«الباريدوليا».. أوهام نفسية

ميل طبيعي للبحث عن «وجوه» في النماذج العشوائية
01:47 صباحا
قراءة 7 دقائق
إعداد: محمد هاني عطوي

«الباريدوليا» ظاهرة نفسية تتضمن الاعتقاد بأن أي مؤثر عشوائي مبهم قد يكون مهماً، مثل تخيل صور للحيوانات في السحاب، ورؤية وجه رجل في سطح القمر، أو سماع أصوات خفية في التسجيلات عند تشغيلها عكسياً، أو رؤية خيالات في صورة معينة، تم التقاطها في وقت ما ... إلخ.

وتتعدد أمثلة هذه الظاهرة، ففي سبتمبر 2007، وفيما يسمى بظاهرة شجرة القرد، رأى بعض الناس وجه قرد في جذع شجرة، مما أدى بالناس لتقديم الولاء له، وتضمنت الظاهرة العديد من ممارسات التنجيم في أوروبا قديماً، كاستخدام تفسير للأشكال الظاهرة في ظلال الأشياء، وتعد سلسلة الأبحاث التي نشرها العالم الياباني كونوسوكي أوكامورا من بداية عام 1997، إلى عام 1980، والتي حصل بموجبها على جائزة اكنوبل وهي المقابل الساخر لجائزة نوبل، مهمة جداً فتلك الأبحاث هي مثال على ظاهرة الباريدوليا، حيث وصف أوكامورا، في أبحاثه نظرية تقول: إن الإنسان لم يتغير خلال العصور القديمة، إلا في الحجم، حيث ازداد حجمه من 3.5 ملم إلى 1700 ملم، وذلك بناء على الأشكال التي رآها في أحجار الجير، التي تعود للعصر السيلوري، والتي ادعى أنها أشخاص دقيقة.
وفي ظل الظروف السريرية «الإكلينيكية»، فإن بعض علماء النفس يشجعون على ممارسة «الباريدوليا»، كوسيلة لفهم المرضى، فعلى سبيل المثال، يعد اختبار بقعة رورشاخ وهي بقع من الحبر السائل تنثر على الورق، ومن ثم تطوى الورقة لكي نحصل على شكل مختلف ومتناظر، فيختلف البشر في تفسير ما يرونه، ولكن قد يكشف لنا هذا الاختبار شيئاً عن تصوراتهم وأفكارهم، وربما تعكس شخصياتهم، وذلك تبعاً لحالته العقلية.
ويرى الكاتب الأمريكي، وعالم الفضاء كارل ساجان، أن هذه الظاهرة نشأت لتساعد البشر في تعرف إلى الوجوه البشرية في جزء من الثانية، الأمر الذي يعد مفيداً من وجهة نظر تاريخهم وتطورهم، حيث إن البشر بحاجة إلى تعرف إلى الحلفاء و الأعداء في سرعة و دقة.
وهناك بعض الحالات التي قد يفقد فيها الشخص قدرته تعرف الوجوه، كما في حالة بعض الأورام والجلطة الدماغية فيما يعرف ب «البروسباجانوسيا».
ويقول ديفيد هيوم: «يوجد بين البشر اتجاه سائد وموحد في تصور الأشياء، ينتقل من السلف إلى الخلف، وهي سمات يكونون على معرفة ووعي تام بها، كأن نتخيل رؤية وجوه بشرية على سطح القمر، أو جيوش في السحب، وما لم يتصحح ذلك الميل الطبيعي من خلال التجربة والتأمل، فسوف يُنسب ذلك إلى الخبث أو النوايا الحسنة في كل شيء يضرنا أو يسعدنا.»
و«الباريدوليا- Pareidolia» هي نوع من هذا الوهم أو عدم القدرة على الإدراك الذي ينطوي على حافز غامض أو مُبهم تبدو فيها الأشياء «على غير حقيقتها» بجلاء، فعلى سبيل المثال، عندما تتغير ألوان الخبز المحمص «التوست»، فإن بعض الناس قد يتخيل فيه وجه يسوع المسيح، أو يرى بعضهم صورة الأم تيريزا، أو الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، أو يرى صورة رجل على القمر في كعكة القرفة.
وفي الظروف العادية، توفر «الباريدوليا» تفسيراً نفسياً لكثير من الأوهام المستندة إلى الإدراك الحسي، فعلى سبيل المثال، تفسر لنا الظاهرة الكثير من مشاهدات اليوف، وسماع رسائل تشاؤمية عند إعادة تشغيل الرسائل المسجلة على الهاتف، كما تفسر لنا مسألة مشاهدة وحش بحيرة لوخ نيس، وأيضاً العديد من الرؤى ذات الطابع الديني، وربما السبب الذي يكمن في مشاهدة بعض الناس لوجوه أو مبان في صور ملتقطة لمنطقة «السيدونيا» المريخية «الوجه الذي يظهر في كوكب المريخ».
ويقول ساغان إن اللحظة التي يتمكن فيها الطفل الوليد من الرؤية، تبدأ مباشرة في التعرف إلى الوجوه، ونحن نعلم أن هذه المهارة راسخة ومتجذرة في عقولنا منذ نعومة أظفارنا، بالرغم من أن الاعتقاد السائد بين العلماء من أن أولئك الأطفال الرضع الذين عاشوا منذ مليون سنة مضت، لم يتمكنوا من التعرف إلى الوجوه، وكانوا لا يبتسمون لها، وكانوا أيضاً أقل عرضة لكسب قلوب والديهم، وأقل احتمالاً للنجاح، وفي هذه الأيام، فإن كل الأطفال الرضع تقريباً لديهم سرعة في تحديد الوجوه البشرية، والاستجابة للابتسامات الحنونة - كارل ساجان (1945-1995)، ويعتقد ساجان أن هذا الأمر هو منحى تطوري عند البشر.
وربما كان ساجان محقاً في الميل لتعرف الوجوه، ولكننا لا نرى أي سبب للاعتقاد أن هناك ميزة تطورية في رؤية النماذج المقلدة من اللوحات، والأشباح، والشياطين، وما شابه ذلك في الجماد، بالرغم من وجود ميزة تطورية بالطبع في رؤية لوحة «العشاء الأخير» أو الحيوانات المفترسة إزاء خلفية بيئية متباينة، ولن تكون هناك أية ميزة للقول بأن الصقور تغوص في ظلال مكورة على الصخور، ولكن يبدو من المرجح أن العقول في العصر الحديث تختلق نوعاً من التفاعل مع الأشكال والخطوط والظلال، مثل اتصالها بالرغبات والمصالح والآمال والهواجس الحالية، وما شابه ذلك، فمعظم الناس لديهم أوهام ترتبط بكينونتهم، ولكن البعض قد أصبح يركز على واقع تصوراته ويحول التخيلات إلى أوهام، ومع القليل من التفكير النقدي، ينبغي أن نقنع الناس الأكثر تعقلاً بأن حبة البطاطس التي تبدو مثل الإله الهندوسي جانيش، وكذلك كعكة القرفة التي تبدو وكأنها الأم تيريزا، أو المساحة المحترقة في الكعكة التي تبدو مثل المسيح هي في النهاية حوادث ليس لها مغزى، لذا فمن الأرجح أن صورة السيدة العذراء التي يراها بعض الناس في انعكاس المرآة أو على أرضية المساكن، أو في السحب هي من اختلاق مخيلة الشخص نفسه، ولا ينبغي تخيل السيدة العذراء المتوفية منذ 2000 سنة، في مثل هذه الأمور الدنيوية وغير المجدية.

