نتنياهو ينتزع من العرب أصدقاءهم

04:13 صباحا
قراءة 4 دقائق

قدمت الزيارات التي قام بها بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلي، إلى الصين وروسيا، البلدين الصديقين تاريخياً للعرب، مادة شهية للنقاش في الحوافز التي دفعت إلى هذه الزيارات وإلى النتائج المتوقعة لها . فالزيارة الأخيرة إلى موسكو ارتبطت في أذهان البعض بما تردد عن اقتراب موعد تسليم صواريخ 300س إلى سوريا . واعتبر الذين ربطوا بين هذه الصفقة وبين الزيارة بأنها تقدم حافزاً كافياً للقيام بها، حيث إن الصواريخ من شأنها أن تؤثر في ميزان القوى بين سوريا وإسرائيل . صحيح أن هذه الصواريخ دخلت سوق السلاح منذ العام ،1978 ولكن الصناعة الحربية الروسية ركزت على تطويرها باستمرار . وهكذا أصبحت هذه الصواريخ سلاحاً قادراً على إسقاط طائرات إف 16 وإف 22 المقاتلة، وعلى التصدي للصواريخ الباليستية التي يعتمد عليها سلاحا الجو الأمريكي والإسرائيلي على نطاق واسع .

أما الزيارة إلى بكين فقد تقاربت مع الزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ما أثار تكهنات متعددة عن رغبة الزعماء الصينيين في تعزيز دور بلادهم في الجهود الرامية إلى إيجاد حل للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي . وقد شحذ الرئيس الفلسطيني هذه التكهنات، عندما قال في تعليق له على دعوة نتنياهو إلى زيارة الصين وعلى تزامن الزيارتين، إن هذا الأمر يخدم مسيرة السلام في الشرق الأوسط، فإلى أي مدى صحت هذه التكهنات والتحليلات والتوقعات؟

لقد أعربت المصادر الإسرائيلية عن نجاح الزيارتين، وهذا ما أكدته أيضاً مصادر روسية وصينية . هل يعني ذلك أن صفقة الصواريخ الروسية-السورية قد تدخل مرحلة سبات؟ وهل يعني هذا أننا قد نشهد فصلاً جديداً من فصول مساعي التسوية الفلسطينية-الإسرائيلية يضطلع فيه الوسيط الصيني بدور بارز ومؤثر؟

لو صحت التقديرات القائلة إن نتنياهو ذهب إلى بكين من أجل السلام الشرق أوسطي، وإن الزعماء الصينيين استضافوه لأنهم يريدون أن يوسعوا نطاق اهتماماتهم بالشرق الأوسط، وان يضطلعوا بدور مباشر في مفاوضات السلام العربية-الإسرائيلية، ولو صحت التفسيرات القائلة إنه زار موسكو بقصد إحباط صفقة الصواريخ الروسية الفتاكة وضمان سيطرة سلاح الجو الإسرائيلي من دون غيره على السماءات العربية، لكان من المستطاع الإجابة عن هذه الأسئلة بالإيجاب . ولكن البعض ممن تابع جولة رئيس الحكومة الإسرائيلي الآسيوية يرى صورة مغايرة للحوافز التي دفعت إليها .

فالجانب الأبرز في زيارة نتنياهو إلى بكين خصص للعلاقات الصينية-الإسرائيلية وليس لعلاقة إسرائيل بالفلسطينيين . ويدل مراقبون مثل سام تشستر، المعلق على قضايا الشرق الأوسط، على التفاوت بين أهمية الموضوعين بالإشارة إلى أن نتنياهو جاء ومعه وفد كبير من رجال الأعمال والرسميين، وأن الزيارة كانت معدة منذ زمن ليس بقصير، بينما دعي محمود عباس إلى زيارة الصين قبل أيام قليلة من وصول نتنياهو إليها . وفي زيارة نتنياهو إلى موسكو، كانت الصواريخ على مائدة المفاوضات مع الرئيس بوتين، ولكنه لم يكن موضوعاً وحيداً بل كان واحداً من موضوعات أخرى تعكس الحوافز الآتية التي تؤثر في سياسة إسرائيل الخارجية:

