التغيرات المناخية تدمر آثار العالم

03:04 صباحا
قراءة 5 دقائق
محمد محمد كمال الدين
يقول بان كي مون أمين عام منظمة الأمم المتحدة: "تغير المناخ لا يحترم الحدود، ولا يحترم الحالة الاجتماعية للبشر، الأغنياء أو الفقراء، الصغير أو الكبير، وهذا ما نطلق عليه (التحديات العالمية)، والتي تتطلب تضامن العالم أجمع"، إلا أن التغير الدائم لمناخ كوكب الأرض جعل قضايا تغير المناخ مصدر قلق نتيجة ضخامة التغيرات غير المسبوقة التي تحدث في العالم، وتشير التقارير إلى أن البشرية هي المسؤولة عن تغير المناخ، فهو يؤدي إلى زعزعة استقرار الظروف البيئية والاجتماعية حول العالم، ونتيجة لذلك أصبح تغير المناخ يؤثر سلباً فيما يملكه العالم من التراث الطبيعي والثقافي، وقد حظي موضوع تأثيرات تغير المناخ في التراث العالمي باهتمام بالغ خلال أحد اجتماعات لجنة التراث العالمي .
تشكل التغيرات المناخية تهديدات بالغة للمواقع الطبيعية والثقافية المدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) ففي إصدار جديد للمنظمة تحت عنوان "دراسات حالات بشأن التغيرات المناخية والتراث العالمي" . يعرض التقرير 26 دراسة حالة تتضمن برج لندن، وحديقة كيلامانجارو العامة الوطنية بلوساكا عاصمة زامبيا، والحاجز المرجاني الكبير بأستراليا، للتعريف بالمخاطر التي يواجهها 900 موقع مدرج على قائمة التراث العالمي .
ولفت مدير عام اليونسكو السابق، كويشيرو ماتسورا، في مقدمة أحد تقارير المنظمة، إلى أن "المجتمع الدولي بات يعترف على نطاق واسع بأن التغيرات المناخية أصبحت تشكل أحد أبرز التحديات في القرن الحادي والعشرين"، داعياً إلى اعتماد "نهج متكامل بشأن القضايا المرتبطة بصون البيئة والتنمية المستدامة" .
ينطوي ذوبان الأنهار الجليدية في العالم على انعكاسات مباشرة على معالم المواقع المدرجة على قائمة التراث لجمالها الاستثنائي، ويؤدي إلى تدمير مواطن الأصناف النادرة من الحيوانات والطيور، كفهد الثلوج في حديقة ساجارماتا العامة الوطنية في نيبال، وقد تلقي هذه التغيرات بتأثيرها الحاد في حياة الإنسان، إذ إن الفيضانات التي يتسبب فيها الذوبان المفاجئ للبحيرات الجليدية تهدد أماكن معيشة كثير من البشر . ويوصي تقرير آخر لليونسكو بإنشاء أنظمة للمراقبة والإنذار المبكر، فضلاً عن الصرف الصناعي على البحيرات الجليدية تجنباً لوقوع مثل هذه الكوارث .
ويضيف التقرير: إن 70% من الشعب المرجانية في قاع البحار عبر العالم قد تتأثر بالتحولات البيئية المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة والحموضة المتزايدة للمحيطات بحلول عام 2100 . ومما لا شك فيه أن الحاجز المرجاني الكبير في أستراليا سيشهد زوال ألوان الشعب المرجانية بدرجة أكبر، ما يؤدي إلى موتها بفعل ارتفاع درجة حرارة البحر، وتفيد التقديرات بأن 58% من الحواجز المرجانية في العالم مهددة، علماً بأنها تأوي مئات آلاف أصناف السمك، ويمكن عن طريق الحدّ من تأثير التلوث والتنمية واستغلال المناجم على سبيل المثال، تحسين مقاومتها بصورة كبيرة أمام التغيرات المناخية .
وقد تلحق التغيرات المناخية ضرراً بالمواقع الأثرية للتراث العالمي، استناداً إلى بعض التقارير التي تؤكد التهديدات المحدقة بمنطقة "شان شان" الأثرية في بيرو، وممتلكات أخرى للتراث العالمي في كندا والاتحاد الروسي، ومما لا شك فيه فإن التعديلات الطارئة على دورة هطول الأمطار وموجات الجفاف، والرطوبة، ومستويات المياه الجوفية، وبالتالي على كيمياء التربة، سوف تخلف آثاراً على محاولات حماية وصون المواقع الأثرية، كما أن ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة ذوبان الأرض الدائمة التجمد التي تصحبه في المنطقة القطبية الشمالية، مقابل ارتفاع مستوى سطح البحار، كلها عوامل ذات تبعات خطيرة على هذا التراث، وهناك دراسات تحليلية للطريقة التي تؤثر فيها الأمطار المرتبطة بظاهرة "النينيو" المناخية على هندسة التربة الهشة في موقع "شان شان"، الذي يرقى إلى زمن عاصمة مملكة "شيمو" القديمة، إحدى أهم المدن المصنوعة من التربة في الحضارة الأمريكية قبل وصول كريستوفر كولومبس إليها .
وقد تكون لارتفاع مستوى البحار والفيضانات الناتجة عن التغيرات المناخية آثار مدمرة في الأبنية والنسيج الاجتماعي للمدن وحركات الاستيطان التاريخية، خاصة على مواقع التراث العالمي في مدينة لندن ومواقع أخرى في أوروبا، وإفريقيا (تمبوكتو في مالي)، والمنطقة العربية (وادي قاديشا وحرج الأرز في لبنان) . وقد ينتج عن ارتفاع مستوى رطوبة الأرض جراء الفيضانات تنامي البلورة الملحية على سطح المباني، ما يلحق ضرراً كبيراً بالأبنية المزخرفة بشكل خاص، ومن شأن تزايد الرطوبة أن تؤدي أيضاً إلى ارتفاع أو خسوف في مستوى التربة .
هناك عدد من الإجراءات يجب على دول العالم التعاون فيما بينها من أجل تخفيف أو الحد من تأثير التغيرات المناخية في كل الآثار المدرجة على قائمة التراث العالمي منها على سبيل المثال لا الحصر:
* أولاً - الإجراءات الوقائية: وتشمل الرصد والإبلاغ والتخفيف من آثار تغير المناخ من خلال الخيارات والقرارات السليمة بيئياً في مجموعة من المستويات: الفرد، والمجتمع، والمؤسسات والشركات .
* ثانياً - الإجراءات التصحيحية: وتتضمن التكيف مع واقع تغير المناخ من خلال استراتيجيات وخطط الإدارة المحلية، والعالمية، والإقليمية .
* ثالثاً - تبادل المعرفة: وتتضمن أفضل الممارسات، والبحوث، والاتصالات، والدعم الشعبي والسياسي، والتعليم والتدريب، وبناء القدرات، والربط الشبكي، إلخ .

