التعصب آفة خطيرة لها حلول إسلامية

يدمر روابط الألفة ويساعد على انتشار العنف
13:17 مساء
قراءة 6 دقائق

يعتبر التعصب جمودا في العقل لأنه لا يسمح بالتعددية الفكرية التي من خلالها نصل إلى الأفضل ونقف على السلبيات والعيوب في الآراء المعروضة . . ولقد ابتلي مجتمعنا العربي بالتعصب ذلك المرض الاجتماعي الخطير الذي تتعدد وتتنوع أشكاله وأخطرها التعصب بين شباب الأمة الإسلامية، الذي يكون غالبا لأسباب تافهة جدا، يسهم الأعداء في تذكيتها مستغلين وسائل إعلام غير مسؤولة لتوسيع هوة الخلاف . . والخاسر

الأكبر سواء في التعصب للرأي أو التعصب المذهبي والعقدي، أو حتى التعصب الرياضي، هو الأمة الإسلامية . وأكد علماء الدين والاجتماع والتربية والنفس أن خطورة هذه الظاهرة تكمن في أنها قائمة على الكراهية والازدراء والتمييز وأن أغلب الأفعال الوحشية التي ارتكبها البشر جاءت بسبب تعصب أفراد عاديين لم يكونوا قبلها مجرمين أو فاقدي العقل . في التحقيق التالي نقف على أبعاد الظاهرة والحلول المناسبة لها:

يطالب الدكتور عبدالرحمن العدوى عضو مجمع البحوث الإسلامية بالتركيز على نقاط التلاقي لا الخلاف للتخلص من هذه الظاهرة والتي هي أخطر الظواهر في عالمنا الإسلامي، وأشدها فتكاً وتدميرا، وأكثرها خدمة لأعداء الأمة، فلم تشهد هذه الأمة خسارة في هيبتها وعزتها، على مدى تاريخها، كخسارتها بسبب التعصب، ولم تدفع من دماء أبنائها، وأمن مواطنيها كما تدفعه اليوم على إثر الخلاف في ما بينها بسبب التعصب .

جاهلية مقيتة

ويضيف إن القرآن الكريم شجع على التحاور والوسطية في الرأي بعيدا عن التعصب حتى في أمور العقيدة بمقارعة الحجة بالحجة كما بيّن إيجابية الاختلاف التي يظهر فيها التنوع في الخبرات والقدرات والأفكار لتصل بجميع الأطراف إلى أفضل الحلول ما يجعل الاختلاف أداة تعارف ويجعل الشعوب والقبائل تحتاج لبعضها بعضاً فيصبح التعارف وسيلة لاكتشاف الآخر .

ويشير إلى أن التعصب جاهلية مقيتة حسمها الإسلام وقضى عليها من جذورها وذم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم العصبية والتعصب في كثير من أحاديثه ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية .

ويقترح د . العدوي تشكيل لجان من المتخصصين في المجالات النفسية والإعلامية والثقافية، تأخذ على عاتقها وضع الخطط اللازمة للتأثير في الوجدان الإسلامي، كإحدى وسائل تغيير الاتجاه نحو تعزيز روابط المحبة والألفة بين المسلمين، ومن ثم انفتاح بعضهم على بعض في الجوانب المعرفية .

آثار مدمرة

من جانبه، يؤكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الشريف الأسبق أن الإسلام حذر من التعصب الأعمى، لما له من أثار سيئة مدمرة كإثارة الفتن، وغرس الحقد والكراهية، وسفك الدماء بين الناس، ومنع الآخرين من ممارسة حقوقهم المشروعة، كحق التعبير عن الرأي . . لافتا إلى إرساء الإسلام من خلال مبادئه الإنسانية السامية، أحكاما وقواعد للتعامل بين الناس والتعارف بينهم التي تقوم على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات . . فقد أكد الإسلام أن أصل الإنسان واحد وأن الناس متساوون في الحقوق العامة .

ويشير إلى أن المسلمين مطالبون بالابتعاد عن العصبيات التي لا تتفق مع صحيح الإسلام والتحلي بالإيمان والتزود من أعمال الخير والبر، بحيث يحرص الإنسان على أن يكون في السر كما يكون في العلن ويحقق الطاعة لله كأنه يراه فهو رقيب حسيب عليه .

أضاف أن من أخطر الأشياء التي أسهمت في التعصب غياب الحكمة في التفكير والرشاد في التصرفات وسيادة الأهواء وتحكيم النزوات والنزعات العصبية الضيقة وفقد الروية والاستجابة إلى عوامل الفتنة التي يسعى البعض لإثارتها بين الشعوب، حتى تبقى ضعيفة مشتتة لا تقوى على الدفاع ونصرة قضاياها ولا تستطيع حماية مقدساتها وثوابتها والالتزام بمنهج الإسلام وتحقيق العدل والتسامح بين بني الإنسان والدعوة إلى الله عز وجل بقوة وعزم وإرادة ومغالبة وتحرير الأرض من المعتدين والتخطيط للمستقبل والاستعداد له .

دور الاستعمار

الدكتور محمد حماسة عبداللطيف الأستاذ بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة يؤكد دور الاستعمار في تنمية التعصب بين أبناء الأمة العربية والإسلامية، حيث عمل على تقسيم العالم الإسلامي إلى دول، وفصل بعضها عن البعض بحدود مصطنعة، تركت آثاراً سلبية في وحدته، مشيراً إلى أن هذا التعصب لا ينسجم مع دعوة الإسلام لوحدة الأمة وتوحيد الصف والتعاون والتكافل والتضامن في ما بينهم .

