التعذيب.. منهجية الاحتلال ضد الأطفال

02:31 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

رغم تفشي وباء كورونا ولجوء أغلب دول العالم إلى الإفراج عن المعتقلين، واصلت سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» عمليات التنكيل والاعتقال بحق الفلسطينيين عموماً والأطفال منهم خصوصاً. وأعلنت تقارير لعدد من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية أن الاحتلال اعتقل في شهر مارس الفائت وحده، ما لا يقل عن 357 فلسطينياً بينهم 48 طفلاً وأربع سيدات.
في يوم الطفل الفلسطيني بلغ عدد المعتقلين من الأطفال في سجون الاحتلال حوالي مئتي طفل هم مجرد عينة من واقع معاناة الأطفال في ظل الاحتلال.
ويحتفل الفلسطينيون منذ إنشاء السلطة الفلسطينية بيوم الطفل الفلسطيني الذي يصادف يوم الخامس من إبريل من كل عام تعبيراً عن التقدير لدور الطفل الفلسطيني في النضال الوطني ومعاناته من أجل التحرير. وقد أتى الاحتفال هذا العام في ظل التخوف الشديد من تفشي وباء كورونا في المجتمع الفلسطيني عموماً وفي صفوف المعتقلين وخصوصاً الأطفال منهم. وهناك اعتقاد جازم بأن إجراءات الاحتلال التي تمس بشكل عام الفلسطينيين تؤثر بشكل خاص أكثر في الأطفال. ومن المؤكد أن المعتقلين منهم يواجهون انتهاكات شديدة لحقهم في الحياة والسلامة الجسدية جراء حرمانهم من الحرية وممارسة أشكال التعذيب النفسي والجسدي بحقهم.
وعرض «نادي الأسير الفلسطيني» في يوم الطفل لواقع استمرار الاحتلال في مواصلة اعتقال 180 طفلاً رغم تزايد الدعوات والمطالبات بالإفراج عنهم بسبب وباء كورونا. وبين أن سلطات الاحتلال عمدت إلى حجر طفلين معتقلين داخل سجن لا تتوفر فيه أدنى شروط حماية الطفولة بدلاً من وضعهما في حجر صحي. ودعا كل جهات الاختصاص الدولية إلى التدخل العاجل لإطلاق سراح الأطفال. وأكد أن الاحتلال ينتهج سياسة اعتقال الأطفال كجزء من بنيته العنيفة وأدواتها في محاولة لسلبهم طفولتهم وتهديد مصيرهم ومستقبلهم.


تنكيل وإهانات


وكثفت سلطات الاحتلال منذ مطلع العام الجاري من محاولاتها التنكيل بالأطفال المعتقلين عبر إخضاعهم لعمليات نقل من معتقلات قريبة من أهاليهم كمعتقل عوفر في الضفة الغربية إلى معتقل الدامون. وخلال عملية النقل يتعرض الأطفال لأشكال من التنكيل والإهانات على أيدي قوات القمع «الإسرائيلية» من جهة وتقلل من قدرة أهاليهم على زيارتهم من جهة أخرى.
ومعروف أن سلطات الاحتلال أقرت عبر أوامر عسكرية وقوانين تشريعية عدم التمييز بين الأطفال والبالغين أمام المحاكم وأتاحت المجال لفرض أحكام طويلة بالسجن على قاصرين. ولم يقتصر هذا على الفلسطينيين في مناطق الإدارة العسكرية للاحتلال وإنما تخطاه إلى القدس التي ضمت وفرض عليها القانون «الإسرائيلي» منذ العام 1967. وحفلت وسائل الإعلام في العامين الأخيرين بتقارير عن استدعاء واعتقال أطفال من القدس لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات كما جرى في بلدة العيسوية.
ومنذ بداية هبة الأقصى في العام 2015 جرى تسجيل أكثر من 6700 حالة اعتقال في صفوف الأطفال الفلسطينيين وخصوصاً في منطقة القدس. وقد سعت قوات الاحتلال إلى تكثيف اعتقالات الأطفال وتغريم أهاليهم خلال الهبّة الشعبية لخلق رادع كبير يحول دون تنامي المقاومة لمخططات الاحتلال. غير أن ذلك لم يغير من طبيعة المجتمع الفلسطيني الذي يشارك أطفاله في نشاطاته النضالية كما كان الحال طوال سني الاحتلال.
والواقع أن تاريخ النضال الوطني الفلسطيني وخصوصاً في عقوده الأخيرة يشهد على الدوام بمشاركة الأطفال فيه. ففي الانتفاضة الأولى كان نصيب الأطفال من المعاناة قتلاً وجرحاً واعتقالاً كبيراً إلى حد كبير. كما أن المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين وثقت استشهاد 2094 طفلاً على يد قوات الاحتلال منذ العام 2000. كما ارتقى ما لا يقل عن 546 طفلاً فلسطينياً خلال العدوان على قطاع غزة في العام 2014. ولا حاجة للحديث هنا عن عمليات اختطاف وقتل أطفال مثل الشهيد المقدسي محمد أبو خضير أو حرق عائلة الدوابشة وأطفالها. وتذكرنا هذه التفاصيل بمصير الرضيعة إيمان حجو في خان يونس عام 2001 ومحمد الدرة عام 2000.


