الإسلام لا يجيز القتال إلاّ لصد العدوان

كتاب الله يفنّد أكاذيب المتطرفين
02:44 صباحا
قراءة 7 دقائق
يضبط القرآن الكريم دائماً سلوك الإنسان في حالتي السلم والحرب، ويحدد له المباح والمحظور، المشروع وغير المشروع، لكي يسير على هدي الخالق سبحانه، فلا يقتل من دون وجه حق، ولا يظلم قوياً أو ضعيفاً، ولا يهدر حق إنسان حتى ولو وقع أسيراً في ساحة الحرب، فالمسلم الذي يتسلح بكتاب الله الخالد يعظم قيمة العدل، ويعرف معنى الوفاء بالحقوق، ولا يمكن أن يصدر عنه سلوك يؤدي إلى تشويه للرسالة الخاتمة التي يحمل دستورها كتاب الله المجيد.
وقد حاول بعض الغلاة والمتنطعين في الدين أن يفرضوا منطقاً خاطئاً على الناس وارتكبوا من الجرائم ما يدينه الإسلام ويعاقب عليه، مستندين إلى بعض نصوص من القرآن، فهموها فهماً خاطئاً، وطبقوها وفق أهوائهم الشخصية، وعقولهم القاصرة، فكان رد القرآن عليهم حاسماً من خلال نصوص واضحة المعاني والدلالات، ليؤكد أن منهج ديننا الخاتم هو السلام والأمن والأمان، وأنه لا عدوان ولا ظلم ولا إهدار لحقوق الإنسان تحت أي أسانيد باطلة تتمسح في الدين، ودين الله الخاتم منها براء.
يقول الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر: لا يتوقف المتطرفون عن ترديد شعارات خادعة واستخدام مصطلحات شرعية لخداع البسطاء، وتغليف جرائمهم بغلاف شرعي، فاصطلاح «الجهاد» الذي يتشدقون به كلمة حق يراد بها باطل، فقد شرعه الإسلام للدفاع عن النفس والدين والوطن، والتكفيريون جعلوه وسيلة للقتل والتخريب، ولا فرق عندهم بين مسلم وغير مسلم، وبذلك أصبح جهادهم عدواناً صارخاً على أبرياء، وليس مواجهة لمعتدين وهذا إفك عظيم والإسلام برحمته وعدله لا يقر هذا العدوان بأي حال من الأحوال، والجهاد الذي يرفع رايته هؤلاء لا علاقة له من قريب أو بعيد بالجهاد الذي جاء به القرآن، ورسم طريقه ومنهجه رسول الإنسانية صلوات الله وسلامه عليه، انطلاقاً من فهمه الصحيح لكتاب الله.