وينتقد تعصب الإنسان لرأيه والتمسك به والذي يعتقد خطأ أنه صحيح لا يحتمل الخطأ، بينما يرى رأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب، وبالتالي فإنه يرفض آراء الآخرين ويعاديها، حتى ولو كانت صحيحة من دون نظر أو تمحيص، وهذا يعني إلغاء الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وحريته في إبداء الرأي .

يؤكد أن الإسلام نهى عن هذا السلوك، وشرع الشورى التي تحمي الإنسان من التعصب للرأي، وعدم تقبل رأي الآخرين ولقد ضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً رائعاً في الشورى، فبالرغم من تأييده بالوحي، كان يستشير أصحابه ومن حوله ويأخذ برأيهم إذا كان في ذلك الحق .

ويحذر من عواقب التعصب بجميع أشكاله وصوره، لما له من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، حيث يدفع صاحبه إلى سلوكيات غير مقبولة تتنافى مع الفضيلة، فقد يظلم ويستبد، استخفافاً بالآخرين وبآرائهم، وقد يكذب انتصاراً لرأيه وفكره ومذهبه، كما يؤدي التعصب الفكري بالذات إلى التطرف والغلو والتشدد، كالتطرف الديني أو المذهبي، وإلى التميز على أساس العرق أو الجنس أو اللون، ما يؤدي إلى حرمان الآخرين من حقوقهم وكرامتهم الإنسانية التي أقرها الإسلام وانتشار العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع ويشغلهم ذلك عن البحث في القضايا المهمة والأساسية التي تضمن عزة المسلمين وكرامتهم .

رفض الآخر

في تحليله للظاهرة يرى الخبير التربوي الدكتور حامد عمار أستاذ التربية بجامعة عين شمس أن المتعصبين أكثر تصلبا من غيرهم في الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية والدينية، مشيراً إلى أن المتعصب يرفض الآخر ويراه في إطار سلبي، مهما كان الآخر مسالما أو منفتحا أو ودودا أو محبا للآخرين .

ويؤكد د . عمار دور الأهل في تكوين صور معتدلة في أذهان أبنائهم حيث إنهم هم من يسهمون في تكوين تلك الصور وهم الذين يدفعون الثمن غالياً بقصد أو من دون قصد، فبمقدور الأسرة أن ترسم للأبناء صورة عن ذاتهم وعلى ضوء ذلك الرسم سوف يتشكل أساس الشخصية المستقبلية . . محذرا من خطورة الظاهرة التي تفتك بالمجتمع وتدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش وتدفع به إلى الضياع والتمزق مؤكداً ضرورة القضاء على الأمية ونشر مبادئ التسامح الاجتماعي والديني .

تعزيز قيم التسامح

أما الدكتورة سامية الجندي أستاذة علم الاجتماع بجامعة الأزهر فتؤكد أن التعصب يؤدى إلى تأثيرات نفسية واجتماعية واقتصادية سيئة في الأفراد والجماعات داخل المجتمع، ويضعف الوعي بالمصلحة العامة ويساعد على انتشار العنف .

تطالب د . سامية بإجراء دراسات موضوعية على التعصب تساعد على معرفة أسبابه وكيفية مواجهته . . كما تدعو إلى ضرورة تعزيز قيم التسامح ونبذ التعصب في مختلف مستويات الحياة بالإضافة إلى تغيير المناهج وطرق التدريس لحماية النشء من خطر التعصب .

كما تطالب بالعمل على توظيف ثقافي وتربوي للإعلام وشحذ طاقاته في مواجهة هذا التحدي الخطير الذي يواجه المجتمع العربي والعمل بشتى الوسائل والإمكانات المتاحة ثقافياً وسياسياً وإعلامياً وتربوياً على تعزيز قيم السلام والديمقراطية والحق والخير والعدل والجمال وحق الآخر في الوجود، فهذه القيم يمكنها أن تناهض كل الآثار السلبية لوعي مشوه دنسته قيم ومفاهيم معادية للإنسان والإنسانية بالتعصب المقيت .

وتقول: إن تعديل أساليب التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة وإكساب الأبناء الاتجاهات الإيجابية تجاه الجماعات الأخرى يجب أن يتم بصورة عاجلة للمساهمة في التصدي للظاهرة .

سلوك تسلطي

أما الدكتور حسام الدين غريب أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس فيؤكد أن إدراك المشكلة وخطورتها هو الطريق الصحيح للوصول إلى الحلول المناسبة لها، لافتا إلى أن إيمان الفرد بالتعصب في التعامل مع فرد ما بعينه أو مجموعة ما بعينها، يعد اضطرابا في معيار الصحة النفسية أو العقلية، وهو صراع داخلي يحدث للفرد وينم عن اختلال التوازن، وبذلك فإننا نسلم جدلاً بأن الفرد المتعصب هو بحكم المريض عقلياً ونفسياً .

ويوضح أن التعصب ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية، والتي لا علاقة لها في الأصل بالعقيدة الدينية، مشيراً إلى استجابة المتعصبين العنيفة تجاه المواقف الحياتية التي لا تتفق مع أطروحاتهم أو آرائهم .

ويقول: التعصب دكتاتورية واضحة، وقد تبين أن معظم الأشخاص الذين يتسمون بالسلوك التسلطي كانوا في طفولتهم خائفين من والديهم وغاضبين منهم وعلى ذلك يفترض أنهم يظلون غير آمنين ويتمسكون بالعدوان في الكبر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"