التواصل بين المدارس وأولياء الأمور يشكو منه الطرفان

عدم وجود ثقة بينهما خلق أجواء عدائية
02:51 صباحا
قراءة 9 دقائق

مشكلة تتجدد كل عام، أطرافها أولياء الأمور والمعلمون والإدارة المدرسية، وأساسها الطالب، فبين رغبة الأهالي في التواصل عن قرب مع المعلمين والتعرف إلى جميع ما يتعلق بأبنائهم من حيث مستوى التحصيل الدراسي أو المشكلات التي يواجهونها، نجد بعض الإدارات المدرسية، وتحديداً في المدارس الخاصة تقف لهم بالمرصاد، فلا تواصل مباشر مع المعلمين والمعلمات، ولا زيارات إلا بمواعيد، ومحاولات لاختصار الأوقات التي تجمعهم بأولياء الأمور، وبين تأكيد بعض المدارس على اتباع سياسة الباب المفتوح، يرفض بعضها الآخر التحدث للصحف بحجة أن التصريح للصحافة ليس من اهتمامات المدرسة، وتبقى الغصة والشعور بصعوبة التواصل يخنق أهالي كثيرين، ويجعلهم يخرجون عن صمتهم على اعتبار أنهم لا يطالبون إلا بما يخدم مصلحة أبنائهم .

شكاوى الأهالي وردود المدارس رصدناها في هذا التحقيق .

تراكمات كثيرة ومؤلمة عبرت عنها غدير أحمد، ربة منزل وولية أمر، فقالت: لا أعلم من أين أبدأ، فالمعاناة كبيرة، إذ إن مسؤولي المدارس يجيدون التملص من مسؤولياتهم، ومن خلال تعاملي مع مدرسة أبنائي، وجدت المشرفة المسؤولة التي يجب أن نتواصل معها تتهرب من لقاءات أولياء الأمور، إذ تحاول أن تشغل نفسها بمكالمة هاتفية، أو تستدعي إحدى المعلمات لتملي عليها-أمامنا- بعض النقاط التي لا تلبث أن تنسى بمجرد مغادرتنا للمدرسة، وقد اكتشفت براعة هؤلاء المسؤولين في التمثيل علينا، لنغادر المدرسة وكلنا أمل وثقة بمستقبل أبنائنا، وبالتواصل الحقيقي الذي نتطلع إليه، لنجلس بانتظار تلك الوعود والأهداف التي رسمناها معاً بلا أي نتيجة .

وذكرت غدير أنها تواصلت مع المدرسة بخصوص ضعف ابنها في إحدى المواد، وتم الاتفاق على مقرر معين يتم تدريسه له .

وأشارت غدير إلى أنها ملّت وتعبت من الشكاوى، مؤكدة أن المدارس تدفع أولياء الأمور إلى اللجوء إلى المدرسين الخصوصيين، بسبب عدم تعاونها معهم، وذكرت أن التواصل الوحيد الذي تحرص عليه إدارة المدرسة هو الذي يتعلق باستحقاقات الدفعات المالية، وقالت: عاد ابني في اليوم الثاني من المدرسة حاملاً معه ورقة استحقاق الدفعة الثانية من الرسوم، وإن لم نلتزم بها تتواصل المدرسة معنا بشكل يومي! .

أكدت ميسون ناجي، ربة منزل وولية أمر، أن المدرسة الخاصة التي كان يلتحق بها أبناؤها تمنع تواصل أولياء الأمور مع المعلمين نهائياً، وقالت: نقلت أبنائي إلى مدارس أخرى بعد أن عانيت عدة أمور، أحدها عدم القدرة على التواصل المباشر معهم، فقد كانت إدارة المدرسة تمنع ذلك، لدرجة أنني حين كنت أقف مع إحدى المعلمات في اجتماع أولياء الأمور، كنت أسألها عما إذا كان هذا الأمر سيسبب لها المشكلات، وقد ردت علي إحداهن بقولها #187;لا تكترثي للأمر#171; .

وذكرت ميسون أن المدارس تفضل تواصل أولياء الأمور مع الإدارة، وليس مع المعلمين، خوفاً من أن يوطد ذلك علاقة الأهالي بهم، ما قد يؤثر بالتالي في تعاطف المعلمين مع الطلاب أو العكس، فقد ينشأ عن لقاء المعلم بأولياء الأمور خلافات يكون ضحيتها الطالب .