افتراء على الإسلام

ويوضح شيخ الأزهر أن قصر مفهوم الجهاد على القتال خطأ وافتراء على الإسلام؛ لأن القتال نوع من أنواع الجهاد، وهو تارةً يكون فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وتارةً يكون فرض عين، إذا هجم العدو على بلد ودخلها، حيث يكون القتال واجباً على كل فرد مكلف من أفراد هذا البلد، فإذا هجم العدو على بلد مسلم ودخلها، وأمعن في القتل والتخريب والترهيب، فحينئذ يكون القتال واجباً على كل فرد مكلف من أفراد هذا البلد، لأن البلد أمام خطر داهم، وإذا كان للجهاد وزارة للدفاع ترتب أموره ولديها محاربون مدربون على مواجهة العدو؛ فإنه في هذه الحالة يكون فرض كفاية، فلا يجب على الجميع، وإنما على المدربين والمؤهلين لملاقاة العدو.
ويشير د. الطيب إلى أن المشكلة الرئيسية في التعامل مع مصطلح الجهاد هي اعتقاد بعض الناس خطأ أن الجهاد لا يكون إلاّ بالسلاح، وفي الوقت نفسه لا يعلمون أن الجهاد له أنواع أخرى غير قتال العدو، منها، مكافحة المرض لخَلْقِ إنسان مسلمٍ صحيحٍ، ومكافحة الجهل لبناء عقلية مسلمة تفيد مجتمعها، ومكافحة الفقر ليصبح لدينا إنسان مسلم سوي قادر على الارتقاء بوطنه وأمته.
فالجهاد في الإسلام يعني بذل المجهود في سبيل الله، فهناك جهاد الشيطان، وجهاد النفس، وذلك بمقاومة الشهوات والميول الشيطانية، وهذا لا يقل شأناً عن القتال، وهناك جهاد بالحجة والبرهان، وجهاد بالمال، وجهاد بالتصدي للفقر والجهل والمرض؛ لأن هذه الأمراض والآفات تهدم مباشرة المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية؛ وهي (حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض)، وسواء كان عدو المسلم عدواً حسياً على الجبهة أو عدواً معنوياً؛ كالفقر والتخلف؛ فإن هذا كله جهاد في سبيل الله، وأما قصر الجهاد على حمل السلاح فهذا اختزال للدين في جزئية معينة، إذ لا يجوز مقاتلة الأعداء إلا إذا رفعوا السلاح، والله سبحانه وتعالى يقول: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين»، ولم يقل سبحانه: وقاتلوا في سبيل الله الذين يخالفونكم في الدين.
وحول المزاعم التي يرددها الجهلاء عن انتشار الإسلام بالسيف يقول شيخ الأزهر: ليس صحيحًا ما يقال عن أن الإسلام دين قتال أو دين سيف، فلفظة «السيف» هذه ليست من ألفاظ القرآن، ولم ترد فيه ولا مرة واحدة، والمسلمون يؤمنون بأن الله أرسل محمدًا رحمة للعالمين، وليس رحمة للمسلمين فحسب؛ فقد أرسله الله رحمة للإنسان والحيوان والجماد والنبات، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: «أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة»، ومن يفهم تعاليم هذا النبي العظيم خارج إطار الرحمة العامة والسلام العالمي، فهو جاهل به وبتعاليمه ومسيء إليه.
ومن هنا يشدد د. الطيب على أن دعوات الجهاد الحركيِّ في العصر الحديث كانت دعوات للخروج على الحاكم وبعض الناس والمجتمع، وهذه الدعوات لم تعرف في تاريخ الإسلام، ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاقاً، حيث خوطب بقوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، فالآية تشير إلى أن طرق الدعوة تتمثل في الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وذلك على حسب أصناف المدعوين، والإسلام لا يعترف بالجدال السيئ الذي يؤدي إلى ضياع الحقيقة والتطاول على الآخر.
وينتهي شيخ الأزهر إلى أن إعلان الجهاد وترتيب أموره خاص بولي الأمر ومن ينيبه، وبمصطلحاتنا الحديثة هو حق الحاكم ممثلاً في وزارة الدفاع، ولا يمكن في عصرنا هذا إعلان الحرب خارج وزارة الدفاع أو خارج دائرة الحكم، ولا يجوز لأي شخص أو أي جماعة حركية أن تجيّش جيشاً وتخرج عن هذا النطاق.

أخلاق الفرسان

ويؤكد د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، أن الجهاد في القرآن حرب مشروعة، وهي من أنقى أنواع الحروب سواء من ناحية الهدف أو الأسلوب، أو من ناحية الشروط والضوابط، أو الإنهاء والإيقاف، أو من ناحية الآثار، أو ما يترتب على هذه الحرب من نتائج وتداعيات، وهذا الأمر واضح تمام الوضوح من خلال حديث القرآن الكريم عن الجهاد وما تحمل نصوصه من معانٍ ودلالات واضحة.
ويضيف: وردت في القرآن الكريم آيات تبين شأن الجهاد وترد على كل من يحاول توظيفه لارتكاب جرائم وممارسات مرفوضة، ويرى المطالع لهذه الآيات أن المجاهد في سبيل الله، هو ذلك الفارس النبيل الأخلاقي المدرب على أخلاق الفروسية العالية الراقية؛ حتى يستطيع أن يمتثل للأوامر والنواهي الربانية التي تأمره بضبط النفس قبل المعركة، وأثناء المعركة، وبعد المعركة، فقبل المعركة يجب عليه أن يحرر نفسه من كل الأطماع، وألا يخرج مقاتلاً من أجل أي مصلحة شخصية، سواء كانت تلك المصلحة من أجل نفسه أو من أجل الطائفة التي ينتمي إليها، أو من أجل أي عرض دنيوي آخر، وينبغي أن يتقيد بالشروط والضوابط التي أحل الله فيها الجهاد، وأن يجعل ذلك لوجه الله تعالى، ومعنى هذا أنه سوف يلتزم بأوامر الله، ويستعد لإنهاء الحرب فوراً إذا ما فقدت الحرب شرطاً من شروط حلها أو سبباً من أسباب استمرارها، وسواء أكان ذلك الفارس منتصراً، أو أصابه الأذى من عدوه، فإن الله يأمره بضبط النفس، وعدم تركها للانتقام، والتأكيد على الالتزام بالمعاني العليا، وكذلك الحال بعد القتال، فإنه يجب عليه أن يجاهد نفسه الجهاد الأكبر؛ حتى لا يتحول الفارس المجاهد إلى شخص مؤذٍ لمجتمعه أو لجماعته أو للآخرين.

