"الاتفاق النووي الثلاثي" يصيب الغرب بالهستيريا

02:01 صباحا
قراءة 8 دقائق

على الرغم من أن الاتفاق النووي الثلاثي: الايراني - التركي - البرازيلي، الذي أخذ يعرف ب اتفاق طهران الذي جرى توقيعه في العاصمة الايرانية يوم 17 مايو/أيار الفائت بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان والرئيس البرازيلي لويس إناسيو لولا دا سيلفا لم يلق القبول الغربي الذي كان مأمولاً، وربما يكون العكس هو الصحيح، إلا أنه حقق نتائج شديدة الأهمية من المنظور الكلي أو الأشمل للقضية التي تتجاوز في حقائقها الحدود الضيقة لأزمة البرنامج النووي الايراني .

يبدو أن الاتفاق جاء على عكس ما كانت تخطط الدبلوماسية الأمريكية والاسرائيلية له، وأن الأمل كان يحدو البلدين أن تفشل ايران مساعي الرئيس البرازيلي لاقناعها بقبول العرض التركي بأن تكون تركيا وسيطاً بينها وبين مجموعة فيينا (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا) التي سبق أن توصلت مع ايران في اكتوبر/تشرين الاول الماضي إلى اتفاق يقضي بتبادل 75% من يورانيوم ايران المخصب عند حدود 3،5% بآخر يجري تخصيبه في روسيا إلى معدل 20% ثم ينقل إلى فرنسا لتحويله إلى قضبان نووية (وقود نووي) يجري شحنه بعد ذلك إلى إيران لاستخدامه في الاغراض الطبية والعلمية .

أمنيات فشل مهمة الرئيس البرازيلي في طهران لم تكن أمريكية أو إسرائيلية فقط بل كانت ايضاً روسية، حيث تحدث الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف عن الفرص المحدودة أمام الرئيس البرازيلي في طهران في حفل استقباله للأخير في موسكو، وكان واضحاً من حديث الرئيس الروسي مدى استهانته بالمهمة التي سيقوم بها الرئيس البرازيلي في طهران، ولم يتنبأ له بالنجاح واعلن ان فرص هذا النجاح لا تتجاوز 30% فقط .

السبب المباشر لهذا الموقف من زيارة الرئيس البرازيلي لطهران هو الحرص على دفع ايران للخطأ والظهور بمظهر المتشدد الرافض لكل الوساطات والحلول الدبلوماسية، من أجل إعادة الأمور إلى طبيعتها وتصحيح ما جرى داخل أروقة مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي كان منعقداً في مقر الأمم المتحدة في نيويورك منذ يوم 3 مايو/أيار الفائت وسارت جلساته في الاتجاه المخالف للرغبات الأمريكية - الاسرائيلية بل والروسية أيضاً، فبدلاً من ان تكون ايران هي موضع الاتهام وهي مصدر التهديد للأمن النووي العالمي تحولت إسرائيل إلى دولة مارقة تتحدى الإرادة الدولية وتهدد السلم والأمن الدوليين برفضها الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ورفضها مساعي جعل الشرق الأوسط إقليماً خالياً من الأسلحة النووية .

لسوء حظ الولايات المتحدة والدول الغربية المؤيدة لها، أن الاتهامات التي وجهت إلى إسرائيل امتدت بدرجة ما إليها، وتحولت إلى قوة دولية تكيل بمكيالين باصرارها على معاقبة ايران لمجرد أنها متهمة بالسعي إلى امتلاك اسلحة نووية من دون دلائل مادية مؤكدة، وبتجاهلها بل وتسترها على القدرات النووية العسكرية الاسرائيلية ولذلك فإنها كانت تأمل ان تفشل وساطة الرئيس البرازيلي في طهران وان يكون هذا الفشل هو آخر المحاولات الدبلوماسية مع ايران، وبعدها تبدأ مرحلة جديدة من الضغوط الاقتصادية والسياسية، وقد يصل الأمر إلى العودة مجدداً إلى الخيار العسكري .

