الغوص هواية ومغامرة شبابية تحت الماء

01:53 صباحا
قراءة 5 دقائق

هواة الغوص ليسوا ككل الهواة بل هم شباب يعشقون الاستكشاف، لا تنأى بهم مخاطر هوايتهم في أعماق البحار عن مواصلة تعمقهم بها، حتى تكلفتها والوقت والجهد والمخاطر كلها عوامل تزيد من شغفهم لها، ومع اختلاف دوافع هواة الغوص الذين تبدأ أعمارهم من 10 سنوات ويتواصل ازديادهم يوماً بعد يوم، تبقى لهذه الهواية شروط لا بد من مراعاتها لأنها هواية تبحر فيهم في عالم عميق، وفي التحقيق التالي نكتشف هذا العالم وشروطه .

يقول المستشار البيئي في جمعية الإمارات للغوص إبراهيم الزعبي أن هناك 35 مركزاً تنضوي جميعها تحت جمعية الإمارات للغوص، وازداد عدد المراكز لعدة أسباب أهمها ترويج الجمعية لأهمية رياضة الغوص داخل الدولة وفي منطقة الخليج، وذلك عن طريق إصدارها المجلة الوحيدة المتخصصة برياضة الغوص في المنطقة ويتم توزيعها داخل الدولة ولأكثر من 17 دولة، وتنظيم الفعاليات المختلفة وأهمها معرض الشرق الوسط للغوص، الوحيد في المنطقة والمصاحب لمعرض دبي العالمي للقوارب، كما أن زيادة أعداد السائحين الزائرين للدولة أدى الى زيادة الطلب على هذه الرياضة، خصوصاً وأن الدولة تضم شواطئ نظيفة وبيئة بحرية مشجعة، سواء في مياه الخليج أو مياه بحر العرب .

ويضيف الزعبي حول إقبال الشباب على هواية الغوص: هذه الرياضة تعلّم الإنسان بشكل علمي الاستمتاع فيما خلقه الله من جمال الأعماق، ولأن دولة الإمارات بحرية وعرفت منذ زمن غواصي وتجار اللؤلؤ، أقبل الشباب على الهواية وجعلوها امتداداً لمهنة الأجداد، ولذلك فإن الارتباط وثيق بين هواية الشباب والغوص، كوسيلة للحفاظ على جزء مهم من الهوية الوطنية .

وأين الفتيات من هذه الهواية؟ يجيب الزعبي: لا توجد قيود على ممارسة المرأة لها اجتماعياً، ففي الدولة مدربات غوص إماراتيات وعربيات، ومعظم المراكز لديها نظام يمكن الفتيات من الحصول على رخصة غوص وممارسة هذه الرياضة بما يتناسب مع ديننا وعاداتنا، في الآونة الأخيرة أصبحت المراة أكثر اهتماماً بهذه الرياضة لإمكانية ممارستها مع العائلة .

انجذاب الشباب لهواية الغوص يعود إلى سببين رئيسيين كما يقول مدرب الغوص من مركز سكوباتك لتدريب الغوص أحمد شهيل، الأول هو كونها هواية سياحية تمكنهم من التعرف إلى عدد من الأماكن السياحية لممارسة الهواية سواء داخل الدولة أو خارجها، أما السبب الآخر فهو شعورهم بالحرية أثناء ممارستها، إضافة إلى أن هناك أسباباً أخرى بحسب شهيل يحدثنا عنها قائلاً: إن هواية الغوص تلائم أجواء الدولة المعروفة بارتفاع درجات الحرارة فيها، كما أنها تعتبر غريبة وليست كالهوايات المتاحة والشعبية ككرة القدم، ولذلك يحب الشباب أن يمارسوا الهوايات التي تمكنهم من اكتشاف الجديد وتقدم لهم المتعة والترفيه وبالأخص في فترة الصيف، لارتباطها بالإجازات ليتمكنوا من الحصول على دورات تدريبية فيها . ويشير شهيل إلى أن العمر المحدد لبدء هذه الهواية هو 10 سنوات فما فوق لأسباب تتعلق بقدراتهم الجسمانية وأمنهم وسلامتهم، وكلما كبر الشخص، وكان فتياً بنسبة معينة، كان تعلمه أسرع وأفضل .

من مركز الغوص التقني الدولي يقول مدرب الغوص زيد عوض، إن أهم أسباب إقبال الشباب الإماراتي على هذه الهواية أنها مهنة الأجداد، وهوايتهم هي تجديد لتلك المهنة رغم عدم استخراجهم اللؤلؤ وغوصهم بطرق حديثة مختلفة الأدوات عما كان سائداً في تلك الفترة، إلا أن رغبتهم بالتعرف إلى ماضي أجدادهم وما كان يعانيه أصحاب المهنة والعالم البحري الذي كان مصدر رزق لهم هو دافع قوي للشباب .

وحول أهم الأدوات المستخدمة للغوص وأسعارها يقول عوض: للغوص عدة متكاملة وتختلف جودتها من شركة لأخرى ومتوسطها يبلغ سعره تقريباً 4000 درهم، وعادةً ما يقبل المبتدئ على استئجار معدات الغوص بينما يشتريها الهاوي، وأهم معدات الغوص هي الاسطوانة ، السترة، والمنظم الذي يضم قطعة أساسية للفم وثانية احتياطية وقطعة مقياس للضغط أو العمق، وبدلة الغوص والأوزان والنظارة وأنبوب النظارة والزعانف والحذاء . ويحدثنا عن دورات الغوص فيقول: الدورة الأولى هي للمبتدئين أوبن واتر دايفر مخصصة لتعلم مبادئ الغوص .

