المطبخ الإيطالي هوية وطنية وفن بمذاق مبتكر

09:15 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: محمد فتحي
يزخر المطبخ الإيطالي بتنوع هائل في مختلف الأطعمة التي تحظى بثقة الإيطاليين المطلقة داخل بلادهم وخارجها، فمن الممكن اعتبار العديد من الأطباق المحلية ظاهرة عالمية فريدة، ولكن حينما يتعلق الأمر بالطعام الإيطالي فنحن أمام أسلوب وفن فريد يجمع ما بين فنون الطهي الراقية وفن حسن تناول الطعام وإيتيكيت مائدة تمتلئ بأشهى أنواع الأطعمة الحصرية التي لا يجيد صنعها إلا الإيطاليون أنفسهم، ليعكس بذلك الهوية والثقافة الإيطالية من خلال مذاقات مبتكرة، ويتميز الإيطاليون بالباستا الشهية مثل الاسباغيتي الطويلة والبيتزا الإيطالية المنتشرة في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن تنوع الخضراوات والفواكه الطازجة والملونة التي تقدم بأسلوب بسيط ومنمق يعكس الذوق العالي في أداء الطهي والمذاق الفريد الذي لا يضاهيه مثيل في العالم، لينتهي بنا الأمر عند مشروب الكابتشينو، وهو الاختراع الإيطالي المصنوع من القهوة والحليب والرغوة التي أصبح شربها موضة وعادة أصيلة لدى شباب العالم كل صباح .
ليس من الغريب أن نصادف العديد من المطاعم الإيطالية كرمز وأيقونة للغذاء الجيد والشهي في كل دول العالم لما يحمله من سمعة وشهرة واسعة بين أوساط الأشخاص العاديين والذواقة منهم، ويثق الإيطاليون كثيراً في طعامهم حتى عند زيارتهم لبلدان أجنبية إذ يحرصون على البحث عن مطاعم إيطالية أكثر من حرصهم على تجربة الأذواق الجديدة والغريبة عليهم، كما يعشق المحليون تناول الطعام داخل المنزل، ويقدر من يتناولون الغداء يوم العطلة بالمطاعم الخارجية نحو 5% فقط من الايطاليين، فتميز الطعام الإيطالي ليس نابعاً فقط من أسلوب طهيه، بل لارتباطه الشديد بالبهجة والإحساس الدائم بالمرح أثناء اجتماع أفراد العائلة لما يتميز به من خفة وشبابية دائمة بعيداً عن التقليدية والنمطية، فتتنوع الأطباق الإيطالية بتنوع المناطق في إيطاليا، بل إن نفس الطبق يمكن إعداده بعشرات الطرق، بسبب حب الايطاليين واعتزازهم بإدخال التعديلات واللمسات الخاصة عند كل أكلة قومية مثل المعكرونة والبيتزا وغيرها، والمطبخ الايطالي الوحيد المكون من عدة أدوات وأصول تاريخية قديمة جداً، فمنذ سقوط الإمبراطورية الرومانية انقسمت إيطاليا إلى عدة مناطق متناحرة وعدائية جداً مما كان له أثره في تنوع كبير للمأكولات بتنوع تلك الدويلات، مثل التورتيلا المحشوة بالقرع في إقليم "لومبارديا" ومعكرونة الإسباغيتي مع سمك البوري المملح في "سردينيا"، ولا تزال بعض الأطباق تحتفظ بمكوناتها وأساليب طهيها منذ آلاف السنين مع إضافة بعض اللمسات العصرية الخاصة، ليأتي بعد ذلك العصر الحديث لتتكامل المناطق فيما بينها لتنشئ مدرسة الطهي الايطالية الراقية التي أدهشت العالم بابتكاراتها، وتتمثل إحدى تلك الابتكارات في مشروب الكابتشينو كل صباح، فكل العالم يشرب القهوة مع الحليب، ولكن الإيطاليين يشربون الكابتشينو بإضافة رغوة الحليب لتغير من طعمه كلياً، ومن البديهي لأي شخص هناك أن يتناوله في الصباح فقط، ومن الممكن أن يهاجم الناس من يروه يتناوله في الغداء أو المساء للحفاظ على تقاليد تناوله الصارمة داخل فنجان يمتلئ بثلاثة أرباعه من القهوة والبقية للاستمتاع بالرغوة .
