جزيرة "الأكعاب" قرية صيادين

ملامح من الوطن
01:22 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحتفظ أرض الإمارات بكثير من الشواهد التي تؤرخ لعادات وتقاليد ومهن الأجداد، ويعد الصيد إحدى المهن التقليدية التي امتهنها أهل المناطق الساحلية في الدولة، واعتمدوا عليها في اكتساب قوت يومهم وتجارتهم . ومن تلك المناطق جزيرة الأكعاب في أم القيوين، وتقع في خور أم القيوين الكبير خلف القصر الأميري، التي كانت خلال الألف الخامس قبل أكثر من 6500 عام مخيماً للصيادين . حيث كان الصيد النشاط الرئيس لسكان الأكعاب، وكان يمارس بالشباك أو بالحبال، وباستخدام سنانير مصنوعة من الأصداف . وعلى الرغم من من استثمار كل موارد الخور والأشجار المحيطة، كان صيادو الأكعاب يعتمدون على صيد سمك التونة، مستخدمين قوارب بسيطة في رحلات طويلة في البحر . الموقع اكتشفته بعثة الآثار الفرنسية، بالتعاون مع متحف أم القيوين، ويعد أقدم منشأة شعائرية مخصصة لنوع الثدييات البحرية الأطوم في شبه الجزيرة العربية منذ (3500 - 3200 ق .م) .

تعتبر الأكعاب كما يقول الشيخ خالد بن حميد المعلا، مدير عام دائرة الآثار في أم القيوين قرية للصيادين، حيث ساعدها موقعها الفريد الذي تلفه المياه من كل الجهات، على أن تكون منطقة جذب لأهالي المنطقة منذ زمن طويل، مثلهم في ذلك مثل أية منطقة ساحلية في الدولة، يعتمد أهلها بشكل رئيس في قوتهم وأنشطتهم اليومية على البحر وما يجود به من خيرات .

وحول حياة الناس في تلك المنطقة يضيف: ارتبطت حياة الناس في تلك المنطقة ارتباطاً اجتماعياً وعاطفياً بالبحر في كل شيء، فمنه يكتسبون قوت يومهم، ويصنعون منه أدوات الصيد والحي والزينة، كما ارتبط البحر بحياتهم الاجتماعية في مجالسهم وأهازيجهم ومصدر ترفيههم وأغانيهم وموروثهم الشعبي .

لقى أثرية

في ما يخص أعمال التنقيب والبحث في الجزيرة يشير الشيخ خالد بن حميد المعلا إلى أن دائرة الآثار والتراث استقدمت بعثة فرنسية بدأت العمل في يناير/كانون الثاني ،2002 حتى مارس/آذار ،2009 حيث بدأت الحفريات في الموقع على مساحة 400 متر مربع، وتبين من الحفريات التي قام بها الفريق، أن الموقع يحتوي على بقايا عظام بقر البحر، وفواقع وأصداف مختلفة الأنواع والأحجام، إضافة إلى مجموعة كبيرة من عظام الأسماك، كما دلت الحفريات الأولية للبعثة على وجود آثار حرق على الأرض، ما يدل على أن عمليات شواء جرت عليها . وعثرت البعثة على عدد من اللقى الأثرية، وصنارة كبيرة لصيد السمك مصنوعة من حجر الصوان، ومجموعة من ثقالات الصيد بالشباك وسكاكين حجرية، إضافة إلى مجموعة من الخرز مصنوعة من المحار، بعضها مثقوب والبعض غير مثقوب .

ويوضح مدير عام دائرة الآثار في أم القيوين، أهمية اكتشاف اللقى الأثرية في الحصول على مجموعة من فخار العبيد، وفخار جمدت نصر، وهو ما يدل على وجود علاقات تجارية قائمة في تلك الفترة بالنسبة للمستوطنات المؤقتة وغير الدائمة .

ومن خلال تحليل العظام والأصداف بمادة الكربون، ثم تاريخ الموقع بالفترة ما بين (4769 - 4373) أي ما بين الألف الخامس والرابع قبل الميلاد، كما أثبتت البعثة الفرنسية للتنقيب استغلال سكان جزيرة الأكعاب موارد البحيرة المحيطة، واصطيادهم سمك التونة من المحيط المفتوح .

