مخرجات مؤتمر المناخ في بولندا

23:53 مساء
قراءة 5 دقائق
د. محمد الصياد *
الأهم كان عدم اتفاق الأطراف في بولندا على القواعد الخاصة بآليات السوق الطوعية، واضطرار الأطراف إلى تحويل الجدل والتوافق بشأنها إلى مؤتمر الأطراف القادم في تشيلي.

بعد مفاوضات ماراثونية استمرت زهاء أسبوعين (من 3-14 ديسمبر 2018)، أُسدل الستار على مؤتمر الأطراف ال 24 الذي استضافته مدينة كاتوفيتسه البولندية، بالتوصل إلى شبه اتفاق على إقرار «كتاب القواعد» (Rule Book)، الذي سيكون بمثابة «دليل قواعد العمل» والدليل التشغيلي اللازم لتنفيذ اتفاق باريس لتغير المناخ عندما يدخل حيز التنفيذ في عام 2020. حيث سيتعين على جميع الدول القيام بإجراءات عملية لخفض انبعاثاتها والإبلاغ عنها كل عامين اعتباراً من عام 2024. وهذا هو الإنجاز الوحيد الذي حققه المتفاوضون منذ التوصل إلى اتفاق باريس لتغير المناخ في 2015. وحتى هذا الإنجاز سيبقى ناقصاً مادام الاتفاق بشأن هذا الدليل التشغيلي لم يكتمل بصورة نهائية. فرغم الزيارات المتكررة التي قام بها أمين عام الأمم المتحدة للمؤتمر، وضغوطه على رؤساء الكتل التفاوضية الرئيسية، إلا أن الخلافات الحادة بينهم، أدت إلى تأجيل البت في قضايا رئيسية مثل الخلاف بشأن الموقف من خلاصة تقرير الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC) بشأن الموقف من التقرير الخاص الذي كانت حكومات الأطراف في اتفاق باريس لتغير المناخ قد طلبت من الهيئة المذكورة في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين الذي عُقد في باريس في ديسمبر 2015، إعداده، لتتقصى من خلاله الآثار المتوقعة للاحترار العالمي الناتج عن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستوى عصر ما قبل الصناعة؛ وكذلك الحال بالنسبة للتلميحات التي ما انفكت ترسلها الدول الأوروبية المركزية، سواء عبر نصوص اتفاق باريس (المادة الثانية) أو نصوص الوثائق الأخرى اللاحقة، أو عبر التقارير والدراسات وأجهزة الميديا، والتي تدور حول الحاجة إلى قيام الدول الأطراف (في الاتفاقية) بأخذ تعهدات بالتخفيف ذات نزعة طموحة قبل عام 2020، أي تخفيضات بنسب عالية تبلغ ثلاثة أضعاف ما جرى التعهد به؛ وأخيراً وهو الأهم عدم اتفاق الأطراف في بولندا على القواعد الخاصة بآليات السوق الطوعية، واضطرار الأطراف لتحويل الجدل والتوافق بشأنها إلى مؤتمر الأطراف القادم في تشيلي.

