الإمارات حصن العرب في قصيدة محمد بن راشد

الشعر مرآة لقوة العزيمة ونجدة الأشقاء
01:08 صباحا
قراءة 8 دقائق
محمد ولد محمد سالم:

تتردد كثيراً في أشعار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، معاني الفروسية وقيمها النبيلة، مثل الشجاعة والصبر وقوة العزيمة والنجدة والكرم وعفة النفس، انطلاقاً من إحساسه كفارس وقائد ورث القيادة والفروسية عن آبائه، وتغلغلت قيمها في وجدانه، وتسربت إلى شعره.

ومن قيم الفروسية التي تتردد في شعر سموه قيمة «النجدة»، والنجدة شيمة عربية أصيلة تقتضي من العربي أن يكون على استعداد لإغاثة من يستنجد به، خاصة في الحرب عندما يخاف الإنسان على نفسه، فيلجأ إلى غيره لينهض معه ضد عدوه، وقد يكون المستنجد أخاً أو ابن عم أو جاراً أو حتى إنساناً غريباً، فكان حتماً على الإنسان الشريف والبطل الفارس أن ينهض مع كل من يستنجد به، ويدافع عنه، وفي أشعار سموه نجد لهذه القيمة خصوصية، تميزها عن معانيها في أشعار المتقدمين، فهو ينقلها من الفرد أو العشيرة أو القبيلة إلى نجدة الشعب للشعب، تماشياً مع معطيات الدولة الحديثة، فهذه القيمة الأصيلة دخلت سلوك الدولة، وأصبحت عملاً من دولة لأختها، فحين تصاب دولة عربية بنكبة تنهض أخواتها للدفاع عنها، وقد أصبح هذا المعنى المعاصر للنجدة يتردد في قصائد سموه الأخيرة، نظراً لانخراط الإمارات في نجدة أختها الشقيقة اليمن التي تعرضت لانقلاب واختطاف من مجموعة تحمل أجندات خارجية خاصة بها، وأصبح أبناء اليمن مشردين، فكان لزاماً على الإمارات انطلاقا من معيار الأخوة العربية والدفاع المشترك، أن تهب لنجدتها وتقدم أبناءها فداء لأرض اليمن، وقد رصد سموه كل المعاني المرتبطة بتلك الهبة عبر قصائده المتوالية مثل: «يوم الشهيد، الفاتحين، كلنا جنود الوطن، أسود الجزيرة، هامة المجد، الدار للدار، العهود».

في قصيدة «يوم الشهيد» وهي من أحدث قصائد سموه، يشيد بالشهداء الذين بذلوا مهجهم، في سبيل الوطن، ورفعوا راية الإمارات في ميدان الوغى حماية لليمن الشقيق، فلولا هؤلاء الشهداء لتمزق، ولاستبيح حماه، وذهبت أرضه، وتشرد شعبه، لكنه روي بعبق دماء الشهداء صيانة له، ودفاعاً عن شرفه، فضربوا بذلك أعلى الأمثلة لنجدة شعب الإمارات لهم ووقوفه مع الحق، وانتصاره لإخوته، يقول سموه:

وطنُ الإماراتِ المشَرَّفِ شعبهُ

                     شعبُ البسالةِ في الكرامةِ مُعرقُ

لولاهُ فاليمَنُ العزيز مُحَطَّمٌ

                          وحِماهُ لولا الفاتحينَ مُمَزَّقُ

منْ تضحياتِ الأوفيا ودمائهمْ

                      أرضُ الكرامةِ بالشهادةِ تعبَقُ.

كما ضرب جنودنا البواسل أروع الأمثلة في التفاني من أجل كل ما يرفع راية الوطن عالية، فأصبحت ترتد عنه الخطوب خائبة، لأنه مطوق بالمهج مصان بالروح، فاستحقوا بذلك أن يُرفع ذكرهم، وتشرف أسماؤهم، ويتيه بهم وطنهم، وتزهو أمتهم بدمائهم الزكية وعطائهم الذي ليس بعده عطاء، لأنه عطاء الروح المبذولة في سبيل الحق، يقول سموه:

عيدُ الشَّهيدِ لهُ المَحَلُّ المُشرقُ

                        بجلالهِ يزهوُ الزَّمَّانُ ويورقُ

بدمائهِ وعطائهِ ووفائهِ

                                وطنٌ يتيهُ وأمَّةٌ تَتَأنَّقُ

أهدىَ فكانتْ روحُهُ مبذولَةً

                            لبلادهِ فلها المَحَلُّ الأليَقُ

وسخىَ بأغلىَ ما لديهِ لموطنٍ

                     منْ دونهِ المُهَجُ الغوالي تُحرَقُ

وفي قصيدة «الفاتحين» التي استقبل بها جنود الإمارات العائدين من اليمن بعد أن أدوا واجب الوطن، ودافعوا عن اليمن يواصل سموه ترسيخ مفهوم نجدة الوطن للوطن والشعب للشعب، مركزاً على ثلاثة معانٍ: هي الترحيب بالجنود العائدين بفرحة النصر بعد أن أدوا ما عليهم، وتعداد صفاتهم بأنهم أسود الجزيرة وحماة العرين الذين شفوا الغليل، واسترخصوا أرواحهم في سبيل الحق، وخدموا وطنهم حتى أمسى فخوراً بهم، تائهاً على الأوطان بما قدموه، وحق له فهو وطن النخوة وعرين العرب الحامي عهدهم وذمامهم، الذي تتعلم منه الشعوب كيف تكون نجدة الأخ لأخيه، يقول سموه:

