الهجوم على السنة النبوية هدفه التشكيك في الإسلام

رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر في حوار مع "الخليج":
02:49 صباحا
قراءة 8 دقائق
حوار: جمال سالم

تتعرض السنة النبوية الشريفة لحملة شرسة يقودها تحالف شيطاني من أدعياء العلم والثقافة الإسلامية، وتتبنى وسائل إعلام هذا التحالف وتروج له، إيمانا منها بأن التشكيك في المصدر الثاني للتشريع بدعاوى زائفة سيؤدي حتما إلى التشكيك في الإسلام أو زعزعة ثقة المسلمين به وتشويه صورته في عيون غير المسلمين، أو على الأقل التشويش على إيمان المسلمين بأهمية السنة النبوية، وقد نال رواة الأحاديث وعلى رأسهم الصحابي الجليل أبو هريرة الراوي الأول للأحاديث، والإمام البخاري صاحب أكبر وأوثق كتب الحديث؛ القدر الأكبر من الطعن والسخرية والتشويه، ومن هنا تأتي أهمية الحوار مع الدكتور عبد الله الصبان، رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر للرد على هؤلاء وكشف مزاعمهم الكاذبة.. وفيما يلي تفاصيل الحوار:

تحت مسمى «باحث ومجدد إسلامي» طعن البعض في السنة النبوية ورواية الأحاديث.. فكيف ترى بواعث هؤلاء وأهدافهم من التشكيك في النبوية الشريفة؟

الأسباب كثيرة لعل أهمها هدم المصدر الثاني للتشريع في الإسلام - بعد القرآن - عن طريق إنكار حجية السُنة والطعن فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، ولهذا ظهرت جماعات مارقة عن الدين منذ عهد النبوة حتى اليوم فمنهم «القرآنيون» الذين يزعمون أن القرآن يكفي لقول الله تعالى «... ما فرطنا في الكتاب» وشاءت إرادة الله أن يفضح هؤلاء في الآية التالية مباشرة حيث يقول الله تعالى: «والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم»، كما أن لديهم فهما مغلوطاً ومحدوداً يحركه الهوى الشخصي والضلال لقول الله تعالى «ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء». ولابد هنا من الإشارة إلى أن مصطلح «التنوير الإسلامي» براق ولذا استغله أدعياء الدعوة.

حملة قديمة متجددة

من يقود هذه الحملة الظالمة على السنة والأحاديث النبوية؟

بدأت الحملة على يد المنافقين ومن على شاكلتهم منذ أيام النبوة حتى الآن وهدفها التشكيك في الإسلام، وتضم هذه الحملة كل أعداء الإسلام الظاهرين من غير المسلمين وخاصة المستشرقين وأنصارهم ممن يزعمون أنهم يقودون تيار التنوير الإسلامي من أصحاب الأفكار العلمانية التي تدعو إلى حبس الإسلام في المساجد بحيث لا تكون له علاقة بالحياة، ويضم تيار أعداء السنة كذلك بعض الجماعات والفرق المأجورة عبر التاريخ، حيث تحالفت مع القوى الاستعمارية بل وجماعات التبشير لهدم الإسلام من داخله وبأيدي أبنائه تحت مسميات ومصطلحات براقة، ولهذا فإن أعداء السنة يمكن كشفهم بسهولة إذا أعملنا عقولنا وطبقنا مقولة «فتش عن المستفيد».

مخاطر القرآنيين

هل ترى أن جماعة «القرآنيين» هي أخطرهم حالياً؟

بالتأكيد، بدليل احتضان الدول غير الإسلامية لهم ويعيش مؤسسها أحمد صبحي منصور في أمريكا ويتم توفير جميع الإمكانيات له لنشر أفكاره المسمومة في العالم وبكل اللغات باستخدام التقدم الهائل في وسائل الاتصال، وقد زين لهم شياطين الإنس والجن أعمالهم فقالوا«لا نأخذ إلا بما صرح به القرآن الكريم وندع ما عداه، لا قيمة لما جاء في السنة عندنا».
* حذرنا القرآن والسنة من الانخداع بمثل هذه المصطلحات البراقة التي يتم من خلالها دس السم في العسل، نود التعرف عن أدلة فضح هؤلاء من الناحية الشرعية؟
تحالفت شياطين الإنس والجن لنشر الضلال وإبعاد المسلمين عن هداية السنة النبوية، وهؤلاء في قلوبهم مرض كما وصفهم القرآن، وينطبق عليهم قول الحق سبحانه:«قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا»، ووصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه «وتناسى هؤلاء الجهلاء عن عمد قول الله تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» وقوله تعالى كذلك: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى» وقول الله تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم».

