الأزمة الكورية في قبضة الصين

05:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
فيصل جلول

عندما تقول الدولة الأقوى في العالم، إن «الردود العسكرية جاهزة للتنفيذ»، رداً على تهديد كوريا الشمالية بإطلاق أربعة صواريخ قارية على جزيرة أمريكية في المحيط الهادي؛ فإن أحداً لا يستهين بهذا التأكيد، خصوصاً عندما يرد على لسان رئيس أقوى دولة في العالم.
كلام ترامب وقبله كلام زعيم كوريا الشمالية كيم جون اون، لا يتيح مساحة، ولو صغيرة، للتراجع والمناورة، الأمر الذي حمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لا فروف على القول إن «مخاطر الأزمة الكورية» مرتفعة جداً، في حين حذرت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، من مخاطر الأزمة، وأكدت أن لاحلّ عسكرياً لها، في حين أنها كانت المرة الأولى منذ فترة طويلة، تعمد فيها اليابان إلى نشر منظومة الدرع الصاروخية «باتريوت»، تحسباً لاندلاع حرب الصواريخ بصورة مفاجئة.
من جهتها استشعرت الصين خطورة الأزمة؛ فالتزمت حرفياً بقرار مجلس الأمن الدولي، الذي فرض عقوبات قاسية على كوريا الشمالية، وبما أن الصين هي الشريك الاقتصادي شبه الوحيد لهذا البلد، فإن عبء المقاطعة سيتوقف عليه بنسبة كبيرة.
قد لا تكون المقاطعة الصينية في هذه اللحظة شديدة الخطورة، على الاقتصاد الكوري أو على الحياة اليومية في هذا البلد، لكنها قد نفذت فوراً وبلا تهاون، للتعبير عن عدم رضا القيادة الصينية عن السياسة الاستفزازية التي يعتمدها الرئيس الكوري الشمالي. وإذا كانت بكين اليوم تمتنع عن شراء الحديد الكوري، وثمار البحر، والملابس الجاهزة، وغير ذلك من السلع التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، فإنها تدرك أن هذه المقاطعة لا تلحق ضربة قاصمة بالاقتصاد الكوري، ولا تؤثر جوهرياً على الحياة اليومية الكورية، لكنها تفصح عن نية مستجدة مضمونها أن الصين لن تحمي من الآن فصاعداً التهور الذي يبديه الرئيس الكوري الشمالي، والذي يمكنه أن يلحق ضرراً بالغاً بالأمن القومي الصيني، باعتبار أن الحرب «النووية» أو البالستية ستقع على الحدود الصينية، وستتحمل الصين تداعياتها، سواء لجهة أعمال الإغاثة أو تفكك كوريا الشمالية أو وصول كوريا الجنوبية حليفة واشنطن الموثوقة إلى حدود الصين، فيما لو انهار نظام بيونج يانج.

وحتى نقيس بعمق، مدى التأثير الصيني على كوريا الشمالية، يجب ألاّ نقف فقط عند الحدود، ذلك أن بكين تصدّر إلى بيونج يانج، كل حاجاتها من المواد الغذائية والحيوية، أي ما نسبته 92% من الوردات الخارجية التي تأتي إلى كوريا الشمالية، وهذا يعني أن الصين تملك بحق، ورقة الضغط الأهم على النظام الكوري الشمالي، لكنها لا تستخدمها لأسباب عديدة أهمها التالي:
أولاً: ليس من مصلحة الصين إخضاع الحليف الكوري الشمالي، فهو ورقة للمساومة شديدة الأهمية مع واشنطن وكوريا الجنوبية واليابان، خصوصاً أن هذه الدول تكنّ العداء للصين، وترفض مخططاتها الحدودية في بحر الصين المتنازع عليه.
ثانياً: أشرنا من قبل إلى أن انهيار النظام الكوري الشمالي، من شأنه أن يوحد الكوريتين بشروط أمريكية، ما يعني أن واشنطن تصبح عسكرياً على حدود الصين.
ثالثاً: تتذرع واشنطن بكوريا الشمالية، حتى تثبت درعاً صاروخية في كوريا الجنوبية، الأمر الذي يؤثر تأثيراً مهماً للغاية على منظومة الصواريخ الصينية نفسها.
رابعاً: ترى الصين أن الأزمة الكورية قابلة للحل، على قاعدة احترام النظام في كوريا الشمالية وليس إسقاطه؛ لذا تطالب بابتعاد الطرفين عن الخطب الحربية والعودة إلى طاولة الحوار.
خامساً: التهديد الذي يتعرض له النظام الكوري الشمالي والعزلة المضروبة حوله، لا تتيح له هامشاً كبيراً جداً للمناورة، وبالتالي تجعله بحاجة ماسة للحليف الصيني، الأمر الذي يفضى إلى دور فريد للصين في هذه الأزمة، ومن هنا نفهم مضمون الدعوة الصينية إلى الطرفين من أجل الحوار، والابتعاد عن لغة الغطرسة والعنف.
لكن بالمقابل، فالراجح أن واشنطن لا تريد حواراً مع كوريا الشمالية، لإدراكها أن هذا البلد يريد اعترافاً أمريكياً صريحاً ببرنامجه النووي، وبالتالي عدم التعرض لنظامه والتآمر عليه، كما هو الحال في فنزويلا، أو الدول التي تعتبرها واشنطن مارقة، ولعل الشعور السائد لدى الأمريكيين، أن الاعتراف بنظام كوريا الشمالية النووي، من شأنه أن يشجع بلداناً كثيرة على اعتماد المنهج نفسه، الأمر الذي يضعف سلطة واشنطن ومكانتها الدولية.
إذا كان الحل السياسي متعذراً، هل يمكن للحل العسكري أن يكون الأقرب إلى ما يقع أواسط الشهر الجاري، بحسب تأكيدات كيم جونج أون؟ ليس بالضرورة، ذلك أن الأزمة السابقة بين البلدين قبل شهور كانت أشبه بلعبة «بوكر» انتهت بعطل تقني كوري شمالي، وبتمويه أمريكي حول إرسال حاملة طائرات إلى المياه الإقليمية الكورية.
إن الرعب الذي ينجم عن استخدم النووي، يمكن أن يلعب دوراً رادعاً، ويؤدي إلى تراجع الطرفين أو أحدهما والبحث عن حلول سلمية للأزمة، وربما هذا ما يضمره الصينيون الذين طمأنوا واشنطن إلى تنفيذ العقوبات، ويريدون موافقتها على العودة إلى طاولة المفاوضات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"