الجهاد الأكبر

وبالرغم من أن لفظة الجهاد إذا أطلقت انصرف الذهن إلى معنى القتال في سبيل الله - إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم- سمّاه بالجهاد الأصغر، وسمّى الجهاد المستمر بعد القتال بالجهاد الأكبر؛ لأن القتال يستمر ساعات أو أياماً، وما بعد القتال يستغرق عمر الإنسان كله.
ومن الآيات القرآنية التي تفسر بوضوح الأهداف والشروط والضوابط لفريضة الجهاد، وتحدد متى تبدأ ومتى تنتهي، وما هي الآثار المترتبة عليها قول الحق سبحانه: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين. الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين».. فهل بعد هذا الإيضاح القرآني بيان لنبل الدفاع عن النفس؟.
ويوضح مفتي مصر السابق أن الله سبحانه وتعالى حث على القتال المشروع دفاعاً عن النفس والدين والوطن يقول الحق سبحانه في شأن القتال: «كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، ويقول عز وجل: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون»، كما يقول سبحانه:«فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم»، ويقول: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم».
ويعلق د. جمعة على هذه النصوص القرآنية قائلاً: هذا بعض كلام الله عن الجهاد وآدابه وأخلاقه، وهذه النصوص تكشف عن الجرائم التي يرتكبها المتطرفون باسم الجهاد في سبيل الله، وهي تؤكد أيضاً أن الإسلام بريء من جرائمهم التي ارتكبوها بدم بارد وشوهوا بها صورة هذا الدين العظيم الذي يشع دستوره الخالد- القرآن الكريم- عدلاً وإنصافاً ورحمة.

مغالطات مغرضة

ويرد د. عبد الله النجار أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر على مزاعم بعض الجهلاء الذين يتهمون القرآن الكريم بشحن المسلمين للعدوان على المخالفين لهم في العقيدة، ومن ثم يطالب بعض هؤلاء الكاذبين بحذف آيات الجهاد التي وردت في كتاب الله ويقول: هذه الاتهامات العشوائية والمغالطات المغرضة التي ترددت على ألسنة بعض الجهلاء في الغرب والشرق حول آيات الجهاد في القرآن، رد عليها القرآن رداً مقنعاً من خلال ما قرره من قواعد وضوابط، فالجهاد في القرآن معناه: بذل أقصى الجهد في محاربة المعتدين الذين يحاربون الإسلام والمسلمين حرباً ظاهرة وباطنة، وهؤلاء هم الذين وصفهم الحق سبحانه وتعالى بأنهم «لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمةً وأولئك هم المعتدون»، أي أن هؤلاء الذين أمرنا بجهادهم والتصدي لهم يمارسون الحرب على الإسلام وأهله، ولا يقيمون وزناً لكرامة المؤمن بالله واليوم الآخر، ولا لقرابته، ولا للعهد الذي بينه وبينهم، وسلوكهم الذي لا يحيدون عنه هو العدوان والظلم.
هؤلاء الذين يعتدون على ديننا ويلحقون الأذى بنا، ويصرون على ظلمنا وقهرنا وإهدار حقوقنا هم الذين أمرنا بجهادهم حتى يتوقف فسادهم وينحسر انحرافهم، فأهداف الجهاد ومشروعيته في القرآن واضحة جلية في قول الحق سبحانه: «إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور. أُذِن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلِموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"