كتابة الأحاديث

ولكن منكري السُنة يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابتها وأمر بكتابة القرآن فقط، فهل هذا صحيح؟

هذه مقولة حق يراد بها باطل، حيث استندوا في زعمهم هذا إلى حديث رواه أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وكان هذا النهي مؤقتاً ولعلة هي خوفه صلى الله عليه وسلم، من التباس الحديث في أول الأمر بالقرآن الكريم الذي كان ينزل آية آية وسورة سورة، وبالتالي كان هناك احتمال - ولو بسيط - بوضع حديث نبوي موضع آية قرآنية، وكذلك لحرصه صلى الله عليه وسلم على المحافظة على قوة ملكات الصحابة في الحفظ للأحاديث، فضلاً عن أن من يجيدون الكتابة لم يكونوا كثيرين، والدليل أن هذا النهي كان مؤقتا أنه تم بعد ذلك الإذن للصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص بكتابة الحديث.

حجة باطلة

يدعى منكرو السُنة أن الأحاديث الصحيحة المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قليلة جدا، والباقي كله ضعيف ومكذوب، فما ردكم؟

هذه حجة باطلة يريد أصحابها نزع الثقة من الأحاديث النبوية كلها، ويتجاهل هؤلاء جهود علماء الإسلام الموثوق بهم في رواية الحديث ومعرفة تراجم الرواة حتى إنهم لم يدعوا شيئاً من الأحاديث النبوية إلا وبينوا منزلته من القبول والرد وأبدعوا علماً فريداً خاصاً بذلك يسمى علم «مصطلح الحديث» وحققوا ودققوا في تاريخ الرواة من خلال ما يطلق عليه «الجرح والتعديل».

ما صحة ما ينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أنه قال: «ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن خالف كتاب الله فلم أقله، وإنما أنا موافق كتاب الله وبه هداني الله»؟

أكد أئمة الحديث أنه مكذوب وضعه الزنادقة والخوارج ومن على شاكلتهم لتبرير الطعن في السنة النبوية مع العلم أنه لا يوجد تعارض بينهما بل إن السنة شارحة ومفصلة ومبينة لما أجمله القرآن، وإلا فإني أسألهم سؤالاً وأريد إجابة صريحة: من أين عرفوا أركان الإسلام وكيفية تأديتها وأحكامها الشرعية والصحيح والخطأ في تطبيقها؟ هل تفاصيل الصلاة والزكاة والصوم والحج مذكورة في القرآن حتى نستغني عن السنة النبوية سواء كانت قولية أو فعلية؟ ومع هذا فإن أعداء الإسلام يحاولون أن يشككوا المسلمين في سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً حتى يلبسوا الحق بالباطل وهم يعلمون، ولهذا فإن من ينادي بعدم الأخذ بسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون خارجاً عن الإسلام لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة.

يزعم أعداء السنة أن أهل السنة والجماعة يرون أن السنة مكملة للقرآن وكأن فيه نقصاً؟

هذا افتراء على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأن كل علماء الأمة أكدوا أن السنة النبوية الشريفة مبينة ومظهرة ومفسرة للقرآن الكريم وليست مكملة له، وإذا كان القرآن هو الكلام المعجز الذي أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم فإن السُنة قد ألهم الله بها عبده ونبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى أنه حين كان يتم توجيه سؤال إليه في بعض القضايا أو الأمور لا يتعجل الإجابة حتى ينزل عليه الوحي ليوضح حكم الله فيها فيوضحه للسائل، وبالتالي فإن السُنة لا يمكن الاستغناء عنها إطلاقاً ولولاها لغابت عنا أمور كثيرة.

فضائيات الفكر الشاذ

أيهما أخطر على السنة النبوية أعداء الخارج.. أم المتأسلمون الذين يعيشون بيننا ويحملون أسماءنا؟

هناك تحالف شيطاني بين أعداء الداخل والخارج ضد الدين إلا أن أعداء الداخل غير الظاهرين من المسلمين هم الأشد خطرا على السُنة النبوية من أعداء الخارج، لأن الطائفة الأولى تعيش بيننا وتجد من يفتح لهم الطريق لبث سمومهم عن طريق وسائل الإعلام المأجورة وخاصة القنوات الفضائية التي تستضيف أصحاب الفكر الشاذ، الذين لا هم لهم إلا التشكيك في السنة لزعزعة الثقة فيها مع أنها واضحة لا غموض فيها والتشكيك مستمر من عهد النبوة وسيستمر حتى قيام الساعة، ولهذا نجدهم يركزون على صحيح البخاري باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله ثم الطعن في صحيح مسلم الذي يلي البخاري في الأهمية.