سر صور الأشباح

في مسابقة أجريت في نيوزيلندا لصور أشباح تم التقاطها في أماكن مختلفة، عرضت صورتان لمنزل محترق، والسؤال الذي يطرح هنا: هل كانت الصور الملتقطة لرأس شبح تحيط به النيران أو هي مجرد خدعة بصرية؟ أتت تلك المسابقة بعد أن أجريت مسابقة مشابهة في بريطانيا حيث انبهر الجمهور ببعض الصور التي تظهر ما يشبه الأشباح، فمعظم الصور المعروضة كانت تحوي بقعاً مضيئة، يعتقد أنها طاقة ناتجة عن وجود الأشباح، أو مجرد غبار على عدسة الكاميرا أو دخان أو انعكاسات ضوئية شاذة، لكن بعض الصور كانت مثيرة وخضعت للكثير من التمحيص كالصورتين الملتقطتين لمنزل تشب فيه النيران يحيط به متطوعون يتدربون على مكافحة الحرائق في ويستبورت في العام 2006، حيث ظهر في كلتا الصورتين رأس طيفي معلق في نافذة المنزل المحترق، وبينما يمكن تفسير إحداهما كخدعة بصرية ناتجة عن شكل النيران إلا أنه من الصعب تجاهل الصورة الثانية التي تحتوي أيضاً على صورة وجه.