* أولاً، تطوير العلاقات مع القوى الدولية البازغة وخاصة الصين . فالحركة الصهيونية لم تضع يوماً ما كل بيضها في سلة واحدة، بل كانت توزعه على سلال كثيرة، وتقيم علاقات موازية مع قوى متصارعة، مثل ألمانيا وبريطانيا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحتى مع قوى معادية لليهود وللسامية مثل النازيين والفاشيين والعنصرييين الأوروبيين . ورغم صلة إسرائيل الوثيقة بالولايات المتحدة واعتمادها شبه المطلق عليها، فإنها عمدت منذ سنوات كثيرة إلى إمداد الصين بالتكنولوجيا العسكرية الحديثة التي كانت تحصل عليها من الولايات المتحدة . وإذ يدرك الإسرائيليون أن العالم يتغير وأن الولايات المتحدة لن تحتفظ بمركز القطب الأعظم وشرطي العالم لسنوات كثيرة، فإنهم يسعون إلى تنويع علاقاتهم الدولية وإعادة توزيع بيضهم على السلال الجديدة في العالم .

* ثانياً، إحكام الحصار التسليحي ليس ضد سوريا فحسب، وإنما ضد الدول العربية كافة، وفي هذا السياق فإن إسرائيل تمارس ضغطاً قوياً على روسيا لمنعها من إرسال الصواريخ إلى سوريا، حتى إن ألكسندر فومن، رئيس الإدارة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري والتقني، صرح بأن بلاده تتعرض إلى حرب حقيقية لمنعها من تنفيذ صفقات السلاح مع سوريا . في نفس الوقت تمارس إسرائيل الضغوط الموازية على الصين لمنعها من تصدير صواريخ سكود إلى مصر، هذا في الوقت نفسه الذي تمارس الضغوط على واشنطن من أجل منعها من إتمام صفقة بقيمة مليار ونصف المليار من الدولارات من أجل تزويد مصر بطائرات 16 ئ كانت الإدارة الأمريكية قد أبرمتها مع الحكومة المصرية إبان حكم حسني مبارك . ورغم أن وزارة الخارجية الأمريكية أبلغت الإسرائيليين وأبلغت الزعماء الصهاينة الأمريكيين أن حكومة الرئيس مرسي قد أكدت لواشنطن التزامها بمعاهدة كامب دافيد، فإن إسرائيل وأنصارها لم يكفوا عن الضغط على ادارة أوباما من أجل إلغاء الصفقة .

* ثالثاً، إن إسرائيل تسعى إلى الإفادة من الأجواء العربية الملبدة والمضطربة من أجل تأكيد وتلميع صورتها كبلد أمن وسلام واستقرار في المنطقة . وهكذا فإن نتنياهو لم يخاطب الزعماء الصينيين والروس باعتباره حاكماً لبلد معزول في المنطقة ويعاني العداء المحيط به من دولها وشعوبها، كما كان الأمر في السابق، وإنما يخاطبهم كما قال في موسكو كزعيم لدولة مستقرة وآمنة وراشدة وسط منطقة ملأى بالاضطرابات والعنف وعدم الاستقرار، وأنه يسرّه أن يبحث مع زعماء العالم سبل بسط الهدوء والسلام في هذه المنطقة .

هذه اللغة التي يخاطب فيها نتنياهو العالم تعكس مزيجاً من الإيحاءات التي يرغب في تسويقها عالمياً خلال جولاته وزياراته في الخارج، ومن الاقتناع الجاد بأن الوقت أصبح مناسباً لإعلان إسرائيل كقوة إقليمية عظمى مخولة لبسط السلام الإسرائيلي على المنطقة العربية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"