الآثار المعمارية القديمة

توصف العمارة بأنها مجموعة من التطورات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وتحمل المباني التراثية مثل الآثار الفرعونية في مصر، وسور الصين العظيم، وبرج بيزا المائل، وماتشو بيتشو أو القلعة الضائعة (في بيرو) رسائل ثقافية وتاريخية عن البيئة التي كانت عليها للأجيال القادمة .
وقد ظهرت على كثير من الآثار القديمة التي صمدت لفترات ممتدة من التاريخ والموجودة في أماكن كثيرة من العالم نتيجة عدة تأثيرات وأسباب منها على سبيل المثال عدم الاهتمام بالصيانة والنظافة، إلا أنها غالباً ما تكون بسبب كثير من العوامل البيئية وأهمها الظروف المناخية مثل الأمطار، ودرجة الحرارة، والرياح، والضغط والرطوبة التي تؤدي إلى زيادة تدهور مواد البناء المصنوعة منها .
وقد أدى تدهور بعض الآثار القديمة إلى تبني اليونسكو للاتفاقية الدولية للحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي في عام 1972 وهو مشروع طموح يهدف إلى حماية وصون ممتلكات العالم الثقافية والطبيعية ونقلها سليمة إلى الأجيال القادمة، وقد صدقت عليه كل الدول الأطراف، 183 دولة، من أجل حماية 830 أثراً عالمياً موجودة في 138 دولة . وتحتوي القائمة على 644 أثراً ثقافياً، و162 أثراً طبيعياً، و24 أثراً يجمع بين الثقافة والطبيعة، ومع إضافة عدد آخر من الآثار وصل العدد الإجمالي إلى 900 أثر .
وقد أخذت اليونسكو على عاتقها مهمة تعبئة الشعوب والحكومات، من أجل ضرورة المحافظة على هذه الأماكن النادرة، ففي بداية ستينات القرن الماضي أصبح معبد أبو سمبل في صعيد مصر مهدداً نتيجة بناء السد العالي بأسوان، فهو على الرغم من كونه ضرورياً، إلا أن بناء السد وما قد ينجم عنه من فيضانات، كان من شأنه أن يحدِث دماراً لا تحمد عقباه في تلك الآثار، التي بناها الفراعنة .
واستجابت اليونسكو لنداءات التحذير التي أطلقتها السلطات المصرية حينئذ، وبدأت في تنفيذ خطة لإنقاذ المناطق المُعرضة للخطر وشرعت على إثرها في تفكيك المعالِم الأثرية القيمة، والنادرة لمعبد أبو سمبل ونقلها إلى مواقع آمنة، وقد قدم نحو 50 بلداً مساهمة مالية غطت نِصف تكاليف المشروع .
المعروف أن تغير المناخ هو أكثر الموضوعات تهديداً للبشرية، فإن حدث وارتفعت حرارة الأرض إلى عشر درجات مئوية، فستزول كثير من الدول الجزرية من على وجه الكرة الأرضية مثل أرخبيل الجزر الصغيرة للمالديف، وستقل المحاصيل الزراعية والموارد المائية، والأكثر من ذلك موت مئات الملايين من البشر الأكثر فقراً على امتداد القرن الحادي والعشرين . ويزيد تهديد تغير المناخ عن كافة التهديدات التي يواجهها العالم، بما فيها الكوارث النووية، الإرهاب، والحروب والنظم الديكتاتورية فتغير المناخ سيقضي على حياة مئات الملايين من سكان إفريقيا وفق ما صرح به السفير/ لومومبا دي آبنج Lumumba Di-aping السوداني الأصل وممثل 136 دولة نامية في اللجنة الدولية لتغير المناخ .

* استشاري التدريب والإعلام البيئي المدير التنفيذي لجمعية مؤسسات الأعمال للحفاظ على البيئة- جمهورية مصر العربية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"