حمودة بن علي..بصمات مضيئة في مسيرة الوطن

يُعرف برجل المهام الصعبة
02:31 صباحا
قراءة 6 دقائق
إعداد:محمد إبراهيم

لا شك أن تاريخ الإمارات عامر بالعديد من الشخصيات التي لعبت دوراً كبيراً في مسيرة النهضة الإماراتية، وعولت عليهم القيادة الرشيدة للدولة في الكثير من المهام والمسؤوليات، فكانوا نماذج مضيئة ومشرقة، وباتت سيرتهم دورساً نعلمها لأبنائنا.
لعل الحديث عن أبناء الوطن الأوفياء الذين قضوا حياتهم في حب الوطن والولاء لقيادته والعمل على رفعته، يذكرنا برجل المهام الصعبة حمودة بن علي بن غانم بن حمودة، فسيرته باقية في الأذهان، ومآثره تخالط الجوارح والجنان، فهي تتجاوز التواريخ والأمكنة لتتحول إلى محطات مضيئة ومفعمة بحب العمل والوطن.

منذ مولده في منطقة الجيمي في مدينة العين عام 1940، استقى أولى معارفه وحبه للأرض والإنسان في تلك المنطقة من ذلك الزمن، ومرّسته الأيام الأولى وعلمته أن الحياة تهب لمن كد وجد، وكانت مداركه وآفاقه تتسع في مداها، فقد كان- رحمه الله - استثناء في طموحه وإقباله على الأشياء.
كان مدرسة في العمل الصامت، وفي المثابرة وتذليل الصعوبات والعوائق أمام إنجاز المهام الجليلة والكبيرة التي كانت تعهد بها القيادة إليه، وكان يؤديها بكل ما تطلبه المصلحة الوطنية العليا، حيث كان من رجال المهمات الصعبة التي تتطلب الإخلاص والحنكة والصبر.

عزيمة وثابة

ظل ذكره ماثلاً حياً متجدداً، صورته تخلدها مآثره وتقتفي الأجيال أثره، ويسرد التاريخ قصصاً وحكايات رجل ترك بصمة واضحة في مسيرة وطنه وحياة شعبه وأهله، وبات صفحة ناصعة البياض، قلما تجد لها نظيراً، حيث كرس الفقيد وقته وجهده وعمله لبناء الدولة وحفظ أركانها، فلم تثنه النائبات عن المضي قدماً إلى هذه الغاية، بل كانت الشعلة التي تدفع به إلى كسر الحواجز وتذليل العقبات، وتنير له طريقه، فلم ينل منه الكلل أو الملل، متسلحاً بعزيمة وثابة، وإرادة صلبة، فعمل بصمت، وكان خير من يحسن إنجاز المهمات التي توكل إليه.

كفاءته وإخلاصه

انخرط في دائرة الجوازات والجمارك في أبوظبي في عام 1956، واشتغل كاتباً لدى المغفور له الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حتى عام 1957، ليلتحق بعدها بقوة الشرطة في عام 1958، والتحق بكلية الشرطة في دولة الكويت، وتخرج عام 1961 حاصلاً على دبلوم كلية الشرطة برتبة ملازم، ليعود بعدها إلى موطنه ويعمل في الشؤون الإدارية والتحقيق الجنائي في عدد من مراكز الشرطة بالمناطق البترولية.
أهلته كفاءته وإخلاصه في عمله إلى صعود سلم المسؤولية، حيث عين مساعداً لقائد الشرطة، ثم نائباً لقائد الشرطة والأمن، عام 1969، ثم وكيلاً بوزارة الداخلية في حكومة أبوظبي في عام 1971، حيث شهد في هذه الفترة الجهود الحثيثة التي كان يبذلها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه حكام الإمارات لوضع الأسس المتينة للاتحاد، ولا شك في أن تلك الفترة وأحلامها تركت أثرها العميق في نفسه وتوجهاته الوطنية الوحدوية، وجعلت فكره يتابع عن كثب كل خطوات التطور، التي أحدثها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان في مسيرة البلاد.