عشرات آلاف المعتقلين


وعن الجرحى من الأطفال الفلسطينيين حدّث ولا حرج. فأعداد الجرحى من الأطفال في سنوات الانتفاضة الأولى كانت كبيرة جداً. كما أن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أظهر أن أعداد الجرحى من الأطفال خلال الأعوام 2010-2014 كان كبيراً أيضاً. وتقدر نسبة الجرحى من الأطفال في فلسطين بحوالي الثلث تقريباً وهذا ما يظهر مثلاً من تقرير «مركز عبد الله الحوراني» التابع لمنظمة التحرير في العام 2016 والذي يشير إلى إصابة 3230 فلسطينياً بينهم 1040 طفلاً. وخلال مسيرات العودة التي بدأت في قطاع غزة في 30 مارس 2018 وحتى مطلع نوفمبر 2018 أصيب ما لا يقل عن 4072 طفلاً. كما أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس المقدم لمجلس الأمن الدولي في يوليو 2019 سجل إصابة 2674 طفلاً على أيدي الاحتلال خلال ستة أشهر من ذلك العام أثناء المواجهات والتظاهرات.
أما عن الاعتقالات فالحديث يطول خصوصاً عند معرفة أنه منذ بداية الاحتلال العام 1967 تم اعتقال عشرات الآلاف من الأطفال كما أن ما لا يقل عن عشرة آلاف طفل فلسطيني اعتقلوا منذ انتفاضة الأقصى العام 2000. ولا يميز الاحتلال كثيراً بين البالغين والراشدين لا في أسلوب الاعتقال ولا في التعامل معهم لجهة التعذيب في التحقيق أو إصدار الأحكام ضدهم. وفي المعتقلات لا يختلف التعامل مع الأطفال عن التعامل مع البالغين في كل مسائل التغذية والاكتظاظ في الغرف والإهمال الطبي وعدم توفر وسائل التعليم والتسلية.


تصعيد مقصود


في كل حال صعّد الاحتلال في السنوات الأخيرة من استهدافه للأطفال الفلسطينيين، حيث لم يكن الأمر عرضياً وإنما تعبير عن خطة ممنهجة لكسر إرادة النضال في الجيل الفلسطيني الصاعد. ورغم أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتحديداً اتفاقية حقوق الطفل، تشدد على ضرورة توفير حماية للأطفال ولحياتهم ولفرصهم في النموّ والتطوّر، وتقيد هذه المواثيق سلب الأطفال حرّيتهم، وتجعل منه «الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة»، إلاّ أن سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم الملاذ الأول لها.
فالفلسطيني، كما العربي، كان ولا يزال هو العدو للمشروع «الإسرائيلي»، ولا يهم في هذه الحال إن كان طفلاً أم بالغاً، رجلاً أو امرأة. فللجميع في ظل الاحتلال نصيب من القمع والتنكيل مع خصوصية للأطفال بوصفهم المستقبل الذي ترى «إسرائيل» وجوب مصادرته قبل أن يتحقق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"