أما الدورات التالية فيقول عوض عنها: دورة متقدمة أدفانس، ودورة الإسعافات الأولية والإنقاذ، ودورة مرشد غوص، ويليها الخيار للمتدرب، فإما أن يتدرب على دورة مساعد مدرب أو مدرب غوص، وبعد تجاوزها كلها بشروط خاصة جداً يحصل الشخص على رخصة مدرّب .

الشاب حمد المطيري من الهواة، بدأ ممارسة التدريب منذ ثلاثة أشهر فحصل على رخصة الدورة الأولى للمبتدئين وبدأ دورة المتقدمين، وعن أسباب حبه لهذه الهواية التي لا يمكن ممارستها بسلامة دون الحصول على دورات تدريبية يقول: تحمل هواية الغوص الإثارة والاندفاع ولا يمكن أن يحبها إلا من يحب المغامرة، وهذا كان هدفي الأول من تعلمها، لكن بعد أن بدأت ممارستي لها تعرفت إلى مجموعة من الأشخاص الذين أصبحوا أصدقاء لي، نشترك جميعاً في روح المغامرة، كما أنها مكنتني من اكتشاف عدد من الأماكن السياحية في بلدي لم أكن أعرفها من قبل وتتميز بجمالها الساحر .

أن يعيش الإنسان بعالم آخر بعيداً عن كل ضغوط الحياة وأن يخوض تجربة جديدة يرى فيها ما لم يره من قبل هو أمر مثير وممتع، هذا هو شعور هاوي الغوص رائد زين الدين، إلا ان مشاعره تلك لا تعني أن هواية الغوص هي للمتعة فقط، بل يقول عنها: إنها هواية تحمل الكثير من المخاطر لكن من يحبها لن تجعله يبتعد عنها، فهناك من يقبل عليها ويتدرب لكن خوفه يمنعه من المواصلة فيتوقف عنها، فالبحر عالم آخر يمكن أن يتعرض فيه الشخص لما لا يتوقعه لأن حدود توقعاتنا تنحصر في البر، لكن بالنسبة لي المخاطر التي تحيطها هي التي تجعلني أقبل عليها أكثر وأواصل تدريبي حتى النهاية .

عبدالرحيم الحمادي من الهواة، ولكن حبه لا يتبع فقط من حب المغامرة واستكشاف عالم البحار، إنما لوفاة عمه أثناء الغوص الذي كان يعشقه، فالحمادي اختار أن يتحدى هذه الحالة ويصارع وفاة عمه ويجعله حاضراً فيه، ويقول الحمادي: منذ صغري وأنا أحب البحر وأحب رؤية الكائنات البحرية فأرى فيها جمال خلق الله سبحانه وتعالى، ففي البحر عالم آخر أشعر كأنه من الخيال برغم واقعيته، بالإضافة إلى أنها هواية تربطنا بمهنة الأجداد مع فارق المعدات، فأحياناً أعمل على الغوص مثلهم كغوص حر دون معدات، كما أن الصبر وقوة التحمل اللذين تعلمتهما في الغوص جعلاني أحبه أكثر، خاصة بعد أن اكتشفت أن لدي نفساً طويلاً يحتمل المسافات العميقة للغوص .

حب المغامرة وخوض التجارب المثيرة والخطرة عادةً ما ينسب إلى الرجال لكن الشابة الإماراتية هاوية الغوص آمنة السركال (موظفة في بلدية دبي) تقول: يستغرب الناس الذين ألتقيهم حبي للغوص، ويزداد استغرابهم حين يعلمون أنني أمارس هذه الهواية، وأنا كنت مثل أولئك المستغربين إلى أن تعرفت إلى الهواية من خلال زملاء لي في العمل يتحدثون عنها، فوددت أن أخوض التجربة خاصة وأن لدي حب للمغامرة والاكتشاف، وفعلاً من الدورة الأولى وجدت عالماً آخر لا أعرفه في البحر، وتمكنت من الانتهاء من دورتين تدريبيتين وها أنا الآن على وشك الدخول في المرحلة الثالثة الخاصة بالإسعافات والإنقاذ .

يمنع منعاً باتاً غوص أي شخص بمفرده حتى وإن كان قد تدرب على الغوص، هذا ما أكده مدربو الغوص، لأن خطورة الغوص المنفرد قد لا يدركها إلا من جربها، ويقول حمد المطيري: لم أكن أدرك مدى خطورة الغوص بمفردي، وحبي للتجربة والمغامرة خاناني فأقدمت على الغوص منفرداً وكان ما لم أكن أتوقعه، فللمرة الأولى بحياتي أشعر بقرب الموت، فأولى الأخطاء التي وقعت بها أنني لم أستفسر عن حالة الطقس والبحر تحديداً في اليوم الذي غصت فيه، الذي كان لسوء حظي شديد الهيجان، وهذا أول ما تعلمته في دورة الغوص للمبتدئين، ورغم ارتدائي كل معدات الغوص إلا أنني شعرت باختناق شديد وبعدم القدرة على السيطرة على توازني تحت الماء .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"