الآباء "يتنازعون" الأبناء بعد الطلاق

يحاول كل طرف استمالة الصغار والظهور بمظهر الضحية
12:28 مساء
قراءة 5 دقائق

تصاحب الخلافات الزوجية العديد من المشكلات التي تؤثر في شخصية الأبناء ومستقبلهم، ومن أهم هذه المشكلات محاولة كل طرف استقطاب أحد الأبناء تجاهه حتى ولو كان على حساب إهانة الآخر وتشويه صورته، ما ينتج عنه طفل غير سوي يعاني العديد من الاضطرابات، ويستغل أبويه لتحقيق مصالحه الشخصية، في هذا التحقيق ناقشنا هذه الظاهرة مع عدد من المختصين والآباء، لمعرفة مخاطر استمالة المطلقين صغارهم وظهور كل طرف أمامهم بمظهر المظلوم .

في البداية تحدث سامي سليمان القطاونة أستاذ العلوم التربوية بكلية التربية والعلوم السياسية، بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا عن هذه الظاهرة، موضحاً أن للأسرة ثلاثة أركان الأب والأم والأبناء ولكل عنصر مهامه التي يجب أن يقوم بها، وواجباته وحقوقه، ولا شك أن الخلل في طبيعة العلاقة بين الزوجين يصب في غير مصلحتهم، فقد أثبتت الدراسات أن هناك علاقة طردية بين كثرة الخلافات الزوجية وبين نمو الأبناء بطريقة سليمة، فالمناخ الأسري المبني على الود والاحترام والحنان يساعد على تطور بناء الصغير عقلياً ونفسياً واجتماعياً .

وذكر القطاونة أن المفهوم اللغوي والاصطلاحي لكلمة استقطاب يعني وجود قطبين متضادين، وجمع الأجزاء في ناحية واحدة، والاستقطاب هنا يعرف بأنه كافة النشاطات التي يقوم بها أحد الوالدين ليكون محور جذب الأبناء، من خلال التغافل عن الأخطاء التي يقوم بها الصغير، السماح له بأن يتجاوز حدوده مع الآخر، ومن خلال التمييز بين الأبناء فعادة ما يميل المستقطِب إلى الابن المنحاز إليه، ما يؤثر في شخصية هذا الابن وشخصية الأبناء الآخرين .

وتابع: شخصية الابن المستقطب تميل إلى الانتهازية، فيحاول أن يستغل الخلاف القائم بين والديه لتحقيق مصالح مادية ومعنوية، ما يجعله ذاتياً متقوقعاً، يسعى لتحقيق رغباته ومصالحه فقط، ويؤثر هذا الاستقطاب بالطبع في الاتزان الأسري الذي يختل نتيجة لظهور قطبين متنازعين في البيت، فيقوم الوالدان بتقديم تنازلات في التربية الأسرية تؤثر سلباً في شخصية الابن مستقبلاً، كما يؤدي إلى عدم العدالة في التعامل مع الأبناء .

لم تختلف الأخصائية النفسية مروة هاشم مع الكلام السابق، بل أكدته قائلة: كثيراً ما يشهد الأبناء صراع الوالدين ومحاولة كل طرف استقطاب الأبناء إليه وتشويه صورة الطرف الآخر، وهذا يهدد فرصة النمو النفسي والتربوي الطبيعي للابن، لأنه يحتاج لأبيه كي يتوحد معه كنموذج للرجل، ويحتاج لأمه كي ينشأ في نسيجه النفسي ذلك الجزء الأنثوي الذي يشعره بالأنثى وينجحه في التعامل معها، والبنت تحتاج لأمها كي تتوحد معها كنموذج للمرأة وتحتاج لأبيها كي ينشأ في نسيجها النفسي ذلك الجزء الذكوري الذي يشعرها بالرجل وينجحها في التعامل معه . وعن أهم المشكلات النفسية التي يتعرض لها الأبناء في مثل هذه الحالة قالت هاشم: هناك العديد من الأخطار التي قد تواجههم مثل اضطرابات في النوم وبعض الأحلام المفزعة، اضطرابات في الأكل وفقدان الشهية، تغييرات في الوزن سواء بالنقص أو الزيادة، قد يعاني البعض من التبول اللاإرادي، وقد يهربون من المدرسة أو البيت، يندفعون نحو الأقران بحثاً عن الأمان والحب، يتعاطون المخدرات أو المسكرات هرباً من الألم النفسي، تكوين موقف عدائي تجاه أحد الوالدين مع تكرار التجربة في المستقبل .