وأشارت ميسون إلى أن في ذلك صداً وعزلاً للأهالي، مؤكدة أن هذا التصرف خاطئ، لأن المعلم هو الأدرى بالطالب والمشكلات التي تواجهه من الإدارة المدرسية، وهو الأقدر على التعاون مع الأهالي لما فيه مصلحة أبنائهم .

وأكدت ميسون أن ابنتها متفوقة، لكنها خجولة إلى أبعد الحدود، وقالت: تواصلي المباشر مع معلمات ابنتي يجعلني أوضح لهن هذا الأمر، واستطعت التواصل مع المعلمات اللواتي تفهمن خجل ابنتي واستطعن التعامل معها بشكل إيجابي .

ذكرت أمل زياد، مدرسة تقنية المعلومات بكلية التقنية العليا وولية أمر، أن على كل مدرسة أن توفر سبل التواصل مع الأهالي وتسهلها، وقالت: أتعجب من كوننا في القرن الحادي والعشرين ولا تزال بعض المدارس تستخدم المفكرة الورقية طريقة للتواصل مع أولياء الأمور، وهذا ما يجعل هذه المشكلة تظهر على السطح، فالمدرسة إن وفرت طرق التواصل الحديثة والصحيحة فلن يضطر الأهالي لاتباع ممارسات قد لا تحبذها المدرسة .

واقترحت أمل تفعيل خدمة الرسائل الإلكترونية ليتم من خلالها مناقشة أمور كثيرة تخص الطالب وتجيب عن تساؤلات والديه، مشيرة إلى أنه من الضروري أن تعقد المدرسة اجتماعات دورية كافية تجمع المعلمين بأولياء الأمور .

وأكدت أمل أن لجوء بعض المدارس لمنع التواصل المباشر مع المعلمين يعود لعدم تقدير بعض الأهالي لوقت المعلم واستغلالهم وجودهم معه لتوصيته على أبنائهم مراراً وتكراراً، كما قد يؤدي اختلافهم على بعض النقاط إلى خلافات قد يتضرر فيها الطالب في النهاية .

وافق رأي سمر وهبي، ربة منزل وولية أمر، رأي غيرها من أولياء الأمور، فالمدارس تمنع التواصل مع المعلمين، وتقصره على المشرفين أو الإدارة المدرسية، وقالت: اعتدت على هذا الأمر، فإن كان لدى أبنائي أي مشكلة في المدرسة، أتجه للإدارة وأعلمها أني سأقابل المشرف المسؤول عن المعلمين وليس المعلم نفسه، ولا أرى في ذلك أي مشكلة، لأن الإدارة تسمع رأي الطرفين وتقرر ما الذي يجب عمله .

وأكدت وهبي أن منع التواصل المباشر مع المعلم سببه محاولة تجنب الخلافات بين الطرفين، مشيرة إلى أن الأهالي لديهم حساسية عادة في ما يخص أبناءهم، وقد يؤدي التواصل مع المعلم إلى شجار، ما يؤثر بالتالي في الطالب الذي قد يكون ضحية هذا الخلاف .

وأشارت وهبي إلى أنه يجب على كل مشرف أن يقوم بدوره على أكمل وجه، حتى يتم حل جميع المشكلات بهدوء، مؤكدة أن من صالح المدارس التواصل مع أولياء الأمور كون العملية التعليمية شراكة بين هذين الطرفين .

ولأن المعلم طرف رئيس في هذه المشكلة، كان لا بد للحديث معه للتعرف إلى أسباب المشكلة، ومن خلال حديثنا مع ندى ناظم، معلمة في مدرسة خاصة بدبي، أكدت أن هناك أهالي يبالغون في السؤال عن أبنائهم أو الاطمئنان عليهم، ولا يقدرون وقت المعلم ويقضون أوقاتاً طويلة في الفصل الدراسي رغبة بالإلمام بجميع التفاصيل، وهذا يعيق عملية تنظيم الفصل، ويهدر وقت المعلم والطلاب، وقالت: تفاجئني أمهات كثيرات بتفاصيل صغيرة يخبرنني عنها، ويطلبن مني القيام بمهام ليس من اختصاصي، إذ تعترف الكثيرات بأن أطفالهن سهروا في الليلة الماضية أو لم يستجيبوا لأوامرهن، ويطلبن مني أن أعلمهم احترامهن، وهذا ما يجعلني أحبذ قرار الإدارة المدرسية بعدم الاحتكاك بالأهالي بشكل كبير، والالتزام بمدة 3 أو 4 دقائق حداً أقصى لكل لقاء صباحي يتكرر يومياً .