أسُودْ الجزيرهْ حِماةْ الدِّيارْ

                      قِضُوا شَفِّنا وإرجِعَوْا للحِمَى

عِرينْ العَرَبْ دارنا بإفتِخارْ

                         ومِنْ شَعْبِنا النَّاس تِتْعَلِّمَا

سِقُوا المِعْتدي كاسْ موتْ ودِمَارْ

                       وخَلِّوهْ عَ اللَّي فَعَلْ يَنْدِما

المعنى الثاني هو تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن النجدة التي اتصفت بها الإمارات وجنودها هي نجدة في الحق، ومن أجل رد كيد الباغي الظالم الذي تعدى حدود الله، فالحق الذي نهضت من أجله الإمارات حق واضح كالنهار، لو أن الأعمى يرى لرآه، لكنّ من يصحب إبليس يعمى عنه، ومن جار لا بد أن يعود عليه جوره بالخسران، ومن يسير في طريق الجهل لا بد أن يتعثر، وحين اعتدى البغاة على اليمن وخربوا البلاد وظنوا البطولة بقتل الأطفال والنساء، وأعماهم الطمع، وظنوا أرض العرب سهلة المنال، ولم يرعوا حرمة الجار، قطع جنود الإمارات يدهم، واسقطوا رايات كسرى وصبوا على جيشه غضبهم فاندحر وتمزق، ويخاطب سموه سد مأرب متمنياً له أن يظل قائماً شامخاً، ويذكره بأيادي الإمارات عليه، فكم ملأته ماء، مشيراً إلى ما أنجزته الإمارات من سدود في اليمن نجدة لأهل اليمن، لكي يعيشوا رغد العيش، يقول سموه:

ويومٍ غدا الحوثيْ إيحوثْ نارْ

                       ويِسَوِّي الذي رَبِّنا حَرِّما

يظنْ البطولَهْ بذَبْحْ الصِّغارْ

                  ولا يجوزْ عنْ طِبْعِهْ المِجرِما

قِطَعْنا يَدِهْ وعاينْ الإندِحارْ

                 وجيشهْ منْ الصَّدْمِهْ إتحَطِّما

وراياتْ كِسرىَ طواها انكِسارْ

                  وليتهْ منْ اللِّي جَرَىَ يفْهما

المعنى الثالث المرتبط أيضا بمعنى النجدة الذي ركز عليه سموه هو عهد قادة الإمارات لجنودهم وشعبهم بأن تظل الإمارات وطناً سليماً مرفوع الرأس ترفرف رايات نصره وعزته خفاقة، ويظل حصناً لإخوته العرب مدافعاً عنهم، يقول سموه:

وخليفهْ وأنا بالعِهودْ الكِبارْ

                        نعاهدْ وطَنَّا بأنْ يَسْلِما

مَعْ القايدْ الشَّهمْ حامي الدِّيارْ

                     محمدْ وشَعْبٍ لكمْ مكْرما

الإماراتْ في عيدْ ليلْ ونهارْ

                 وأعلامنا رَفْرفَتْ في السِّمَا

وفي قصيدة «كلنا جنود الوطن» يخاطب سموه أخاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مطالباً إياه بأن يكمل ما بدأه من نجدة لليمن ويعلم الخائن والمعتدي أن الغدر يدور على صاحبه بالسوء والوبال، وأن الحصن الذي بناه سوف تدكه عليه جنود الإمارات، ويعد سموه أخاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بأن الإمارات قادة وشعباً سيبقون كلهم جنوداً أوفياء تحت راية الإمارات ورهناً لإشارته في المعركة التي يقودها ضد أعداء اليمن والأمة العربية، وفي هذه القصيدة يضيف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم معنى جديداً من معاني النجدة، وهو أن سقوط الشهداء الإماراتيين في ساحة المعركة لن يزيد الجنود والشعب وقيادته إلا إصراراً على المواجهة، وعلى هزيمة المعتدي، فمن جَرح الأسد عليه أن ينتظر الشر، وأبناء الإمارات الذين تأصلت فيهم الشجاعة والشهامة، ومن لم يعرف لهم قدرهم وتحداهم وحاول الاعتداء عليهم سوف يأتيه منهم الويل والوبال والشر المستطير الذي يحرقه، وهم لا يسكتون عن ثأرهم، ولا يضعفون أمام عدوهم، نبعهم في العطاء جار لا يتوقف، وبحر زاخر لا تحده حدود، وحين يهبون للعدو تقبل ساعة النصر، ولا يبقى دونها إلا أيام معدودة، لأنهم شعب صبور ماضي العزم، تعود أن يهزم العدو ويحرز النصر، يقول سموه:

