرات أمريكية إليها بقيمة 75 مليار دولار، وذلك بنسبة 5% مطلع سبتمبر و10% بحلول منتصف ديسمبر. كما فرضت رسوماً بنسبة 5% إضافية على واردات النفط الخام من أمريكا وأعادت فرض رسوم بنسبة 25% على السيارات الأمريكية على أن تضيف رسوماً بنسبة 5% على قطع غيار السيارات بحلول منتصف ديسمبر وهو ما يرفع معدلات التعرفة والرسوم على ذلك القطاع إلى نحو 40%.
وتدرس الإدارة الأمريكية إمكانية زيادة الرسوم على الدفعة السابقة من الصادرات الصينية لأمريكا وقيمتها 250 مليار دولار من 25% حالياً إلى 30% مطلع أكتوبر. ويهدد الرئيس ترامب أيضاً بتفعيل قانون السلطات الاقتصادية للطوارئ الدولية والذي يمكنه قانونياً من إجبار الشركات الأمريكية على عدم دخول السوق الصينية. ورغم أن ذلك يبدو احتمالاً بعيداً، إلا أنه لا يمكن استبعاده في حال استمرار التصعيد في الحرب التجارية والاقتصادية بين العملاقين الاقتصاديين لمستويات أعلى من الوضع الحالي. وبالطبع، سيكون تأثيره أوسع كثيراً من الإضرار بالاقتصادين الأمريكي والصيني وسيكون أثره السلبي كبيراً في الاقتصاد العالمي ككل.
يراهن ترامب وإدارته على أن القيادة الصينية لن تتحمل الإضرار باقتصادها طويلاً تحت وطأة الرسوم المفروضة على صادراتها لأمريكا والتي تزيد عن نصف تريليون دولار. لكن الصينيين غير مستعدين للقبول بالشروط الأمريكية للاتفاقية التجارية المقترحة. وقبل أيام كتبت صحيفة الشعب، التي تعد لسان حال الحزب الحاكم في الصين افتتاحية أن الرسوم الأمريكية «لن تؤثر في التنمية في الصين، وما زالت السوق الصينية جاذبة للشركات الأجنبية». كما أن الصين منزعجة مما اعتبرته استغلالاً من إدارة ترامب لمظاهرات هونغ كونغ كورقة تفاوض في النزاع التجاري، ناهيك عما تشعر به من استفزاز من بيع أسلحة أمريكية لتايوان.
ويتوقع، في حال استمرار الحرب التجارية وعدم التوصل لاتفاق تجارة تفاوضي بين واشنطن وبكين، أن يتجاوز الصراع الاقتصادي الرسوم والتعرفة على المنتجات المصدرة. ويمكن أن تمتد العقوبات إلى قطاعات مثل التكنولوجيا والأمن والاستثمار والخدمات المالية، ما من شأنه أن يؤدي إلى أضرار طويلة الأمد على الطرفين. إذ إن هناك مؤشرات قوية على أن الحرب التجارية قد تنتقل بسرعة إلى حرب عملات وصراع مالي.
فقد بدأت الصين في ترك عملتها اليوان (رينمنبي) تنخفض أمام الدولار. وفي ذلك بعض التعويض للمستوردين الأمريكيين عن الرسوم التي تفرضها إدارة ترامب وتوسيع للميزة التنافسية للصادرات الصينية عموماً لبقية العالم الذي يحسم تحويل عملاته بالدولار وخاصة تلك البلدان التي تربط عملتها بالدولار كدول منطقة الخليج. ويتوقع أن تستمر الصين في ترك سعر صرف الرينمنبي يهبط قليلاً أمام الدولار حتى نهاية العام وربما في العام القادم. لكن من غير المتوقع أن يلجأ المسؤولون الصينيون إلى استخدام العملة كسلاح والتدخل القوي في السوق لخفض سعر الصرف.
وستلجأ الصين أيضاً إلى التخلص من بعض سندات الخزانة الأمريكية التي تملكها، أيضاً كإجراء وقائي ولتعزيز الضغط النزولي على سعر صرف الرينمنبي. لكن من غير المتوقع أن يلجأ الصينيون إلى بيع السندات وأذون الخزانة الأمريكية بشكل يهز الأسواق العالمية. وتملك الصين سندات أمريكية بقيمة 1.11 تريليون دولار تمثل 27% من إجمالي السندات وأذون الخزانة وأوراق الدين الأمريكي الأخرى لدى الحكومات الأجنبية وقيمتها 4.1 تريليون دولار.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"