لذلك كان لتوقيع الاتفاق النووي الثلاثي ودخول كل من البرازيل وتركيا كطرفين ضامنين لهذا الاتفاق عند ايران من ناحية بالسعي إلى اقناع الغرب به والانطلاق منه إلى مرحلة جديدة من المفاوضات، وعند الغرب بضمان التزام بكافة بنوده، أثر بالغ في اثارة حالة هستيرية في الأداء الدبلوماسي الأمريكي والاسرائيلي الذي امتد أيضاً إلى الموقف الروسي الذي كان قد وصل إلى درجة غير مسبوقة من التوافق مع الموقف الأمريكي ضد ايران بعد حدوث مجموعة من التطورات المهمة جعلت من روسيا طرفاً داعماً للمشروع الأمريكي الجديد المعروض على مجلس الأمن لتوقيع عقوبات اقتصادية مشددة ضد ايران كان أولها توقيع اتفاق الحد من الأسلحة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة (ستارت - 2) ثم التوافق على مبادرة مع الولايات المتحدة ايضاً بخصوص شروط تنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1995 الداعي إلى جعل الشرق الأوسط خالياً من الأسلحة النووية وهي المبادرة التي كانت ترمي إلى تحصين إسرائيل وحماية قدراتها النووية على حساب الدول العربية، وأخيراً جاءت مساومة واشنطن لموسكو برفع الحظر عن اربع شركات كبرى روسية كانت متهمة بالتعاون مع إيران مقابل دعم روسيا لمشروع القرار الأمريكي المقدم إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات دولية جديدة مشددة ضد إيران .

روسيا طرف في المواجهة

وهكذا تدافعت الأحداث والتطورات لتجعل روسيا طرفاً مباشراً في المواجهة ضد إيران إلى درجة جعلت سيرجي برنجودكو كبير مستشاري الرئيس الروسي يرد بعنف غير مسبوق على انتقادات وجهها الرئيس الإيران أحمدي نجاد لروسيا، بسبب إعلانها تأييد مشروع قرار العقوبات الأمريكي، فقد طلب مستشار الرئيس الروسي من الرئيس الإيراني الامتناع عن الديماجوجية الروسية رافضاً الانتقادات الإيرانية، ومؤكداً أن روسيا لا تميل صوب الأمريكيين أو الإيرانيين، وأن سياسة موسكو تحكمها المصلحة الوطنية، هذا الرد الروسي لم يكن يعبر فقط عن امتعاض روسي من الانتقادات الإيرانية، بل كان يعبر أيضاً عن مدى ضيق روسيا من اختيار إيران لتركيا لتكون بديلاً مأموناً لروسيا لنقل اليورانيوم الايراني إليها لتكون دولة تبادل هذا اليورانيوم الإيراني بالآخر الأعلى تحصيباً . أما بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة فإن القضية كانت أكثر تعقيداً، حيث وضع الاتفاق الثلاثي البلدين في مأزق كبير، بعد أن تحول المستحيل إلى ممكن أو على الأقل إلى محتمل بقبول إيران كل بنود اتفاق فيينا، ومع تعديلات محدودة أصبحت تركيا وليس روسيا هي دولة تبادل اليورانيوم، ما أفشل كل أحلام إسرائيل والولايات المتحدة التي كانت تراهن على فشل الدبلوماسية البرازيلية -التركية لإقناع إيران بالعودة إلى القبول بهذا الاتفاق .

من هنا بدأ المأزق الأمريكي -الإسرائيلي وهو المأزق الذي كشفه أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي الذي قام بأهم الأدوار في إنجاح التوصل إلى اتفاق طهران النووي الثلاثي، فبعد أن أكد داوود أوغلو أن طهران لبت كل المطالب الغربية في الملف النووي أشار إلى أن العواصم الغربية فوجئت بالمواقف الإيرانية، لأنها لم تكن تتوقع حدوثها وأدى ذلك إلى خيبة أمل كبيرة لديها .