وتتضمن آثار الجزيرة فخاريات من فترة ميزوبوتيما أو ما يعرف تاريخياً باسم فترة العبيد وأنواعها متعددة من الخرز المميز، حيث كان سكان الجزيرة يتميزون بإنتاج الخرز المدور، لدرجة أن الموقع أصبح مشهوراً بهذا المنتج المصنوع بدرجة عالية من الحرفية نسبة إلى هذا الوقت من الزمان، كما اكتشفت البعثة في الموقع عام 2008 أكثر من 884 لفية، إضافة إلى كميات كبيرة من الأصداف والقشريات بالقطاع ،4 ومن ضمن اللقى كانت هناك كميات من القطع الأثرية، يمثل الخرز 90% منها . وفي عام 2002 تم العثور على لؤلؤة غير مثقوبة، تعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد وتعد تلك اللؤلؤة أقدم الآلي المكتشفة في الإقليم ككل . أما بقية لآلي العصر الحجري الجديد الموجودة في الدولة فقد ظهرت في مقابر ترجع للألفية الخامسة في أم القيوين والبحيص في الشارقة، كما عثر على 17لؤلؤة أغلبيتها ذهبية اللون، حيث يعتبر لؤلؤ جزيرة الأكعاب الأقدم ويعود تاريخه إلى العصر الحجري الحديث .

ما قبل التاريخ

عن أهم الاكتشافات في الجزيرة تقول علياء محمد الغفلي، مديرة متحف أم القيوين، اكتشفت البعثة الفرنسية مقبرة كبيرة لما يعرف باسم بقر البحر . أو حيوان الأطوم، الذي كان يعيش على ساحل المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي، ويوجد أيضاً اليوم في الخليج العربي . حيث يصل طوله إلى 4 أمتار ويمكن أن يصل وزنه إلى 400 كم .

وبين العامين 2006 و2009 أثبتت مجموعة جديدة مؤلفة من علماء آثار مختصين بعصور ما قبل التاريخ وخبراء عظام تابعين للبعثة الفرنسية، أن تجمع العظام ليس عبارة عن تراكم غير منظم من بقر البحر، وإنما تكوين مقصود وتم تشييده خلال مراحل التاريخ، ويتألف هذا التكوين المعقد من مصطبة مفلطحة تمتد إلى نحو 10 أمتار، ويصل ارتفاعها إلى 40 سم هي عبارة عن عظام أربعين أطوم تقريباً .

وتضيف علياء الغفلي: يتكون المستوى الأعلى لمقبرة العظام من صفي جماجم متجهة نحو الشرق، وصف ثالث يحيط بالجزء الشمالي من التكوين . الجماجم كانت مثبتة بحيث يكون الفك العلوي مغروساً جيداً في الجزء السفلي من تكوين المقبرة، ومدعمة بصف من الأضلاع الثنائية أو الثلاثية، إضافة إلى حزمات من الأضلاع كانت موجودة أمام أول صف من الجماجم الشرقية، ويدل اكتشاف اللقى الأثرية في جزيرة الأكعاب على مهارة أهل تلك المنطقة في تشكيل الأحجار، وصناعة الخرز المتعدد الأشكال، حيث قدر عدد اللقى المستخرجة من مساحة 10 أمتار بنحو 1862 قطعة أغلبها لعناصر من الحلي، وخرزات صدفية نادرة، ذات شكل أنبوبي مثقوبة من طرفين، ووجدت تلك العناصر مع مجموعة من الصنارات والسكاكين المصنوعة من الأصداف والمثاقب العظمية والشظايا الصوانية .

طقوس الصيد

توضح مديرة متحف أم القيوين إلى حفريات جزيرة الأكعاب كشفت عن إدارة معقدة أدت إلى انتقاء بقايا الأطوم بعناية، حيث تم رصفها لتشكل بناء ذا حجم كبير من عظام منتقاة وفق اختيار محدد، كما أن اللقى الصدفية والحجرية كانت موضوعة بشكل مقصود من حلي شخصية، ونخبة من الأدوات النادرة، إضافة إلى بقايا ثدييات أرضية .

كل ذلك يدل على أن تشكيل واستخدام بناء الأكعاب في الألف الرابع قبل الميلاد كان قد تم وفقاً لقواعد محددة، حيث أسهم هذا التشكيل في عرض رائع للثدييات الأطوم البحرية الكبيرة الحجم، ومن المدهش أن تكون جماجمها كلها موجهة نحو الشرق، تماماً كما دفن الأموات في بعض مقابر المنطقة العائدة إلى عصر النيوليت الموجودة في جبل البحيص في الشارقة .

وتضيف، بعد تكوين العظام المكتشف في الجزيرة الوحيد في الشرق الأوسط وليس له في العالم مثيل يعود عصر النيوليت ويمكن فقط مقارنته مع الكود وهي مواقع شعائرية تقع على السواحل الاسترالية بالقرب من مضيق نور لكنها أحدث عهداً حيث تعود إلى القرنين 14 و20م .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"