ومَنْ جَرَحْ سبعْ الفلا يتحَمِّلهْ

                         والأسَدْ إذا انجِرَحْ صارْ إمخَطورْ

الشَّهامهْ فْ شَعبنا متأصِّلهْ

                             ديرةْ الشِّجعانْ وافينْ الشِّبورْ

ومنْ تِبَعْ كِسرىَ وأمسىَ منْ هَلِهْ

                             بينهْ وبينْ العَرَبْ بَنحطْ سورْ

ومنْ زمانْ ترىَ نِعَرفْ المسألهْ

                      ولي نشوفَهْ اليومْ منْ ذيكْ البذورْ

الحذرْ يا منْ قَدِرنا تِجْهَلِهْ

                             عنْ فعايلنا لايَعمْيكْ الغرورْ

دَمْ منْ ضَحَّىَ ترىَ ما نهْمِلِه

                           ماخذينْ الثَّارْ لوُ طبعكْ حذورْ

وفي معنى متفرع عن موضوعة «نجدة الشعب للشعب» يتناول سموه علاقة الإمارات بالعرب وأهل الخليج خاصة، وكذلك علاقة شيوخها بقادة تلك الدول، التي بنيت على النسب والتاريخ والحضارة، وما ينبني عليها من التلاحم والتعاضد والاستعداد للبذل من أجل تلك الأخوة، يظهر ذلك في قصائد مثل «هامة المجد، الدار للدار، صانع المجد».

في قصيدة سموه «الدار للدار» التي جارى فيها قصيدة ابنه سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي بعنوان «الجار للجار» يؤكد حقيقة أن الخليج وطن واحد وإن تعددت دوله، لأن ما بين أهله من الروابط لا يمكن قطعه أو التنازل عنه، ويبدأ القصيدة بالإشادة بشعر سمو ولي عهد دبي، وقدرته الفائقة على الإبداع، وترسخ الوطنية في نفسه، وعزته وإبائه، وإحساسه بالجار، ثم يؤكد على المعاني التي تناولها سمو ولي عهد دبي في قصيدته، وهي أن بلاد الخليج بلاد الملوك والسلاطين والرجال الأبطال من الكويت إلى عُمان إلى السعودية إلى قطر إلى البحرين إلى الإمارات، خليجهم واحد، ومصيرهم، مهما تقلب الزمن وتغير، لا يمكن أن تتغير تلك الوحدة والعلاقة المصيرية، لأن أصلهم واحد وقلوبهم صافية كالماء، وهم ذخر للعرب جميعا، ينجدونهم ساعة الجد، لا يدخل الخائن بينهم ولا تفسد النميمة ودهم، يقول سموه:

خليجنا واحدْ خليجْ المودِّينْ

                       ومصيرنا واحدْ ولوُ صارْ ماصارْ

بدَى بها زايدْ بعامْ وثمانينْ

                              ياعلْ زايدْ في جنانٍ وأنهارْ

وتبعْ خليفهْ نهجْ زايدْ بتمكينْ

                       ويَعْضِدهْ بوخالدْ محمدْ بإصرارْ

ولي ما يعرفْ أهلْ الخليجْ الميامينْ

                       إيتمْ طولْ العمرْ خايبْ ومحتارْ

ويتابع سموه المعاني نفسها في قصيدة «هامة المجد» التي عبر فيها عن التلاحم بين الإمارات والكويت، وغيرة كل شعب منهما على الآخر، وأن أرضهما أرض واحدة عزها راسخ في الغابر وظاهر في الحاضر، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:

تحيا الكويتْ وصباحْ الأحمدْ الجابِرْ

                          ويدومْ عزْ الكويتْ وشَعْبِها الغالي

ومنْ بَعدْ هذا يا ذاكرْ مَجدنا ذاكرْ

                      منْ سيرةْ المجدْ ما تروي للأجيالي

نحنْ هَلْ العزْ في الحاضرْ وفي الغابرْ

                      لنا على النَّاسْ دامْ النَّاسْ لأفضالي

بلادنا بالرِّخَا ميدانها عامرْ

                       وشعبنا بالسِّخا يشربْ منْ الحالي

هكذا يصوغ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مفهوماً للنجدة يتجاوز نجدة الرجل للرجل والقبيلة للقبيلة إلى نجدة الشعب للشعب والدولة للدولة، ومنه يفرع معاني مرتبطة بالأصل الواحد والأرض الواحدة والتاريخ والمصير المشترك الذي يحتم أن يهب الشعب لنصرة شعبه، ويبذل كل ما لديه لكي تبقى الإمارات شامخة ومرفوعة الرأس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"