الانسداد المعوي لا يحتمل تأخر العلاج

00:32 صباحا
قراءة 6 دقائق
يتكون الجهاز الهضمي من عدة أنابيب، فهو في حقيقته أنبوب طويل متعرج من الفم وحتى فتحة الشرج، وتتجزأ الأطعمة من خلاله إلى أجزاء أصغر فأصغر، ويخرج الطعام في شكل سائل من المعدة إلى الأمعاء بدءاً من الإثني عشر والأمعاء الدقيقة ثم الغليظة. ويتم في الأمعاء امتصاص المواد الأولية من بروتينات وسكريات وفيتامينات ومياه وخلافه ليستفيد منها الجسد، وإذا لم تقم الأمعاء بدورها فلا حاجة للشخص إلى الطعام والشراب، حيث لن يحصل الجسد منه على شيء وسيصاب بالجفاف والذبول.
تصاب الأمعاء بمشكلة الانسداد المعوي ضمن الأمراض الخطيرة التي تصيبها، والذي يقسمه الأطباء إلى ميكانيكي وكاذب، وكلاهما يعني عدم استفادة الجسم من الطعام والشراب، والحاجة الملحة والسريعة للذهاب للطبيب قبل أن تكون العواقب وخيمة.
ونتناول في هذا الموضوع مرض الانسداد المعوي بالتفصيل، ونبين العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بهذا المرض، مع كشف الأعراض التي تظهر ونطرح سبل الوقاية والعلاج المتاحة والحديثة.

مرض خطر

يدل مرض الانسداد المعوي على معناه، فالمرض يعتبر انسداداً في الأمعاء الدقيقة أو الغليظة أو القولون، والذي يؤدي لتوقف سريان الطعام المهضوم كلياً أو جزئيا.
ويتسبب استمرار تراكم الطعام قبل الانسداد في حدوث انتفاخ في الأمعاء، ويضغط على ما حوله من أجهزة الجسم، أو يحدث انفجاراً في أنبوب الأمعاء، لتخرج منه السوائل مسببة التهابات شديدة في أجهزة الجسم الداخلية تؤدي إلى الوفاة.
ويعتبره الأطباء مرضاً خطيراً حتى إنهم يقولون عنه: إذا أصابك الانسداد المعوي، فلا تترك الشمس تطلع أو تغرب عليك، ومازال الانسداد لديك.
ويسمى الانسداد المعوي الناتج عن انسداد حقيقي بالأمعاء بالانسداد الميكانيكي، نظراً لوجود ما يمنع استمرار تحرك الطعام المهضوم في صورته السائلة خلال الأمعاء.
ويحدث انسداد الأمعاء في أي جزء منها، ويعتبر من حالات الطوارئ العاجلة، التي غالبا ما تحتاج إلى التدخل الجراحي، وطالما أن الأمعاء أنابيب رفيعة فمن الممكن انسدادها بسبب الضغط عليها أو لدخول جسم غريب يسدها.
يمكن أن يحدث الانسداد بسبب حدوث شلل في عضلات الأمعاء القابضة التي تحرك الطعام، فيتوقف جزء من الأمعاء عن العمل، ويسميه الأطباء بالانسداد المعوي الكاذب، وربما تصل نسبة السوائل المحتجزة عدة لترات.
ويكون هناك جزء فارغ رفيع بعد الانسداد نتيجة عدم وصول الطعام إليه، أو وصوله بكميات قليلة، وذلك حسب نسبة الانسداد لدى المريض، وهذا يفسر حدوث جفاف للمريض رغم أنه يأكل ويشرب لكن لا فائدة تصل للجسم.

الإسهال والفتق

ينتج الانسداد المعوي بسبب عمليات جراحية سابقة في البطن، أو نتيجة أمراض أخرى رغم اختلاف شدتها، فهو يصيب الأطفال نتيجة الإسهال، وإذا حدث ضغط أو ضيق أو انفتال أو التصاقات بالأمعاء، أو حدوث أورام بالأمعاء سواء كانت حميدة أو خبيثة أو وجود فتق أو إمساك وتصلب وانحشار الفضلات حال دون وصول الطعام المهضوم.
ويحدث بالطبع الانسداد المعوي نتيجة ابتلاع أجسام صلبة غريبة، أو نتيجة تجمع ديدان الاسكارس في الأمعاء، وأحيانا نتيجة أمراض من خارج التجويف البطني كالالتهاب الرئوي أو الجلطة القلبية، هذا بخلاف حدوث شلل في عضلات الأمعاء فلا تحرك أو تنقل الطعام.
ويصاب الأطفال حديثو الولادة بالانسداد المعوي نتيجة عيوب خلقية لوجود التواء، أو التصاق في الأمعاء، أو تضخم القولون، أو انسداد خلقي في المريء أو في الأمعاء الدقيقة أو الغليظة.