ولتجنب هذه الأخطار قالت هاشم: لابد أن يتفق الوالدان على أن نمو الأطفال النفسي والتربوي السوي يأتي في المقام الأول، لابد أن يحافظ كل طرف على صورة الآخر في عين ابنه لأنه هو الخاسر الوحيد، وعند حدوث أي خلاف لم تتم السيطرة عليه لابد أن يبادر الأهل بتهدئة الابن وإشعاره بالأمان، والحد من الخلافات الزوجية خاصة أمام الأولاد، مراقبة أي تغييرات تحدث في سلوكيات الطفل لسرعة الحد منها .

النماذج في المجتمع لحالات الطلاق، تكشف عن قصص كثيرة وأحوال مختلفة . فيحكي ماجد محمود طيب، كيف ساءت علاقته بابنته عندما حاولت مطلقته تشويه صورته أمامها، ومنعتها من محادثته تليفونيا خاصة أنه يعيش في دولة والأم والابنة في دولة أخرى، وكانت دائماً ما تردد على مسامع الصغيرة أن والدها لا يحبها لذلك تركها وسافر إلى دولة أخرى، حتى أصيبت البنت بأزمة نفسية أبقتها في المستشفى لأسابيع طويلة، فاستنجدت الأم به لأن البنت في حاجة له وتريد رؤيته، وعندما ذهب اكتشف أن الأم هي السبب في هذا المرض، بعد أن جلس مع الصغيرة واستمع لها نافياً كل ما قالته أمها .

وأكد ماجد أن البنت الآن بعد أن كبرت وأصبحت في سن المراهقة أصبح لديها وعي بالخطأ والصواب، والكذب والصدق ولم يعد في إمكان الأم أن تبعدها عنه أو تشوه صورته، إلا أن البنت كثيراً ما تردد أنها لن تتزوج عند الكبر حتى لا تنفصل عن زوجها وتظلم صغارها بضغط نفسي تعرضت هي له .

أما أشرف سالم مسؤول تسويق، وهو أب منفصل أيضاً، أكد أنه كثيراً ما عايش هذه النماذج، وشاهد أمهات يمنعن الآباء من الاقتراب من أولادهم بعد الطلاق، مع تشويه صورة هذا الأب، ما خلق أطفالاً يعانون من العديد من الأمراض النفسية . وعن نفسه فأكد أنه لا يستطيع أن يشوه صورة أم ابنه في نظره، فمهما حدث ستظل أمه، لها احترامها وتقديرها، خاصة أنه عند الانفصال اتفق مع طليقته أن يراعي كل منهما الطفل والتعامل معه بأسلوب تربية يخلق منه رجلاً صالحاً لا يعاني من أمراض نفسية .

منى شاهين مطلقة وأم لبنت وولد، اعتبرها كل من يحيط بها نموذجاً يحتذى به في التربية، فرغم انفصالها عن والدهم، إلا أنها لا تقرر ولا تخطو خطوة واحدة في حياة أولادها دون مشورته وعلمه، كما تطلب منهم دائماً أن يعودوا إليه في أي أمر مهما كان صغيراً، ولو على سبيل الخروج مع الأصدقاء، فهي ترفض أن تخرجهم للحياة بنفوس ممتلئة بالعقد النفسية والحقد، إضافة إلى أنها ترفض مبدأ الاستقطاب لأنه سيشوه صورة الأب في أعينهم، وهذا لصالحهم فمهما حدث سيظل والدهم يفرح لفرحهم ويتألم لآلامهم .

على العكس من صديقتها التي رفضت ذكر اسمها، فقد حاولت كثيراً تشويه صورة زوجها أمام بنتها، ولم تكن تعرف خطورة الأمر، فرغم أن بينهما خلافات لكنهما غير منفصلين فعلياً، ونظراً لإهمال الأب، راحت الأم تشوه صورته كنوع من الاستقطاب العاطفي لابنتها والتعاطف معها ومع مشكلتها، حتى قامت الفتاة بمواجهة والدها بكل ما قالته الأم عنه كنوع من العتاب في محاولة لحل الخلاف، وعندما سمع الأب الكلام قام بتطليق الأم فوراً واكتشفت البنت أن أمها التي يجب أن تكون قدوة، هي كاذبة فاختارت أن تعيش مع والدها الذي أصبح مظلوماً وضحية في عينيها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"