يقال إن أساتذة الحديث بالأزهر قصروا في الدفاع عن السنة النبوية ولم يستطيعوا مناظرة هؤلاء المشككين؟

هذا ادعاء باطل حيث تضم جامعة الأزهر خيرة علماء الأمة في كل العلوم العربية والشرعية وخاصة في علوم القرآن الكريم والحديث النبوي، وقد قاموا بدورهم على خير وجه سواء من خلال قاعات التدريس والمؤتمرات أو من خلال وسائل الإعلام التي لا تستضف منهم إلا القليل، حرصا على الدعاية للطاعنين في السنة النبوية.

معنى هذا أنك تتهم وسائل الإعلام بالتآمر مع الطاعنين في السنة النبوية؟

بالتأكيد فهناك تحالف شيطاني بين بعض رجال الأعمال الذين انشأوا بعض الفضائيات التي لا تجد حرجاً في محاربة الإسلام باستضافة أدعياء التنوير الإسلامي الذين يكررون أكاذيب المستشرقين وحملات التبشير والمنافقين والماركسيين والملحدين وغيرهم، لأن أهل الحقد على الإسلام كلهم ملة واحدة وإن اختلفت أسماؤهم من زمان لآخر ومن مكان لآخر.

هل طالبت أنت شخصياً بمناظرة الطاعنين في السنة النبوية؟

- إن مزاعم الطاعنين في السنة واهية وقد فندها العلماء بالأدلة والبراهين، وبالنسبة لي فقد طالبت كثيراً بمناظرة الكثيرين منهم إلا أن أصحاب الفضائيات لا يعطون الفرصة لأهل الحق لكشف أباطيلهم سواء من خلال الإعلام أو من خلال القانون، حيث قامت الدنيا ولم تقعد حين قرر الأزهر مقاضاة أحد المتطاولين على الإسلام وعلمائه، وكذلك عندما يوصي الأزهر بمنع نشر كتاب فيه تطاول على ثوابت الإسلام من القرآن والسنة وكأنه مطلوب منا أن نسكت حتى لو تم التطاول على الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم وثوابت الدين أو يتم الخلط المتعمد بين الدين والرديء من التراث لتشويه سمعة وصورة الدين.

أبو هريرة والبخاري

يتعرض الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الشهير ب «أبي هريرة» لحملة ضارية، فما السبب؟ وما ردكم على المهاجمين؟

سبب الحملة أنه من المكثرين من رواية الحديث، ومن أحفظ الصحابة له حتى قال عنه الإمام الذهبي في ترجمته: «الإمام الفقيه، المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد الحفاظ الأثبات». وأكد الإمام البخاري، أنه روى عنه نحو الثمانمئة من أهل العلم، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره. وقال عنه الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. ووصفه الإمام الحاكم أبو أحمد بأنه كان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزمهم له صحبة، فكانت يده مع يده يدور معه حيث دار إلى أن مات، ولذلك كثر حديثه. كما كان حريصاً على تعلم العلم بشهادة النبي.

يتعرض الإمام البخاري لحملة ممنهجة ومستمرة من بعض وسائل الإعلام ويقودها بعض أدعياء العلم، فما سبب هذه الحملة وردكم عليها؟

اتفق علماء الأمة عبر العصور على أن صحيح البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله، ولهذا فإن الطعن فيه والسخرية منه الهدف منه التشكيك في السنة وإضعاف ثقة المسلمين فيها، والواقع أن من يقرأ سيرة الإمام البخاري سيجد أن لديه إقبالاً كبيراً على العلم منذ الصغر حتى إنه قام بأداء فريضة الحج وعمره ثماني عشرة سنة ثم أقام بمكة يطلب بها الحديث، ثم رحل بعد ذلك إلى كثير من مشايخ الحديث في البلدان حتى أنه كتب عن أكثر من ألف شيخ، ووهبه الله قوة في الحفظ وكان ينظر في الكتاب لبعض الوقت فيحفظه ولهذا لقبوه ب «أمير المؤمنين في الحديث» وكان ورعا ومما قاله عن نفسه: «ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين». ويعد صحيح البخاري أشهر كتب الحديث النبوي وقد بذل فيه البخاري جهداً خارقاً لسنوات طويلة، وبلغ عدد أحاديث الكتاب 7275 حديثاً، اختارها البخاري من بين ستمئة ألف حديث كانت تحت يديه حيث كان يشترط شروطاً دقيقة في رواية راوي الحديث أهمها: أن يكون معاصراً لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي الرؤية والسماع معاً، وكذلك الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"