يعكس ثراء الأطباق الايطالية العديد من الأصناف، ولكن يحتل الطعام المصنوع من الحبوب الأولوية الكبرى كمأكولات رئيسية على المائدة مثل المعكرونة والخبز والأرز وعصيدة دقيق الذرة بعد مزجهم مع مختلف الأنواع من الخضروات والفواكه والأسماك والدواجن والجبن واللحوم والمكسرات، ويحظى الدقيق المصنوع من القمح بوقار خاص في المطاعم والمنازل الايطالية بسبب دخوله في صنع أصناف الخبز الشهيرة مثل خبز الثياباتا والفوكاتشا، فضلا عن تصنيعه لعجين الباستا الإيطالية بعشرات من أنواعها الجافة والطازجة التي تعد داخل المنازل منذ قرون بوصفات وأشكال لا حصر لها، كما يشتهر أرز "الأبوريو" لدخوله في إعداد طبق مقبلات "الريزوتو" الايطالي الشهير الذي يقدم كفاتح شهية قبل تناول الأطباق الرئيسية، ويدخل دقيق الذرة أيضاً في إعداد طبق "البولينتا" الذي يمزج فيه مع حساء الشعير ويؤكل مخبوزا أو مقلياً أو مشوياً . وحسب القول القديم إن الطهي الجيد يبدأ من السوق، يبرز دور المطبخ الإيطالي الأصيل في الاعتماد الشديد على الخضروات والفواكه الطازجة والتي لم يمر على قطفها أكثر من يوم واحد على الأكثر، فمنذ قرون كان الاعتماد يقتصر على عدد من المنتجات الزراعية البدائية، ولكن بعد العصر الحديث دخلت أصناف جديدة للمجتمع الزراعي الايطالي مثل الطماطم والبصل الايطالي الشهير والباذنجان والملفوف والكوسة والخرشوف والشمر والفطر والكرفس والهليون والخس، ويتم إعداد اغلب تلك الخضراوات بشكل تقليدي بواسطة بشرها وتقطيعها إلى قطع بالغة الدقة، من ثم إضافتها إلى المخبوزات وأطباق الباستا والريزوتو والبيتزا، أو استخدامها كمواد أساسية في السلاطة والحساء، وعلى الجانب الآخر تستخدم الفواكه بنوعيها الطازجة والمجففة وتؤكل كوجبات خفيفة وحلوى، حيث إن الإيطاليين ليسوا من هواة صنع الحلويات التقليدية ويكتفون بتناول الفاكهة لقيمتها الغذائية العالية، ويتربع العنب والتوت على رأس الفواكه المحببة بجانب الحمضيات كالبرتقال والليمون والكمثرى والكرز والتفاح والخوخ .
لا تستخدم اللحوم والأسماك والدواجن في الأصناف الإيطالية بشكل بارز ما يجعلها واحدة من أبرز الأطعمة صحية وتوازن، كما يندر استخدامها في ما يسمى ب"كوكينا بوفيرا" أو مطبخ الفقراء الذي يتميز بأصناف من مناطق جنوبي إيطاليا وتفتخر بها كبرى العائلات هناك حيث يقتصر الطعام فيها داخل المزارع والأحياء الشعبية على الخضراوات والفاكهة ومنتجات الدقيق بأساليب سهلة لا تعتمد بأي شكل على بروتينات اللحوم، وذلك هو سبب تسميتها بأطعمة الفقراء على الرغم من غناها بالعديد من الأصناف، وبذلك يقتصر تناول اللحوم على المناسبات والحفلات، وفي شمال البلاد يكثر تدريجياً تناول اللحوم بشكل لا يزال يحتفظ بمعدلات منخفضة، كذلك لا يتناول الايطاليون الجبن بكثرة .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"