وفيما يلي أبرز مخرجات القمة:
1. نتيجة لاعتراض كل من الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت، تم تأجيل البت في نتائج تقرير الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ إلى عام 2019 بعد عرضه على المناقشة في الهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية (SBSTA). إذ رفضت الدول الأربع الترحيب الذي كان صدر في أكتوبر 2018، نظراً لاحتوائه على فجوات علمية وثغرات معرفية، وإنما الترحيب باستكماله والاستفادة منه في مناقشات لاحقة.
2. تم إقرار «كتاب القواعد» (Rule Book) بحزمة واحدة تنطبق على كافة الدول، المتقدمة والنامية على حد سواء، مع تضمينه فسحة من المرونة للدول التي لا تتوفر على الإمكانيات اللازمة لتطبيقه. وجاءت لغة صياغة صفحاته التي بلغت 133 صفحة، قانونية ملزمة بشكل عام، من حيث ورود كلمة "Shall" في 260 موقعاً، مقارنة باستخدام كلمة "should" الأكثر مرونة، 110 مرات. وفيما يتعلق بقواعد تطبيق المادة 4 من اتفاق باريس المتعلقة بتعهدات البلدان بالتخفيف والمسماة «المساهمات المحددة وطنياً»، فإنه بدلاً من مطالبة البلدان بالالتزام بمناهج علمية معيارية، فإن النص النهائي سمح للدول باستخدام «منهجيات ملائمة وطنياً» في احتساب انبعاثاتها، وعلى أن تستخدم جميع البلدان أحدث إرشادات محاسبة الانبعاثات الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والتي تم تحديثها في عام 2006 والجاري تحديثها لتكون متاحة في 2019.
3. آليات السوق الطوعية: بعد أسبوعين من الأخذ والرد بشأن النص الأكثر تقنية في القواعد الخاصة بآليات السوق الطوعية بموجب المادة 6 من اتفاق باريس، بما يشمل المادة 2.6، على سبيل المثال، التي تتيح للدول الأطراف إمكانية التداول في زيادة التعهدات الخاصة بالمناخ، وكذلك المادة 4.6، والتي يمكن بموجبها للمشروعات الفردية توليد شهادات أرصدة الكربون وعرضها للبيع - فشلت المفاوضات في التوصل إلى حل توافقي، وتم تأجيل البت في الموضوع إلى مؤتمر الأطراف الخامس والعشرين القادم في تشيلي. ورغم هذا الفشل في الاتفاق على قواعد المادة 6، فإن بوسع الدول بحسب بعض المفاوضين، المضي قدماً في التداول الطوعي بالكربون. 4. أيضاً، وفيما يتعلق بالمادة السادسة بند 4 (4.6)، فقد كان الهدف منها الاستعاضة عن «آلية التنمية النظيفة» (Clean Development Mechanism - CDM) الخاصة ببروتوكول كيوتو، بالتعويض عن انبعاثات الكربون (تقوم مقاربة تعويضات الكربون على شراء شهادات الكربون من المشاريع التي تقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. فمن خلال الاستثمار في مثل هذه المشاريع، يصبح بالإمكان تعويض مطلقي الانبعاثات عن تلك الانبعاثات التي لا يرغب أو لا يقدر الفرد أو المنظمة أو الدولة على التقليل منها محلياً. وتشمل هذه المشاريع كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة والغابات، كما تشمل المجموعة الكاملة من غازات الدفيئة من خلال مشاريع مثل اصطياد وتخزين الغازات الصناعية والميثان في مواقع طمر النفايات). وشملت المناقشات أيضاً كيفية أو مدى إمكانية اعتماد نفس المنهجيات الموضوعة في إطار آلية التنمية النظيفة، لتعويضات انبعاثات الكربون.
5. التمويل: وهو موضوع جوهري بالنسبة للدول النامية، من حيث أنه من دون التزام الدول المتقدمة به، لا يمكن الحديث عن أي تقدم في مجالي التخفيف والتكيف. وللأسف فقد جاءت اللغة التي صيغت بها القواعد المنظمة له، مناسبة للدول المتقدمة من حيث السماح لها بخلط أنواع التمويل التي تقدمها للدول النامية وإدراجها ضمن بند مساهماتها التمويلية في مشاريع المناخ في الدول النامية. وهذه الثغرة تفرغ الهدف الدولي الخاص بتوفير 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020، من محتواه. كما أن المعالجة القواعدية للمادة 7.9 المتعلقة بالمحاسبة المالية (المدرجة أيضاً في بند الشفافية) تفتح الباب أمام احتساب القيمة الاسمية للقروض التجارية، والأسهم، إلخ، باعتبارها تمويلاً للمناخ. هي، بحسب المراقبين، أسوأ من منهجية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
6. أيضاً، وفيما يتعلق بالإبلاغ عن التمويل المتعلق بتغير المناخ الوارد نصه في المادة التاسعة من اتفاق باريس، فقد جاء في نص القواعد النهائية لكتاب القواعد التي صارت تغطي المادة 5.9 (المتعلقة بالإبلاغ عن مدى التوفر المتوقع لتمويل المناخ في المستقبل)، وكذلك المادة 7.9 (المتعلقة بالأموال التي تغيرت فيها الأيدي بشكل فعلي - مصطلح يدل على انتقال الأموال من يد المشتري إلى يد البائع) - أنه يتعين على الدول المتقدمة بشكل واضح وصريح (shall)، كما يتوجب (should) على الدول النامية، أن تقوم بالإبلاغ عن أي تمويل لمشاريع المناخ تقوم بتقديمه. وللحديث صلة.


* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"