هل هي فقاعة لم تنفجر بعد ؟

01:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
عصام الجردي

إن دويتشيه بنك في ورطة الآن. أكبر مصارف ألمانيا وواحد من أهم المصارف الذي حافظ بجدارة على مركزه في رأس لائحة المصارف العالمية طوال عقود. الهلع كبير هذه الأيام، مخافة سقوط المصرف وتبعاته على ألمانيا أولاً وعلى النظام المصرفي العالمي. ومعهما الاقتصاد العالمي الذي بالكاد بدأ يتلمس طريقه للإقلال من كارثة أزمة 2008. وصف تقرير لصندوق النقد الدولي في يونيو/ حزيران 2016 المصرف بأنه يسهم وحده في أكبر المخاطر النظامية المصرفية في العالم. لنحبس الأنفاس قليلاً: ذكر التقرير أن المصرف يحمل محفظة من المشتقات المالية بحجم 42 تريليون دولار أمريكي. أي أكثر من نصف حجم الناتج المحلي العالمي 2015. وقيمة أصوله الدفترية 1.7 تريليون يورو نحو نصف الناتج المحلي لألمانيا.
تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها لن تتدخل مع السلطات الأمريكية في شأن الحكم القضائي بتغريم المصرف 14 مليار دولار أمريكي على خلفية اتهامه بتزوير سندات مدعومة بالرهن العقاري، كان أوقع أثراً من الغرامة. لكنه لم يكن سبب المشكلة التي يواجهها المصرف منذ سنتين واستفحلت في 2016. وأسهمت في تراجع أسهمه واهتلاك قيمتها السوقية إلى نحو 17 مليار يورو. ويبدو أن محفظة المصرف الإدارية وممارساتها منذ ما قبل 2008 كانت هي الأفدح. سواء في عمليات شراء حصص مصرفية والدخول في مضاربات على مشتقات مؤكسدة، أم في إخفاء حقيقة الوضع في المصرف ومستوى الأرباح التي كان يعلن عنها. وهو ما يؤذن بالظهور تباعاً. في متن حكم المحكمة الأمريكية المختصة أن دويتشه بنك بدأ تزوير السندات قبل ظهور أزمة الرهونات العقارية. خسائر صفقة شرائه بانكرز تراست لقاء 10 مليارات دولار أمريكي في 1998 لحظتها ميزانية 2015. أي بعد نحو ثمانية عشر عاماً. كل ذلك رأس أكمة الجليد.
على وقع أزمة دويتشه بنك يتردد شعار في أوروبا (TOO BIG TO BAIL).
أي «أكبر من أن ينقذ». اقتباساً من (TOO BIG TO FAIL) «أكبر من أن يفشل». المبدأ الذي أعلن سقوطه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد تسلمه مسؤوليات البيت الأبيض في بداية 2009. حين اضطر إلى ضخ تريليونات من الخزانة ومجلس الاحتياط الفيدرالي لإنقاذ المؤسسات الكبيرة من الإفلاس بهدف إنقاذ اقتصاد الولايات المتحدة والعالم. وبالكاد حقق هدفه بعد نحو تسع سنوات. الدليل دويتشيه بنك. وغيره عشرات من حالات الإفلاس لشركات أمريكية وأوروبية كل شهر. والأهم، أن الاقتصاد العالمي ما زال يعاني. وقد خلّف أزمات اجتماعية وصعود الاتجاهات العنصرية المتطرفة في الدول الصناعية. وكان على ما اعتقد أن العالم غادرها من زمان. لكن ما السبيل لمنع سقوط دويتشيه بنك؟ ومن ينقذ ألمانيا والعالم من تبعات السقوط هذه المرة من فقاعة في داخلها أكثر من نصف ناتج الاقتصاد العالمي من المشتقات فقط؟
لو سلمنا بأن 75 في المئة من محفظة المشتقات صالحة وقابلة للتداول والتسييل، فالباقي يساوي اكثر من 10 تريليونات دولار أمريكي. كل آلية الإنقاذ المصرفية الأوروبية من 750 مليار يورو. وحدود التصرف منها 500 مليار. أية أعباء إضافية تتطلب زيادة الحصص من جديد. ماذا عن بقية الموجودات في المصرف المثقّلة بأوزان المخاطر؟ ومن قال إن ألمانيا التي كان لها الحصة الأكبر من صندوق الآلية كما في كل آلية الدعم لدول في منطقة اليورو، على استعداد لمزيد من ضمن الآلية نفسها؟ فالمصارف الإيطالية في ضائقة وتحتاج وحدها إلى إعادة ترسمل من نحو 900 مليار يورو بحسب المصرف المركزي الأوروبي.
دويتشيه بنك ليس ليمان بروذرز. ألمانيا ليست الولايات المتحدة. والمصرف المركزي الأوروبي ليس مجلس الاحتياط الفيدرالي. لم يكتف أوباما بمبدأ لا مؤسسة كبيرة عصية على الإفلاس. لكنه مرّر تشريعاً في الكونغرس لتشديد الرقابة على المصارف قبل بلوغ حال الإعسار. فكان قانون دود - فرانك. الانطباع السائد لدى الكثيرين عن الانضباط في العمل المؤسسي في ألمانيا لا يستقيم مع ما برز في دويتشه بنك. إذ تقول إدارته إنها حملت احتياطات ومؤونات لمواجهة الغرامة القضائية الأمريكية. وسرعان ما تبدى لسلطات الرقابة الأمريكية أن تلك الاحتياطات والمؤونات لم تكن لهدف محدد قبل حكم الغرامة. المتعارف عليه في لوائح الرقابة المصرفية، أن أي نوع من الاحتياطات والمؤونات يفترض بموجب القوانين اقترانها بموافقة هيئات الرقابة المصرفية ومتابعة تنفيذها. ذلك أن كل أنواع المؤونات الطارئة غير التقليدية، لا تخضع لضريبة الأرباح باعتبارها مقتطعة منها، أو أموالاً خاصة إضافية من المساهمين. ولا بد من تكليفها الضريبة كلياً أو جزئياً إذا كانت من الأرباح بعد زوال المخاطر المحمولة من أجلها. أن يعبر أمر كهذا على هيئات الرقابة في البوندسبنك يعني العودة إلى المربع الأول الذي انطلقت منه فقاعة الرهونات العقارية في 2008. حين يقول تقرير رسمي لصندوق النقد الدولي بوجود مخاطر نظامية في دويتشة بنك، يعني عملاً منهجياً في الإدارة وليس جراء مخاطر طارئة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"