تاريخ ميلاد محمد عبدالوهاب.. لغز السنين

تعمّد إخفاءه عن الجميع.. وكشفته عالمة موسيقى روسية
01:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
بيروت- إلياس سحّاب:

قبل نحو أسبوع، مرت ذكرى ولادته، لكن من الصعب أن نحدد عمر هذه الذكرى وهذا العبقري. ففي اليوم الثالث عشر من شهر مارس/ آذار من إحدى السنوات، ولد الموسيقار ومطرب الأجيال عند العرب محمد عبد الوهاب، في أحد أحياء مدينة القاهرة، وهو حي «باب الشعرية». كل هذا كان دائماً في غاية الوضوح، أما ما بقي لغزاً طوال حياته، وحتى رحيله، الذي مر عليه في العام المنصرم ربع قرن، فهو سنة ميلاده، هل هي 1910، أم 1902، أم 1900، أم 1898؟
ما كان متداولاً في أثناء حياة محمد عبد الوهاب، هو أن تاريخ ميلاده المسجل في جواز سفره المصري، وفي بطاقة هويته، يقع في العام 1910. وقد كان هذا الرقم هو المتداول في أحاديث عبد الوهاب الصحفية. لكن سلسلة من الأحداث الفنية في حياة هذا الموسيقار، خاصة في سنواته الأولى، تؤكد أن هذا التاريخ لا يتطابق مع أحداث حياته.
ففي أحد أعداد مجلة «المصباح» الثقافية التي كنت أصدرها وأرأس تحريرها في العامين 1981/1980، نشرنا مذكرات الشاعر المصري المعروف أحمد رامي في ست حلقات، يقول في إحداها أنه تعرف إلى محمد عبد الوهاب للمرة الأولى وهو مطرب ناشئ موهوب في العام 1915، طبعاً، لا يعقل أن يكون هذا اللقاء قد تم بينما عبد الوهاب في الخامسة من عمره (1910-1915)!
من الثابت أيضاً أن محمد عبد الوهاب قد تعرف إلى سيد درويش، وعمل معه في سنوات سيد درويش الثلاث الأخيرة (1923/1921)، وأن سيد درويش مرض عند تقديم مسرحيته الشهيرة «شهرزاد»، فأوكل إلى محمد عبد الوهاب أن يلعب دوره في المسرحية. مما يؤكد أن ذلك كان مستحيلاً لو أن عبد الوهاب كان فتى في الحادية عشرة من عمره أو الثانية عشرة.
وفي أحد أعوام عقد السبعينات من القرن العشرين، زارت محمد عبد الوهاب عالمة موسيقية روسية، كانت تدرّس في كونسرفتوار تشايكوفسكي (كانت إحدى أساتذة المايسترو سليم سحّاب عند دراسته في ذلك المعهد)، وكانت تعد موسوعة عن الموسيقى العربية، فطلبت إلى الموسيقار عبد الوهاب أن يصدقها الخبر بشأن التاريخ الصحيح لعيد ميلاده، لتنشره في الموسوعة. وأكدت له (من باب الحرص والتشجيع) أن هذه الموسوعة ستطبع فقط بالروسية، أي أن تاريخ ميلاده الحقيقي سيبقى شبه سري. فضحك الموسيقار وأكد لها أنه مولود في العام 1902.
غير أن الأديب المصري الكبير توفيق الحكيم، الذي كان صديقاً حميماً ومن أقرب أصدقاء عبد الوهاب منذ النصف الأول من القرن العشرين، وكتب له قصة فيلمه السادس «رصاصة في القلب»، كان يؤكد أنه من نفس جيل عبد الوهاب، وأن كليهما قد ولد قبل عامين على الأقل من بداية القرن العشرين، أي في العام 1898.
ولو اعتمدنا تاريخ الميلاد الذي كان يردده ويؤكده توفيق الحكيم، فإننا سنرى أن هذا التاريخ يصبح متطابقاً منطقياً مع كل مراحل حياة عبد الوهاب الفنية، خاصة في بداياته الأولى. فهو مثلاً انطلق إلى شهرته المدوية كمطرب أول وملحن أول، منذ إطلاق قصيدة يا «جارة الوادي» في العام 1927. فهل كان عمره فقط عندئذ سبعة عشر عاماً؟ (لو كان تاريخ ميلاده الصحيح هو 1910؟). الأرجح أنه كان قد اقترب من الثلاثين من عمره، وذلك يبدو في نضج صوت عبد الوهاب واكتمال رجولته في قصيدة «يا جارة الوادي». كما يكون قد عمل مع سيد درويش وهو في الثانية والعشرين من عمره، الذي يبدو أمراً منطقياً، كما يكون قد تعرف إلى أحمد رامي للمرة الأولى وهو في السابعة عشرة من عمره، وكلها أمور منطقية.
لذلك تبدو السنة 1898 هي السنة الأشد دقة لتحديد تاريخ ميلاد محمد عبد الوهاب، والأكثر تطابقاً مع كل أحداث حياته الفنية المديدة، من أولها وحتى آخرها.
وإذا علمنا أن رحيل عبد الوهاب كان في الرابع من مايو/ أيار من العام 1991، فمعنى ذلك أنه غادرنا عندما كان في بداية عامه الرابع والتسعين، وهكذا ينتظم هذا التاريخ كل أحداث حياته الشخصية والفنية، ويحل أخيراً اللغز الذي تعمد محمد عبد الوهاب طوال حياته أن يحيط به التاريخ الحقيقي لميلاده.
بذلك، يكون العقد الأخير من القرن التاسع عشر، قد شهد ميلاد كل عباقرة النصف الأول من القرن العشرين في الموسيقى العربية بالتسلسل: سيد درويش 1892، محمد القصبجي 1892، زكريا أحمد 1896، محمد عبد الوهاب 1898، أما رياض السنباطي، فكان ميلاده في العام 1906، وكان أصغر هؤلاء العباقرة سناً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"