فرضيات

يقول براد سكوت، مدير جمعية التحقيق في الظواهر الغامضة: إنه يمكن تفسير معظم تلك الصور، فحوالي 90 في المئة منها لها تفسيرات منطقية، لكن ما نبحث فيه هو تلك النسبة التي لا تتجاوز 10% تقريباً من الصور، فالإنسان لديه ميل طبيعي للبحث عن «وجوه» في النماذج العشوائية، وتقول فيكي هايد من جمعية المتشككين في نيوزيلندا، إنه يمكن تفسير تلك الصور بسهولة، فمعظم اللقطات تحتوي على نيران ودخان وضباب، وتكون مخادعة بشكل يجعلنا نظنها أنها أشباح، وتخلق مثل تلك العوامل ظروف تصوير غير واضحة وتنتج نوعاً من النماذج «الأشكال»، التي نسعى لإعطائها تفسيراً يحمل معنى، ومما لا يدع مجالاً للشك أن الشكل البشري هو النموذج الذي يحمل أقوى معنى بالنسبة لنا، فتشكل كرتين أمامنا وبجانب بعضهما يجعلنا نميل تلقائياً إلى إدراكهما كعينين في وجه، ويحذر السيد سكوت فيقول: «إن قال أحدهم إن تلك الصورة غريبة، أو فيها شبح، علينا أن نخضعها للدراسة والتمحيص، وألا ننجر إلى تصديقها بسهولة»، ففي إحدى الصور التي التقطت عام 1966، التي تظهر فيها امرأة وحفيدها البالغ من العمر عشرة شهور، ذعرت العائلة لملاحظتها وجود رأس رجل، مع نظرة شريرة في سلة خلفهما، لكن كل مسببات الخوف تلاشت عندما أدركوا أن الرأس لم يكن إلا جاك نيكلسون بصورته المنشورة في مجلة مطوية وموضوعة في سلة خلفهما، وهو بوستر للفيلم المرعب Shining، الذي شارك في تمثيله، وكانت الصورة الرابحة في النسخة البريطانية من المسابقة هي صورة الشبح الظاهر خارج قلعة إسكتلندية، والتي تم التقاطها في شهر مايو عام 2008.

شبح هنري الثامن بالهاتف

دهشت الجدة آن لامبرت (54 عاماً)، لما رأته على شاشة هاتفها النقال، بعد ما التقطت صورة ما بدا أنها تجسد (ظهوراً) لوجه شبح هنري الثامن، عندما كانت تقف في منزل تيودور الملكي. كانت السيدة لامبرت تقضي الليل في قاعة سامليسبري، عندما سمعت أصواتاً غامضة وكان الفتى لانكس كلايتون بروك، وحيداً في الغرفة المظلمة، وعندها أحست بشيء ما، أمسكت على الفور بهاتفها الخلوي وبدأت تلتقط عدة صور.
وعندما وصلت لامبرت إلى البيت في اليوم التالي، حدقت بالصور التي التقطتها في قاعة تيودور الملكية، لتفاجأ بملامح وجه شبح، وتسترجع السيدة لامبرت ما جرى في وقت متأخر من الليل، خلال جولتها للمنزل الملكي، الذي يعود إلى القرن الرابع عشر، بالقرب من بريستون، حيث تقول: «كنت في أعلى الدرج قرب غرفة الراهب، وكان هناك شخصان في الغرفة، ثم غادرا وأحسست أن شعر رأسي قد وقف من شدة الخوف، لوجود شيء ما حولي، وكنت ألتقط صوراً مختلفة من أنحاء الغرفة، وكانت مظلمة بعض الشيء وقلت في نفسي إن كان هناك شيء ما في الغرفة آمل أن يظهر على الصور الملتقطة، لكنني لم أكتشف ذلك إلا بعد يوم، فقلت لابني: هذا شبح أليس كذلك ؟ فقال: إنه كذلك، فقلت: إنه يشبه هنري الثامن، وكانت ليندسي موراي المديرة المسؤولة عن قاعة سامليسبري سعيدة لمعرفتها بوجود شبح جديد في القاعة، وعلقت على الصور: «لا نملك صوراً لهنري الثامن، ومن الممتع والشائق أخذ صورة جيدة له»، ولكن هل كانت الصور الملتقطة لهنري الثامن؟ السؤال لم يزل مطروحاً؟.

روح الأم حاضرة مع بناتها

قبل 7 سنوات تقريباً أي في عام 2008، توفيت إحدى السيدات، وهي في العقد الخامس، وكان لها خمس بنات شابات في مقتبل العمر، وذات يوم من أيام الشتاء أرادت هؤلاء الفتيات قضاء ساعات من الراحة على شاطئ البحر، مع بعض الأصدقاء، علهن ينسين مصابهن الجلل في فقدان والدتهن، وبينما كانت الأخت الكبرى تشعل الحطب كي يتدفأن قليلاً من برد الليل القارس، كانت إحداهن تلتقط بعض الصور التذكارية خلال هذه اللحظات الشتوية الممتعة، واستمرت الجلسة الدافئة إلى ما بعد منتصف الليل، وكل ذهب إلى بيته، وعند الصباح وبينما كانت الأخت الكبرى تقلب الصور التي التقطت بالأمس، لاحظت وجود شبح (سيدة) تقف إلى جانب إحدى الحاضرات، التي كانت تلتقط هي أيضاً بعض الصور للحضور، فضلاً عن ذلك تفاجأت الأخت الكبرى بهذا المنظر، إذ لم تكن هذه السيدة حاضرة معهن، كما أن الصورة الشبحية الظاهرة في الصورة هي لأمها فعلاً، فهل كانت روح الأم الفقيدة حاضرة معهن ساعة ذاك؟ حتى الآن لم يجد من شاهد هذه الصورة تفسيراً للأمر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"