الضغوط النفسية: مظاهرها . . أنواعها وأعراضها عند الأطفال

ثقافة الصحة النفسية ضرورة عصرية
02:13 صباحا
قراءة 6 دقائق

الصحة النفسية كما هي الصحة الجسمية مهمة في كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان، بل إن الاهتمام بها أصبح ضرورة تقتضيها طبيعة العصر الذي نعيش فيه نظراً لارتفاع عدد الذين يعانون الاضطرابات النفسية بسبب ازدياد ضغوط الحياة ومشكلاتها التي تركت آثارا سلبية في صحة الإنسان النفسية والجسمية .

لا يشك أحد في أن الاضطرابات النفسية قد ازداد شيوعها لدى الأطفال والمراهقين حتى وصلت إلى نسبة انتشار لا تقل عن 20%، ناهيك عن الراشدين والكبار، ولا يخفى على أحد مقدار المعاناة التي تسببها تلك الاضطرابات، والآثار السلبية التي تتركها على أدائهم لوظائف الحياة اليومية . فكثيرة جدا هي الاضطرابات النفسية وكثيرون جدا من يعانون منها في هذا العصر (عصر القلق) .

فالصحة النفسية جانب مهم وجزء أساسي من صحة الإنسان العامة . وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية جزءا أساسيا ومتمما للصحة العامة حينما عرفت الصحة بأنها حالة من الشعور التام بالسعادة والعافية الجسمية والنفسية والاجتماعية، وليس مجرد غياب المرض أو انتفاء العجز والضعف .

ويعد التثقيف في مجال الصحة النفسية أمراً مساعداً في الوقاية من الاضطرابات النفسية أو في التخلص منها، لذا سنتناول عددا من الاضطرابات النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الفرد من حيث التعريف بكل اضطراب إضافة إلى بيان أعراضه وأسبابه وكيفية التعامل معه والتخلص منه أو التخفيف من آثاره . وسنبدأ بالضغوط النفسية عند الأطفال .

الضغوط النفسية عند الأطفال:

ضغوط الحياة هي خبرات لا يمكن لأي فرد أن يتجنبها، وهي تصيب الكبار والصغار على حد سواء . ويرى العديد من علماء النفس أن الأطفال يعانون الضغوط النفسية أكثر من الكبار وذلك لقلة خبراتهم في مواجهة هذه الضغوط والتغلب عليها . ومن حسن الحظ أن قسما كبيرا من هذه الضغوط يمكن أن تكون طبيعية بل هي ضرورية للأطفال حيث تساعد الضغوط الأطفال على تنمية المهارات التي يحتاجون إليها للتكيف مع المواقف المهددة لهم أثناء حياتهم القادمة . غير أن دعم الوالدين ومساعدتهم للأطفال الذين يواجهون ضغوطا نفسية يعد أمراً ضرورياً للأطفال كي يتعلموا كيفية الاستجابة الجسمية والانفعالية السليمة لهذه الضغوط .

إن الضغوط الحادة والمزمنة لدى الأطفال يمكن أن تؤدي إلى آثار صحية سلبية قصيرة المدى وبعيدة المدى، إذ يمكن أن تؤدي إلى تعطيل النمو العقلي ويمكن أن تصل أيضاً إلى الأعصاب والجهاز المناعي عند الأطفال، وإضافة إلى ذلك فإن الضغوط عند الأطفال يمكن أن تؤدي إلى مشكلات في صحتهم النفسية والجسمية مثل الاكتئاب واضطرابات الأكل وأمراض القلب والسرطان وأمراض مزمنة أخرى .

وفي مرحلة الطفولة فإن أهم مصادر الضغوط النفسية عند الأطفال تتمثل في العلاقة السيئة بين الوالدين والتفكك الأسري، والخلافات الأسرية وعدم استقرار الجو الأسري والطلاق أو وفاة أحد الوالدين وتفضيل الوالدين طفلاً على آخر، وكذلك إهمال الطفل أو رفضه أو نبذه وعدم إشباع حاجاته أو النقص في رعايته وأسلوب الرعاية الوالدية العنيفة والفقر وضيق المسكن . وقد تشكل المدرسة في بعض الأحيان مصدرا للضغوط النفسية على الطفل وذلك بأشكال كثيرة سواء من حيث المناهج أو أساليب التعامل مع الطفل وغير ذلك.

مظاهر الضغوط النفسية على الطفل:

تظهر أعراض عديدة على الطفل الذي يعاني الضغوط النفسية منها:

* بعض الاضطرابات النفسية مثل الخوف والقلق والاكتئاب والفزع، والشعور بالنقص والغيرة والحقد والخجل والاستغراق في أحلام اليقظة، والشعور بالذنب والخوف من المدرسة .

* الاضطرابات الجسمية مثل فقدان الشهية والاضطرابات المعوية واضطرابات الإخراج والتبول اللاإرادي واضطرابات الحواس واضطرابات الوظائف الحركية واضطرابات الكلام مثل تأخر الكلام والتلعثم والثأثأة وأصابته بالنزعات العصبية مثل قضم الأظافر ومص الإصبع واللزمات الحركية .

* اضطرابات النوم المختلفة مثل المشي أثناء النوم والبكاء قبل النوم أو أثناء النوم ومص الأصابع أثناء النوم وكثرة النوم والأحلام المزعجة والمخاوف الليلية وقرض الأسنان أثناء النوم .

* انحرافات سلوكية مثل الكذب والسرقة والانحرافات الجنسية .