تشنجات المعدة

وتظهر على الأطفال من سن 5 إلى 10 شهور وخاصة الذكور أعراض معروفة إذا ما أصيبوا بالانسداد المعوي فيتحول الطفل فجأة من حالة صحية جيدة إلى التألم والصراخ وضم نفسه على بعضها ورفع فخذيه.
كما يصاب بحالة من التقيؤ الذي ربما يكون أخضر اللون وتهدأ الأعراض وتختفي ثم تعاود ظهورها بعد نحو 20 دقيقة، وثم يبدأ الفارق في التناقص ولابد من الإسراع به للمستشفى، حيث يكون علاج الطفل سهلا ومن دون جراحة إذا ما كان في الوقت المناسب.
وتسارع أعراض الانسداد المعوي بالظهور على المريض من التقيؤ والمغص القوي، الذي يزيد ويهدأ عدة مرات مع الشعور بالانتفاخ الشديد بالبطن، وعدم القدرة على إخراج الفضلات أو الريح في حالات الانسداد الكلي.
ويصاب الشخص بالإسهال في حالة الانسداد الجزئي وربما يحدث قيء برازي، وتظهر تشنجات المعدة ويسمعها المريض نتيجة محاولات الجسم حل الانسداد، ويشعر المريض بالألم أسفل البطن إذا كان الانسداد بالأمعاء الغليظة أو بالمغص إذا كان الانسداد بالأمعاء الدقيقة ويصاب المريض بالزغطة (الفواق).

المضاعفات والوفاة

ويموت الجزء الذي حدث به الانسداد من الأمعاء إذا لم يسارع المريض إلى المستشفى، ويؤدي ذلك لحدوث فتق وتمزق به، مما يؤدي إلى انسكاب محتويات المعدة بالتجويف البطني وحدوث غرغرينا والتهابات شديدة ربما تؤدي للوفاة.
ويحدث جفاف في الجسم مع عدم القدرة على التنفس الطبيعي، وتزيد البكتيريا الضارة كثيراً عن معدل وجودها الطبيعي، والتي تصل إلى الدورة الدموية مصيبة أجهزة أخرى بالجسم كالرئتين أو الكلى.
ويسأل الطبيب عن التاريخ المرضي للمصاب، وهل قام المريض بعمليات جراحية مؤخرا؟ أو هل من المحتمل أن يكون ابتلع شيئا؟ ويساعد وصف المريض الدقيق لحالته في تحديد الانسداد ومكانه.
ويتحسس الطبيب معدة المريض ويلاحظ الانتفاخ والألم الشديد عند الضغط عليها، ويستمع للمعدة بسماعته فيجد أصواتا للتجمعات الهوائية وللأمعاء تكون واضحة ومؤكدة للمرض، وتظهر الأشعات والمناظير وجود ورم بالأمعاء أو تجمع للغازات ويتعرف الطبيب على درجة الانسداد ومكانه.

أجهزة الشفط

ويساعد التقدم في التصوير والأشعات في تحديد حالة المريض بدقة، وما إذا كان يحتاج لتدخل جراحي أم لا، ففي الماضي كان يصعب على الطبيب تحديد مكان الانسداد بدقة وتحديد مدى خطورة الحالة وحاجتها للجراحة.
وعرف هذا المرض من قديم الأزمان، إذ ذكره اليونانيون في كتبهم على أنه مرض الامتلاء بالطين في دلالة على امتلاء الأمعاء، وعدم إمكانية تفريغها كما أن تقيؤ مريض الانسداد المعوي يشبه الطين، لاختلاطه بالدم والفضلات في بعض الحالات.
ويعالج الانسداد المعوي باستخدام أجهزة الشفط، لسحب السوائل والإفرازات وأيضا الغازات من المعدة وتخفيف الضغط الناتج عن الانسداد، وفي هذه الحالة لا يمكن للمريض الأكل والشرب، ويكون مصابا بالجفاف وبحاجة للسوائل سريعا.
ويعتمد المريض في هذه الحالة على المحاليل والتغذية الوريدية للدم مباشرة، لعلاج الجفاف وتعويض نقص الغذاء لحين تحسن صحة المريض، وإلى جانب الشفط والتغذية الوريدية يتم علاج المرض المتسبب في حدوث الانسداد المعوي، ولوحظ أن العسل الطبيعي يعالج بعض حالات الانسداد المعوي على أن يكون تحت إشراف الطبيب.