وأشارت ندى إلى أن المدرسة تحرص على عقد اجتماعات لأولياء الأمور، تتوافر بها كل ما يحتاجون معرفته، مؤكدة أن المدرسة لا تمنع لقاء المعلم بولي الأمر بقدر ما تحدده، وذلك حفاظاً على وقت المعلم والطالب معاً، كما يتعلم الأهالي من ذلك احترام الفصل، مشيرة إلى أنه من الضروري أن تقوم المدرسة بتوضيح هذا الأمر للأهالي، وتعريفهم أنها لا تقصد مقاطعتهم أو عزلهم بقدر ما تهدف إلى تنظيم المسألة .

واعترفت ندى بأنها تنزعج من عدم القدرة على التواصل مع معلمات أبنائها، لكنها تحترم النظام لأنها تعرفه وتعمل به، وتتواصل مع المشرفة التي تجيب عن كل أسئلتها، كما تكتب كل مقترحاتها أو ملاحظاتها في الدفتر الخاص بابنها، وتتلقى الرد على تساؤلاتها .

اعترفت ليال المصري #187;معلمة في مدرسة خاصة بدبي وولية أمر#171;، أن المدارس تفضل عدم تواصل المعلمين مع أولياء الأمور، وقالت: من خلال خبرتي، فما تفعله هذه المدارس هو الأفضل، فبعض الآباء يبالغون ويدققون في تفاصيل صغيرة تسبب مشكلات كبيرة، ويكون من الأفضل في بعض الأحيان إخفاء هذه التفاصيل عن الأهالي، لأنها ليست مهمة أو كارثية، بل هي تفاصيل يومية يعيشها الطالب، كأن يرفض تناول طعامه كاملاً، ما قد تعتبره الأم مشكلة كبيرة، وتضخم الأمور لتنشأ في النهاية مشكلة لم يكن لها أي مبرر أو داع .

وأكدت ليال أن المدارس تحرص على عمل اجتماعات دورية للأهل، ويستطيعون من خلالها مقابلة جميع المعلمين والمشرفين، وهي كفيلة بالإجابة عن جميع تساؤلاتهم .

وأشارت إلى أن الهدف من عدم إعطاء أولياء الأمور أرقام هواتف المعلمين، يرجع إلى أنهم لا يكفون عن الاتصال بحجة الاستفسار عن أشياء معينة، مؤكدة أن التواصل المباشر مع الأهالي قد يوطد علاقة الطرفين أو يفسدها ما قد يؤثر بالتالي في الطالب . وعبرت المصري عن استيائها من بعض أولياء الأمور الذين لا يحرصون على حضور الاجتماعات الدورية، ليقرروا بعدها القدوم للمدرسة في أوقات لا تناسب المعلمين .

وعن كونها ولية أمر، قالت: أشعر بما تحس به بقية الأمهات، واسأل عن ابني في المدرسة، لكنني أحترم القوانين، ولا أبالغ في السؤال، ولا أتضايق من أسلوب المعلمة إن أجابتني باقتضاب، لأن الأهالي يجب أن يراعوا جهود المعلمة، فهي تبذل ما بوسعها لتقديم أفضل ما لديها .

حاولنا الاتصال بالمدرسة التي اتفقت أكثر من ولية أمر على أنها تمنع التواصل مع أولياء الأمور، فأكدت لنا أن التواصل مع الصحافة أمر ممنوع ولا يقع ضمن نطاق اهتماماتها، ويبدو أن هذه المدرسة بأفرعها المختلفة تعاني مشكلة ما، أو أنها تتبع سياسة جديدة أسمتها #187;سياسة الباب الموصود#171; .

في المقابل، استقبلتنا مدارس أخرى بالترحاب، إذ أكد مصطفى الموسى، مدير مدرسة المعرفة الدولية الخاصة بالشارقة، أن الإدارة تتبع سياسة الباب المفتوح، وقال: نستقبل أي ولي أمر في أي وقت، ويعرف جميع أهالي طلابنا ذلك، كما نعقد اجتماعات دورية بمعدل مرتين في كل فصل دراسي أي ما يساوي ستة اجتماعات، نقدم فيها صورة شاملة عن نظام المدرسة وقوانينها، ونتلقى الاقتراحات والآراء والملاحظات ونتعامل معها بجدية .

وذكر الموسى أن المدرسة لا تمنع تواصل المعلم مع الأهالي، مشيراً إلى أن المشرف المسؤول يحضر ذلك اللقاء، ويتأكد من تحقيق أهدافه خطوة بخطوة .