* التأخر الدراسي وهو من أهم آثار الضغوط النفسية على الطفل، وقد يكون تأخراً دراسياً عاماً في كل المواد الدراسية وقد يكون تأخراً دراسياً خاصاً في مادة دراسية معينة .

أنواع الضغوط عند الأطفال:

فيما يلي وصف لثلاثة أنواع من الضغوط حددها المجلس العلمي العالمي لنمو الطفل بناء على نتائج بحوث علمية:

* الضغوط الإيجابية (Positive stress): وهي الضغوط الناجمة من الخبرات غير المناسبة التي يتعرض لها الأطفال، وعادة ما تكون مدة بقائها لديهم قصيرة . ومن الأمثلة على تلك الخبرات حينما يقابل الطفل أشخاصا غرباء، أو حينما تؤخذ منه دميته . ويسبب هذا النوع من الضغط تغيرات فسيولوجية مثل زيادة ضربات القلب وتغيرات في مستويات إفراز الهرمونات . وبقليل من المساندة لهذا الطفل من الوالدين يمكن له أن يتعلم كيفية إدارة هذا النوع من الضغط والتغلب عليه . ويعتبر هذا الضغط عاديا كما أن التغلب عليه يعد أمراً مهماً في عملية نموه .

* الضغط المحتمل (Tolerable stress): يشير الضغط المحتمل إلى خبرات غير مناسبة تكون أكثر حدة، غير أن مداها في الاستمرار ما زال قصيرا . ومن الأمثلة عليه وفاة أحد المقربين، أو الكوارث الطبيعية، أو حادث مخيف، أو الطلاق بين الوالدين . وإذا حصل الطفل على مساندة من الراشدين فعادة ما يتم التغلب على هذا النوع من الضغط . وفي كثير من الأحيان يمكن أن يتحول الضغط المحتمل إلى ضغط إيجابي مفيد لنمو الطفل، أما إذا لم تقدم المساندة والدعم المناسبين للطفل فإن هذا النوع من الضغط يمكن أن يتحول إلى ضغط طويل المدى بآثار صحية سلبية .

* الضغط السمي (Toxic stress): يحدث هذا النوع من الضغط نتيجة لخبرات حادة غير مناسبة يمكن أن يؤثر في الطفل لفترة طويلة من الزمن قد تصل لأسابيع أو أشهرا أو حتى سنوات . ومن الأمثلة عليه تعرض الطفل لسوء معاملة مثل إساءة المعاملة أو الإهمال . ولأن الطفل لا يمكنه إدارة هذا النوع من الضغط والتغلب عليه فإن الاستجابة له تدوم مدة طويلة . مما يؤدي إلى تغيرات دائمة في نمو الدماغ . ويمكن التقليل من هذه الآثار بدعم ومساندة الراشدين .

مصادر الضغط عند الأطفال:

1- المدرسة: يمكن أن يتولد الضغط عند الطفل في المدرسة من الفصول غير المنظمة، أو من التوقعات غير الواضحة وغير المعقولة، أو من الخوف من عدم النجاح .

2- البيت: يمكن أن يحدث الضغط لدى الأطفال في البيت نتيجة الأمراض الحادة والمزمنة لأحد أفراد الأسرة، أو سوء التغذية أو التغير في وضع الأسرة، أو من المشكلات الاقتصادية، أو النزاع الأسري، أو التوقعات غير الواضحة أو غير المعقولة .

3- العلاقات مع الرفاق: يمكن أن يحدث الضغط لدى الطفل نتيجة تغيير المدرسة، أو الشجار مع الرفاق في المدرسة .

أعراض الضغط النفسي عند الأطفال:

* سرعة الغضب أو التغير السريع في الانفعالات

* صعوبات في النوم أو الكوابيس

* عدم القدرة على التركيز

* التراجع في التحصيل الدراسي أو في أداء الوظائف الدراسية الأخرى

* الصداع أو آلام المعدة

* المخاوف غير المبررة أو ازدياد القلق

* النكوص إلى مستويات نمو مبكر

* العزلة وعدم المشاركة في النشاطات الأسرية أو الابتعاد عن الرفاق .

كيف نساعد الأطفال على خفض مستويات الضغط النفسي لديهم؟

الواقع أن هناك أساليب نفسية عديدة يستخدمها المتخصصون في هذا المجال، ولكن بشكل عام يمكن مساعدة الطفل الذي يعاني الضغوط النفسية بالأساليب التالية:

* تدريب الطفل على كيفية التنفس العميق، لأن ذلك يمكن أن يزيد من كمية الأوكسجين التي تصل إلى الدماغ مما يساعد على الحد من نشاط الهرمونات التي تساعد على زيادة ظهور أعراض الضغط النفسي .

* التحدث مع الطفل حول كيفية السيطرة على مجريات حياته وأحداثها، فإن ذلك يمكن أن يساعده على التعرف إلى المواقف التي لا يمكنه السيطرة عليها، وبذلك يمكن أن يجري التغييرات اللازمة في حياته كي يتخلص من مسببات الضغوط النفسية .

* جعل الطفل على وعي بردود الأفعال الجسمية للضغوط النفسية وبخاصة في مراحلها الأولى مثل تعرق الأصابع أو اهتزاز الجفون، فإن معرفة ذلك تساعدهم على وضع خطة لما يجب فعله عندما تظهر هذه الأعراض مما يجعل الضغط النفسي تحت السيطرة .

* منح الطفل وقتا للراحة والاسترخاء وللتعبير عن مشاعره . فالاسترخاء العائلي عنصر مهم في المحافظة على صحة الطفل والعائلة على حد سواء .

د . صالح أحمد الخطيب

مدير مركز الإرشاد النفسي وأستاذ علم النفس

جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"