الجراحة ضرورية

ويقرر الطبيب الجراحة في حالات الالتصاقات والأورام السرطانية، وتكون الجراحة بالمنظار في أحيان قليلة، والأغلب القيام بالعمليات الجراحية المفتوحة، حتى يصل الطبيب لمكان السدد ويعالجه، وفي بعض الأحيان توضع دعامات معدنية بالمنظار في مكان السدد، وذلك حتى تحديد الموعد المناسب للعملية الجراحية للمريض.
ويفتح الطبيب في العملية الجراحية طبقات الأمعاء باحثا عن الورم المعوي الدال على الانسداد والذي تليه أمعاء شديدة الرفع بعدما توقفت السوائل عن الوصول إليها، ويعالج الطبيب الالتصاق أو الالتواء أو حسبما يجد.
وفي حالة موت جزء من الأمعاء يتم استئصاله وإعادة توصيل المعدة، ومن المعتاد أن ترفض الأمعاء العودة للعمل بعد الجراحة، فيبقى المريض في غرفة العناية المركزة ليومين، ويتم إعطاؤه السوائل بكميات قليلة ومحددة ثم تتزايد.
و تتحسن الحالة مع الصبر ويبدأ المريض رويدا رويدا بتناول الأطعمة السائلة ثم المطحونة، وحتى تعود الأمعاء لنشاطها المعهود بعد نحو أسبوع أو أكثر قليلا من العملية الجراحية.

النوع الكاذب

ويسمي الأطباء الانسداد المعوي الناتج عن شلل في الأمعاء بالانسداد المعوي الكاذب، ففي حقيقة الأمر لا يوجد انسداد بل هو توقف لجزء من الأمعاء عن تسيير الطعام السائل بداخلها، وفي هذه الحالة لا يكون التدخل الجراحي مجديا، ويكون الانسداد المعوي الكاذب نتيجة خلل بالأعصاب أو العضلات ومازال سببه مجهولا.
ولاحظ الأطباء أن الانسداد المعوي ربما يعود من جديد بعد العملية الجراحية، إذا تأثرت خياطة الأمعاء داخل جسد المريض، شأنها في ذلك شأن أي عملية جراحية بالتجويف البطني.
فمن أسباب الانسداد المعوي التدخل الجراحي في محيط الأمعاء بصفة عامة، ولا توجد أطعمة أو نشاطات معينة يمكن منع المريض منها، لحمايته مستقبلا من تكرار الانسداد المعوي، ولكن عليه أن يسرع للطبيب عند أي آلام في المعدة.

الغسيل المعوي

تشير دراسة أمريكية حديثة إلى أن 90% من الانسداد المعوي الميكانيكي يكون ناتجاً عن التصاقات في الأمعاء بعد إجراء العمليات الجراحية، أو الفتق أو الأورام، خاصة سرطان الأمعاء الغليظة.
ويصيب الانسداد المعوي طفلاً من كل 1000 طفل سليم، ما بين عمر 5 إلى 10 شهور وغالبيتهم يكونون من الذكور.
ويعالج الانسداد المعوي لدى الأطفال حديثي الولادة بالغسيل المعوي، ونادراً ما يختفي من تلقاء نفسه، وإذا ما تكرر ظهور المرض عليه لزم إخضاعه للفحوص والأشعات لتحديد سبب الإصابة.
تتحسن حالات الانسداد البسيطة والتي لا تحتاج لتدخل جراحي في غضون من 2 إلى 5 أيام فقط، أما الحالات التي تطلب تدخلاً جراحياً فتمكث في المستشفى ما بين 7 إلى 8 أيام بعد إجراء عملية الجراحة.
ويبلغ طول الأمعاء الدقيقة وحدها من 4 إلى 5 أمتار، أما الأمعاء الغليظة فهي بين طول متر إلى مترين، هذا إذا تم فردها خارج المعدة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"