وأشار الموسى إلى أهمية تعزيز التواصل بين الطرفين، مؤكداً أن المدرسة التي تثق بما تقدم لا تتخوف من أي لقاء، وأن الثقة بين الطرفين يجب أن تكون الأساس .

بدأ إبراهيم بركة #187;مدير مدرسة الشعلة الخاصة بالشارقة#171; حديثه بالقول: قنوات التواصل اليوم كثيرة ومتنوعة، وعلى كل مدرسة الحفاظ على قنوات التواصل المعروفة كالاجتماعات الدورية والهاتف والفاكس، وتفعيل القنوات الأخرى كالرسائل الإلكترونية وصناديق الشكاوى والاقتراحات وغيرها .

وأكد بركة أنه يتبع سياسة الباب المفتوح، ويستقبل أي ولي أمر ولا يمنعه من مقابلة المعلمين، مشيراً إلى أنه يسهل عملية التواصل، فلا مانع من لقاء المعلم إن كان متفرغاً وغير منشغل بالتدريس، كما يمكن تنسيق اللقاء مع المعلمين في وقت #187;الفسحة#171; .

واعترف بركة أنه ضد المواعيد المسبقة، وعبر بقوله: أرفضها رفضاً باتاً، إذ يصعب التوفيق بين أوقات الطرفين، وبالنسبة لي فإن زارني ولي أمر، أفتح له الباب لمقابلة أي معلم متفرغ يكون بحاجة للتحدث معه، فهذا يحل المشكلة مباشرة ولا يعقد الأمور كما يريح الأهالي .

وأشار بركة إلى ضرورة اتباع مبدأ الشفافية والمواجهة المباشرة، فهي أفضل طرق التواصل في الحقل التربوي، مؤكداً أن المدرسة تمتلك ملفات كثيرة تعنى بالتواصل مع أولياء الأمور، تضم برنامجاً معروفاً باسم #187;تواصل#171; يحتوي على عناوين الرسائل الإلكترونية #187;الإيميل#171;، ويتم من خلالها تبادل النقاشات والاقتراحات مع الأهالي .

وناشد بركة القائمين على العملية التربوية بأن يعتبروا أولياء الأمور شركاء حقيقيين في عملية التعلم والارتقاء بمستوى الطلاب من الناحيتين التربوية والأكاديمية .

#187;ليس للمدارس عذر في عدم تواصلها مع أولياء الأمور#171;، هذا ما أشار إليه طارق شيخ إسماعيل، مستشار وخبير تربوي، مؤكداً أن التواصل بين المعلمين وأهالي الطلاب من أهم أركان نجاح العملية التعليمية، وقال: لا عذر لأي مدرسة في عدم التواصل، لأن وسائل الاتصال الحديثة متوافرة اليوم بأفضل أشكالها، وقليلة التكلفة، والعذر الوحيد لعدم التواصل هو التقصير وعدم الشعور بالمسؤولية، فبقدر ما تحسن الإدارة المدرسية تفعيل التواصل الإيجابي بشكل سريع، بقدر ما تضمن الحفاظ على عوامل النجاح وتحسين مخرجات العملية التربوية والتعليمية، ما يؤدي بالتالي إلى الارتقاء بالطالب .

وذكر طارق أنه لا بد للمدارس من تفعيل عقد الشراكة مع أولياء الأمور، لأن هذا أول أسس التميز، مشيراً إلى أن بعض الأهالي لا يقدرون انشغال المعلم أو إرهاقه بسبب الضغوط اليومية، لذا يجب أن يكون للتواصل أبجديات يلتزم بها الجميع .

وأكد طارق أنه يجب على كل مدرسة ألا تستعيض بالمشرف ليقوم بدور المعلم في التواصل مع أولياء الأمور، لأن دوره الحقيقي هو التنسيق للقاء الطرفين الآخرين، كما أنه لا يتواصل مع الطالب بشكل مباشر كما يفعل المعلم الذي يعتبر الأقدر على تقييم الطالب وتقديم صورة واضحة عن تحصيله ومستواه الحقيقي .

واعترف طارق بأن مدارس كثيرة لا تمتلك ثقافة التواصل، وقال: تعاني هذه المدارس مشكلة حقيقية في القدرة الإدارية على التنظيم، وفي المقابل نجد لدى بعض الأهالي إلحاحاً غير مبرر وعدم تقدير لانشغال المعلمين، لكن ذلك لا يبرر عدم تواصل المدرسة بشكل جيد، وهذا يؤكد الحاجة لإيجاد حوار وتنسيق بين الطرفين، فالطالب أمانة في أيديهم، ويجب أن يسعى الاثنان للارتقاء به.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"