"الإنجاب" زينة الدنيا.. وحق مشترك للزوجين

البيت المسلم
12:43 مساء
قراءة 5 دقائق

الأولاد هبة من الله تعالى فهم زينة الحياة الدنيا ونعمة من المولى سبحانه وتعالى لمن يشاء، وتبدأ الحياة الزوجية بإنجاب طفل يملأ حياة الزوجين سعادة وفرحة.

أما إذا اكتشف أحد الزوجين أنه أو شريك حياته لديه ما يمنع أو يحول دون تحقيق تلك الأمنية تتحول حياتهما إلى جحيم وقلق وتوتر دائم.

فالإنجاب كما أكدت الشريعة الإسلامية حق مشترك بين الزوجين لا يجوز لأحدهما أن يحرم منه الآخر إلا باتفاق وتشاور ورضا كامل.

في البداية يوضح الدكتور محمد عبدالغني شامة أستاذ الثقافة الإسلامية في جامعة الأزهر أن الإنجاب سنة الله في خلقه وأحد المقاصد الشرعية من الزواج حتى تمتد الأجيال وتستمر الحياة فالبنون زينة الحياة الدنيا.

ويقول: لقد حرص الإسلام حرصاً شديداً على استقرار الحياة الزوجية، إذ نجد كثيرا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدعو الزوجين إلى العمل على استمرار حياتهما على نحو يكون فيه سعادتهما فقال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً.. فالتكاثر والتناسل مقصد أساسي به تستقر الحياة الزوجية وتعمق علاقات الألفة بينهما وفي حديث الرسول الكريم: تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة.

ويضيف: ومما يدل على أن الإنجاب أحد مقاصد الزواج في شريعة الإسلام أن الإسلام حرم الزنى ولم يعترف بأي طفل يأتي عن طريق غير شرعي، كما حرم الإجهاض ولم يبحه إلا في ظروف معينة حماية للنفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق.

وينبه د. شامة إلى أنه ليس من حق أحد الزوجين أن يفرض على الآخر رغبته في عدم الإنجاب أو تأجيله لفترة طويلة إذا كان المقصود لفترة مؤقتة لأي سبب من الأسباب بمعنى المباعدة بين فترات الحمل حفاظا على صحة الأم وحفظا لها من أضرار كثرة الحمل والولادة المتتالية فذلك جائز شرعا ولا غبار عليه.

أما إذا كان المقصود هو منع الحمل ووقف صلاحية الإنجاب نهائيا فإن ذلك يتنافى مع دعوة الإسلام ومقاصده في المحافظة على النسل حيث يقول الله تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا.

مبرر للطلاق

ولكن ما الحكم إذا كان أحد الزوجين مصاباً بعيب أو مرض يحرمه من الإنجاب، هل يكون العقم مبرراً شرعياً للطلاق؟

يقول د. محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة حلوان: الإنجاب ليس ترفاً اجتماعياً بل هو ضرورة شرعية ولأنه حق مشترك بين الزوجين لا يجوز إجبار أحد الطرفين على الاستمرار في حياة زوجية مع طرف عقيم وحرمانه من مشاعر الأبوة أو الأمومة، فالحرمان من الإنجاب ضرر نفسي لا يتحمله الكثير من الأزواج والزوجات لذلك، فإن الشريعة الإسلامية لا تقر هذا الضرر وتبيح للزوجة طلب الطلاق، كما تبيح للرجل أن يتزوج بأخرى تنجب له الذرية إذا تأكد أن العيب من الزوجة وأنه لا أمل في العلاج.

ويضيف: فإذا كان الزوج عقيماً وتأكد عدم قدرته على الإنجاب في الحال أو في المستقبل بمعنى أن يكون قد استنفد كل وسائل العلاج واتفق الأطباء على استحالة علاجه ففي هذه الحالة من حق الزوجة طلب الطلاق، لأن عدم الإنجاب يسبب للزوجة ضررا نفسيا لا يقدره إلا من يعاني منه.

رزق.. ولكن

الدكتور أحمد طه ريان أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر يؤكد حق الزوجة في أن تكون أماً وحقها في التظلم من عقم زوجها وكذلك حق الرجل في أن تكون له ذرية ويقول: لقد قسم الله الأرزاق في المال والأولاد وحدد لكل إنسان نصيبا فقال جل شأنه: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا وقال سبحانه لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير.

