موسكو وأدوات الغرب

04:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبيد
لا شك أن التصريحات الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ستثير زوبعة في الغرب، ليس باعتبارها تصعيداً "نوعياً" في الموقف إزاء الأزمة المشتعلة في أوكرانيا وحسب، بل لأنها تشي كذلك بسلوك سياسي واعٍ لأسس الصراع مع المعسكر الغربي، وسبل إحداث المزيد من الضغوط عليه، وبالتالي انتزاع المكاسب منه .
دعوة بوتين إلى محادثات لإنهاء الصراع تنطوي على بحث إقامة دولة في مناطق شرقي أوكرانيا الناطقة بالروسية، تحمل الكثير من الإشارات والدلائل على بدء روسيا اللعب بشروطها، لكن باستخدام أدوات الغرب التي اعتاد توظيفها في خدمة مصالحه في أي صراع يقع في مركز اهتماماته، في أي مكان في العالم، ما يعني أن موسكو تعي تماماً اللعبة الغربية التي طالما سعت إلى تفتيت وتقسيم دول قائمة بذاتها تحت مسميات وشعارات كثيرة هدفت لإخفاء المصالح الحقيقية من ورائها .
لقد استخدم الرجل عن سابق وعي وإلمام مصطلحاً كثيراً ما سمعنا الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يستخدمه في صراعات سياسية كثيرة، حين تحدث عن أهمية البدء الفوري في "محادثات جوهرية، حول قضايا التنظيم السياسي للمجتمع ومنح وضع دولة لجنوب شرقي أوكرانيا، بهدف حماية المصالح المشروعة لسكان هذه المنطقة"، فالمصالح المشروعة المعنية في هذا الحديث متعلقة بشكل أو آخر بمصالح موسكو، ولعلها مرتبطة بها ارتباطاً عضوياً وتاريخياً، الرابط الذي لم يكن موجوداً على الدوام في كل تدخل غربي في شؤون العالم .
مناسبات كثيرة سلّط فيها الغرب سلاح "المصالح المشروعة" لفئة أو جهة أو أقلية أو حتى احتلال في أماكن كثيرة في العالم، وراح يقسّم هذه الدولة، أو يخلق واقعاً جديداً في تلك، تحت هذا الشعار، والسوابق أكثر من أن يؤتى عليها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الانحياز الكامل والأعمى لكيان الاحتلال والقتل في فلسطين، ومحاولات تفتيت المنطقة العربية واختلاق دويلات جديدة فيها، مثلما أراد في كردستان العراق، ومثلما يحاول أن يفعل حالياً في ليبيا، ومنها أيضاً دعمه للكيانات المنبثقة عن المعسكر الشرقي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وإغواء الكثيرين بحلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لتحقيق غايات سياسية خاصة .
كانت الأخطاء التي ارتكبها الغرب في هذا الصراع هي ذاتها التي وقع فيها في صراعات سابقة، ذلك لأنه لم يتخذ وضعية الوسيط المحايد إزاءها، بل انخرط فيها كطرف ذي مصلحة أساسية، إن لم تكن الأولى، لكن ذلك لم يمكّنه من النجاح في الوصول إلى هدفه، كون خصمه كان ندّاً، أو أكثر من ذلك بكثير، لا مجرد تابع أو واقع تحت الاحتلال العسكري .
موسكو ردّت على الغرب عقوباته بعقوبات مماثلة، وخاضت اللعبة حتى الآن بشروطها، والواضح أن خصومها بدأوا يشعرون بآثار اللعبة التي حاولوا خوضها بشروطهم، ومن ثم بدأت تنقلب عليهم شيئاً فشيئاً، بتحول سلاح العقوبات إلى تهديد معاكس ذي أثر أكبر مما قد يخلفه على الخصم .
على الغرب الآن أن يفكر في مقاربة أخرى، تمكّنه من عدم الخروج بخسائر كبرى من هذا الصراع الذي بدأ يكتشف، وإن لم يقر بذلك، أنه لم يفده بقدر ما كان عبئاً ثقيلاً أضافه إلى أحمال كثيرة تثقل كاهله في المرحلة الراهنة، وأن المكاسب المتوقعة من ورائه ليست أمراً يذكر .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"