ربما يكون الأمر بالنسبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما مختلفاً لأنه كان يأمل حسب رسالة بعث بها إلى الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا قبيل سفر الأخير إلى طهران، أن تقبل إيران باتفاق فيينا وبتركيا كمكان لتبادل اليورانيوم

لماذا الموقف الأمريكي؟

ما الذي دفع الرئيس الأمريكي إلى التراجع عن هذا الموقف وإلى رفض الاتفاق الثلاثي، وما الذي دفع الإعلام الأمريكي إلى شن كل هذه الحملات المكثفة ضد الرئيس البرازيلي بعد نجاحه في مهمته بطهران؟

الإجابة يكمن استخلاصها في تصريحات سابقة لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الأقرب إلى وجهة النظر الإسرائيلية، وخصوصاً بالنسبة لأزمة البرنامج النووي الإيراني، فقبل أن يذهب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إلى طهران أفصحت كلينتون عن أنها تحادثت مطولاً مع وزير الخارجية البريطانية وغيره من الوزراء الغربيين عما وصفته بالتل الذي يحاول البرازيليون تسلقه في إشارة إلى مدى صعوبة مهمة الرئيس البرازيلي في اقناع الإيرانيين بقبول اتفاق فيينا، كانت كلينتون تتندر على المهمة البرازيلية وتقلل من شأنها، لكنها حسمت الأمر بالقول: لقد قلت لنظرائي في الكثير من العواصم حول العالم إنني لا أتوقع أننا سنحصل على رد إيجابي جدي من الإيرانيين إلا بعد أفعال مجلس الأمن، أي بعد صدور قرارات بعقوبات جديدة رادعة وحاسمة ضد إيران كافية لإجبارها على الخضوع والاستسلام للمطالب الغربية، ما يعني أن العقوبات أولاً هي شعار واشنطن الحقيقي وبعدها سيأتي الحل مؤكداً .

من هنا جاء التحرك الأمريكي باتجاهين:

أولاً رفض الاتفاق النووي الثلاثي وشن حملة مكثفة ضده لإسقاطه واستبعاده من مسار حل الأزمة مع طهران باعتباره اتفاقاً معيباً ومملوءاً بالثغرات، ومن ثم تجاهله وكأنه لم تكن .

ثانيهما الدفع بخيار العقوبات، من خلال الفصل بين مسألة تبادل اليورانيوم وبين جوهر الأزمة المثارة مع إيران حول برنامجها النووي، ابتداء من ضرورة وقف تحصيب اليورانيوم وامتداداً إلى تجاوب ايران مع كل مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية . . واشنطن وجدت في تضمين إيران إصرارها على المضي في التخصيب ولمعدل ال20% الذي تقول انه من أجل توفير اليورانيوم اللازم للأغراض الطبية، فرصة لتشويه الموقف الإيراني وللنيل من الاتفاق النووي الثلاثي وفرض خيار العقوبات كخيار أساسي في هذه المرحلة ضد إيران .

خيار العقوبات هذا يواجه احتمالات شبه مؤكدة بالفشل سواء من داخل مجلس الأمن، خصوصا بعد ان نجحت إيران خلال الايام القليلة الماضية من تجاوز الخلافات مع روسيا واستعادة علاقاتها مع موسكو لوضعها الطبيعي، وبسبب التردد الصيني، لكن التحدي الأهم للعقوبات يأتي في داخل إيران، حسب توقعات ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الامريكي، الذي كتب على موقع المجلس يقول إن العقوبات لن تحقق هدفها لأن إيران سوف تتحداها، وخلص من ذلك الى ما تريده إسرائيل وهو انه سيكون على الأسرة الدولية ان تقرر ما إذا كانت تفضل العيش مع إيران نووية، أم مع إسرائيل والولايات المتحدة تقصفان المواقع الإيرانية النووية .