ويطالب د. طه ريان الزوجة التي تكتشف عقم زوجها أن تكون وفية له وتضرب المثل في حب الزوج والتمسك به وتعوض مشاعر الأمومة بمشاعر الحب والحنان المتبادل مع الزوج خاصة إذا تأكدت أنه لم يكن يعلم بأنه يعاني من هذا العيب قبل ارتباطه به ولم يخدعها.

كما ينصح د. ريان الزوجة التي تحرم زوجها من حقه في الإنجاب بدعوى المحافظة على جمالها أو عملها أن تتقي الله في زوجها وأن تعرف جيدا أنها مكلفة بأن تطيع زوجها وتلبي احتياجاته النفسية والاجتماعية وأهمها مشاعر الأبوة.

الفراق أفضل أحيانا

الدكتور تامر جويلي أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة يرى أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تستمر بين طرفين غير راضيين بما قسمه الله لهما ويقول: إذا ما تضررت الزوجة من عقم زوجها وأبدت رغبتها في الانفصال عنه ينبغي على الزوج أن يلبي لها رغبتها، وإذا ما عاند الزوج ورفض الاستجابة لنداء العقل والمنطق والضمير، فينبغي أن ينصفها القضاء ويفرق بينها وبين زوجها وذلك في واقع الأمر أرحم كثيرا بالطرفين.

ويضيف: رغم أن الصلة بين الزوج وزوجته من أقدس الصلات وأوثقها إلا أن مشاعر الأبوة أو الأمومة غريزة فطرية في كل إنسان، قد يستطيع بعضنا التأقلم على الحرمان من إشباع هذه الغريزة خاصة من الرجال، بينما قد يعجز البعض الآخر عن ذلك خاصة المرأة التي تتزوج من أجل أن تحقق حلمها في أن تصبح أماً، هنا يصعب عليها أن تتحمل الألم النفسي للحرمان من إشباع هذه الغريزة ويكون من الأفضل لها ولزوجها الانفصال لأن الحياة ستتحول إلى جحيم خاصة مع عدم وجود أمل في تغيير الحال.

غريزة لا يستهان بها

أما الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع في كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر فيدين سلوك الزوج أو الزوجة الذي يصر على تأجيل الإنجاب أو وقفه نهائيا رغما عن الطرف الآخر ويقول: هذا السلوك يتسبب في جرح عميق في مشاعر الطرف الذي يحلم بالإنجاب لأن هذا الأمر ليس هينا وهذه الغريزة (الأبوة، الأمومة) لا يمكن التنازل عنها والتفريط فيها بسهولة ودون وجود مبررات قهرية تخفف من الألم النفسي والضرر الواقع على الزوج أو الزوجة.

ويعتبر د. السمالوطي أن الزوجة التي ترفض الإنجاب حفاظا على رشاقتها أو جمالها أو منصبها الوظيفي ترتكب خطأ فادحا في حق نفسها وفي حق زوجها لأن الإحساس بعاطفة الأمومة نجاح لا يساويه نجاح في أي مجال آخر، خاصة أن الزوج لن يصفو لزوجته التي حرمته من إحساس الأبوة والذرية التي يراها امتدادا له من بعده، فتتحول حياتهما إلى جحيم وتكثر المشاحنات والخلافات التي إذا ما بحثنا في خلفياتها سنجد أنها مجرد شماعة في حين أن السبب الرئيسي عدم وجود أطفال بين الزوجين. لكن د. نبيل السمالوطي يرى الأمر مختلفا إذا كان السبب في الحرمان من الحق في الإنجاب خارجا عن إرادة الزوجين بأن يكون هناك عيب خلقي أو مرض يحول دون إتمام ذلك ويقول: هنا قد يحتوي الزوج والزوجة بعضهما ويشعر كل واحد منهما بأن الآخر ابن له مطالب برعايته، ويعوضان هذا الحرمان في أبناء أسرتيهما أو جيرانهما أو الأطفال الأيتام في الملاجئ، ولا يصبح الحرمان من الأبناء عائقا أمام استمرارهما في تكوين أسرة مستقرة وسعيدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"