هل تعود الحرب الباردة؟

05:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

أثارت موجة طرد أمريكا ودول أوروبية عديدة لدبلوماسيين روس مخاوف العودة إلى الحرب الباردة، كما أن دخول حلف «الناتو» على خط الأزمة، وطرده أعضاء في البعثة الروسية، زاد من تلك المخاوف، بل عزز فرضية استعصاء الأزمات من جديد بين الغرب وروسيا، واحتمال تصاعد ردود الأفعال بين الطرفين، خصوصاً أن هذا التنسيق الغربي الكبير في اتخاذ موقف موحد من موسكو يعكس، من دون شك، رغبة غربية واضحة في توجيه رسائل قوية إلى صنّاع القرار في الكرملين، وتحديداً للرئيس فلاديمير بوتين، الذي أعيد انتخابه من جديد لولاية رئاسية رابعة.
لمدة قاربت النصف قرن (1947-1991)، ساد مصطلح الحرب الباردة، كتعبير عن الصراع بين أمريكا والغرب من جهة وبين الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية من جهة أخرى، وقد استخدم الطرفان في تلك الحرب أدوات اقتصادية وأيديولوجية متعددة، بالإضافة إلى مواجهات عسكرية غير مباشرة، لتفادي الاصطدام المباشر بين طرفين يمتلكان أسلحة نووية مدمرة، وقد انتهت تلك الحرب بتفكك الاتحاد السوفييتي، والذي ترك تفككه آثاراً كبيرة على النظام الدولي، حيث وجدت الكثير من دول العالم نفسها أمام معطيات جديدة عليها التكيّف معها، خصوصاً أن الحرب الباردة مدّت الكثير من الأنظمة السياسية في العالم بعنصر الشرعية. فدول كثيرة في العالم الثالث كانت تناصر الاتحاد السوفييتي، واستمدّت شرعيتها من «مواجهة الغرب»، وما تفرع عن ذلك الشعار من شعارات أخرى، مثل «دحر الإمبريالية»، و«رفض الهيمنة الغربية»، و«تحقيق العدالة الاجتماعية»، وغيرها من الشعارات.
مع سقوط الاتحاد السوفييتي، انتهى نظام ثنائي القطبية، وانتهت معه جملة التوازنات التي حكمت النظام الدولي، وسادت العالم حالة ارتباك كبيرة على مستوى قيادة هذا النظام، وكيفية توزيع المصالح فيه، ووجدت الولايات المتحدة نفسها في موقع التفرّد في القيادة، لكن هذا التفرّد في القيادة لم يتمكن من إحداث حالة التوازن المطلوب في العلاقات الدولية، كما أن العقود التي تلت نهاية الحرب الباردة لم ينتج عنها حالة انتقال إلى نظام دولي متعدد القطبية، وهو الأمر الذي أخذ حيزاً مهماً من النقاش في دوائر صنع القرار في العالم، لكنه فعلياً بقي مجرد سجال نظري، ولم يتحقق فعلياً على المستوى العملي.
التفاوت الذي أحدثته العولمة الاقتصادية، بما تضمنته من قفزات كبيرة في الصناعات التكنولوجية عالية المستوى، أحدثت شرخاً كبيراً في سوق العمل الدولي، كما ولّدت مجموعة من القيم الجديدة، بحيث أصبحت الشركات الكبرى هي صاحبة القرار إلى حدّ بعيد في رسم السياسات العابرة للقارات، وهو أمر غير مألوف تاريخياً في بنية العلاقات الدولية، حيث تراجعت مكانة القيم السياسية التي وجدت بعد الحرب العالمية الثانية، وحلّت مكانها قيم جديدة، لا ترى في العالم وشعوبه سوى مجرد سوق للبضائع.
في سياق هذا التطور النوعي الذي أحدثته العولمة، وفي سياق غياب الشراكة في قيادة المجتمع الدولي، حدثت تناقضات كبيرة، كان من شأنها أن تدفع بعض اللاعبين إلى استعادة سياسات من عصور ماضية، كانت في طريقها إلى الأفول.
إن الخطوة الغربية في طرد الدبلوماسيين الروس من أكثر من عشرين بلداً، تعكس إصراراً أمريكياً وغربياً على مواجهة اندفاعات موسكو، خصوصاً مع حديث بريطانيا والغرب عن ضلوع روسيا في استخدام غاز الأعصاب في محاولة قتل العميل المزدوج سيرغي سكريبال فوق الأراضي البريطانية، وهو ما يعني العودة إلى سياسات العزل، وبناء الجدران مجدداً بين الغرب وروسيا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل من الممكن فعلياً العودة إلى الحرب الباردة؟
من الناحية العملية، إن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي السابق، كما أنها فعلياً لا تمتلك تحالفات كثيرة، ولديها مشكلات اقتصادية كبرى، خصوصاً مع اعتماد اقتصادها بشكل أساسي على قطاعي الطاقة والسلاح، وبالتالي فإن العزل الدبلوماسي والاقتصادي لروسيا لا تبدو الغاية منه الوصول إلى حالة القطيعة التامة، بل دفع موسكو إلى تغيير سياساتها، وتبني سياسات أكثر واقعية من وجهة نظر الغرب.
لكن الخطر يكمن فعلياً في ردود الأفعال التي قد تتجاوز أية حسابات عقلانية، وبالتالي قد تدفع إلى اتخاذ خطوات غير محسوبة، ما يعني فعلياً العودة إلى سياسات الحرب الباردة، أو إلى بعضها، وهو ما سيعني إشعال ساحات مواجهة عسكرية غير مباشرة في غير مكان من العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"