البديل عند هاس لهذين الاحتمالين هو ان تضطر إيران إلى التراجع عن برنامجها النووي، ولأن هذا البديل يبدو مستحيلاً بقدر استحالة القبول بخيار إيران نووية، فإن خيار الحرب يبدو هو الأرجح لترد به إسرائيل على ما تصفه بعبث المجتمع الدولي في تعامله مع إيران . هذا العبث تحدثت عنه إسرائيل ضمن قراءتها لما كان مثاراً من مطالب داخل مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وبالذات ضغوط مصر وتركيا ودول عربية كثيرة مدعومة من مجموعة دول حركة عدم الانحياز من أجل فرض تنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر المراجعة عام 1995 بجعل الشرق الأوسط خالياً من الأسلحة النووية، لكن بعد صدور الوثيقة الختامية لمؤتمر المراجعة يوم الجمعة الماضي (28/5/2010) وما تضمنه من نص هو الأول من نوعه يذكر اسم إسرائيل وتخصيصها بالدعوة الى التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والدعوة إلى مؤتمر يعقد عام 2012 من أجل تنفيذ قرار جعل الشرق الأوسط خالياً من الأسلحة النووية، تحول عبث المجتمع الدولي من المنظور الإسرائيلي الى نفاق لأنه، حسب مسؤول إسرائيلي كبير، لم يذكر سوى إسرائيل وغض النظر عن دول اخرى مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية التي تملك اسلحة نووية، لكن الأهم من وجهة نظر هذا المسؤول، بل والأخطر ان الاتفاق لم يذكر إيران التي تسعى الى امتلاك هذه الأسلحة .

تدافع الأحداث سريعاً خلال الأيام القليلة الماضية من صدور هذه الوثيقة المهمة عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، الى الهجوم التركي - البرازيلي الحاد عليها وعلى الغرب، والدفاع عن إيران والاتفاق النووي الثلاثي، ثم نجاح إيران في احتواء أزمتها الطارئة مع روسيا واخيراً جريمة إسرائيل في العدوان على اسطول الحرية وتدافع ردود الفعل الدولية المفاجئة ضدها، من شأنه ان يضع السياسة الإسرائيلية والامريكية في موقف شديد الصعوبة، بعد ان انقلب السحر على الساحر، بعد ان تحولت الحملة ضد إيران إلى حملة ضد إسرائيل، وبعد ان ادرك العالم ان من يهدد الأمن والسلم هو إسرائيل وليس إيران .

مواقف صعبة

موقف واشنطن شديد الصعوبة، وربما تفشل دبلوماسية هيلاري كلينتون في دفع مجلس الأمن لإصدار قرار سريع بعقوبات ضد إيران في ظل أجواء دولية مشحونة ضد واشنطن الصامتة على الجرائم الإسرائيلية وضد إسرائيل التي تأكد للعالم باليقين أنها هي من يعتدي على الشرعية الدولية وهي من يملك الأسلحة النووية، وهي من يتحدى قرارات المجتمع الدولي وليس إيران .

المكاسب تتدافع باتجاه إيران، تكفي اتهامات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من على منصة المنتدى العالمي الثالث لتحالف الحضارات الذي تستضيفه البرازيل، للغرب بأنه لا يتبنى موقفاً نزياً ومنصفاً حيال الأزمة النووية الإيرانية، ويكفي تحول تركيا والبرازيل إلى قوتين شريكتين لإيران في أزمتها مع الغرب باعتبارهما دولتين ضامنتين للاتفاق النووي الثلاثي، وعودة روسيا لمراجعة موقفها من العقوبات .

تطورات مهمة، وربما أكثر أهمية، من وجهة نظر الايرانيين، من قبول الغرب للاتفاق النووي الثلاثي، ففضح إسرائيل وفضح التواطؤ الغربي مع جرائمها يفوق، بالنسبة لإيران كل نجاح آخر، خصوصاً أن هذه التطورات ربما تفرض على واشنطن أن تقبل بالاتفاق النووي الثلاثي وأن تدفع بتوصية من مجموعة اتفاق فيينا (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا) إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقبوله، ومن ثم بدء مرحلة جديدة من التفاوض مع إيران، وربما تدفع إسرائيل بما رآه ريتشارد هاس خياراً بديلاً لخيار القبول بإيران نووية، وهو خيار إنهاء هذا الخيار نهائياً بدافع من هستيريا ردود الفعل الإسرائيلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"