أركان الاستقرار

وحظي بمكانة خاصة عند المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وفي سنة 1972، عين وزير دولة للشؤون الداخلية في الحكومة الاتحادية، وكان الظن في اقتداره وجدارته في محله، لتناط به رئاسة جهاز أمن الدولة إلى جانب منصبه وزيراً للشؤون الداخلية عام 1976، وقد اتسمت شخصيته بالقوة والحكمة، وتجمعت فيه العديد من السمات العربية الفريدة والمتميزة.
أسهم المرحوم في تأسيس وزارة الداخلية، التي كانت واحدة من أهم وزارات السيادة التي تضطلع بالأعباء الجسيمة والأساسية في توطيد أركان الاستقرار والأمن في الدولة، وإذا كان معروفاً عن رجال الداخلية والأمن أن الانضباط يجعلهم يميلون إلى الشدة أو القسوة في بعض الأحيان، وهذا لم يفقد الفريق حمودة بن علي، رحمه الله، صفة الرحمة والتواضع، بل إنه كان على قدر عالٍ من الحرص على الاستماع لشكاوى الناس من مواطنين ووافدين، ضمن نطاق القانون والعمل الإنساني، لإيجاد حل لمشكلاتهم وتفريج الكرب عنهم، فالقاعدة عنده لا ضرر ولا ضرار، وأن كسب حب الناس هو رأس المال الحقيقي والشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يشترى بثمن.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 1990، تم تعيينه وزيراً للداخلية، وظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1992، ليبدأ مسيرة جديدة من البذل والعطاء لا تقل في معناها ومردودها عن تلك التي خاضها من قبل من دون كلل أو ملل.
وكان مرافقاً للمغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في العديد من المؤتمرات الخليجية والعربية والدولية، بصفته عضواً في الوفد الرسمي للدولة، ولوحظ اهتمامه بمختلف القضايا العربية، انطلاقاً من حسه القومي، وتأثراً بما يحدث في هذا الجزء أو ذاك من الأمة العربية.

تفعيل التعاون العربي

كان للفقيد دوره البارز في تفعيل التنسيق والتعاون بين الدول العربية في المجالات الأمنية، فقد ترأس الاجتماع السادس لوزراء الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي، الذي استضافته عاصمة الدولة أبوظبي عام 1987، كما شارك في جميع اجتماعات وزراء الداخلية العرب، حيث ترأس اجتماعات المؤتمر عام 1986، وشارك كذلك في لجان وزارية عدة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والإعلامية.

ومنح وسام مجلس التعاون الخليجي، خلال القمة العاشرة في مسقط تقديراً لدوره البارز في المجالات الأمنية، وتتويجاً للجهود التي بذلها، ولسعيه إلى تقوية أواصر الأخوة والتعاون، وعرفاناً بما قدمه على المستويين المحلي والدولي، كما زاده تكريماً تفضل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بمنحه وسام الخدمة المخلصة يوم 10 مايو/أيار عام 1988م.

جهود صامتة

وفي عام 1992 كرمه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أيضاً بترقيته إلى رتبة فريق، وتعيينه مستشاراً خاصاً لسموه، وقد عمل خلال هذه الفترة مواصلاً جهوده وعزمه في صمت وتفان، مفيداً لقيادته وشعبه ووطنه، إلى أن وافته المنية يوم 8 سبتمبر/أيلول عام 2001، ليترك حسرة في قلب كل من عرفوه وأحبوه، وليمضي إلى جوار ربّه بعد أن أدى الذي عليه، تاركاً وراءه سيرة عطرة ونهجاً أصيلاً واضح المعالم والأسس.
أحب الراحل، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وقال: إن نعم الله عز وجل كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومن إحدى هذه النعم علينا، أن أكرمنا الله بالشيخ زايد، ليكون منقذاً لهذه الأمة وقائداً لها، آخذاً بيدها، ومنتشلاً إياها من ظُلمات الجهل والفقر والمرض والتخلف، إلى مصاف الدول المتقدمة.

مسيرة في سطور

} ولد حمودة بن علي بن غانم بن حمودة، في عام 1940، وانضم إلى الشرطة في أبوظبي عام 1958، ثم التحق بكلية الشرطة في دولة الكويت، وتخرج منها عام 1961 برتبة ملازم، ليعود بعد ذلك إلى الدولة ويعمل في الشؤون الإدارية والتحقيق الجنائي، وبفضل إخلاصه وتفانيه في العمل، فقد تقلد منصب مساعد قائد الشرطة ثم نائباً لقائد الشرطة والأمن عام 1969 ثم وكيلاً بوزارة الداخلية في حكومة أبوظبي في عام 1971.

} وفي عام 1972 أصبح وزير الدولة للشؤون الداخلية في الحكومة الاتحادية، وتم تعيينه في عام 1990 وزيراً للداخلية، وظلّ في هذا المنصب حتى عام 1992.
} شارك حمودة في العديد من اللجان الوزارية، ومثّل الدولة في عدد من المؤتمرات الإقليمية والعربية والدولية، واختاره المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مستشاراً له، وكرمه بمنحه وسام الخدمة المخلصة، لما قدمه من إنجازات وأعمال مخلصة لوطنه، حيث شغل هذا المنصب إلى أن وافته المنية عام 2001.
} وأسهم بما له من معرفة أكاديمية وخبرة عملية في تحقيق رؤية الدولة التي ينعم المواطنون والمقيمون فيها بالسلم والأمان، وكانت للأنظمة التي وضعها في قيادة الشرطة ومن ثم وزارة الداخلية نتائج مهمة في تحديث أنظمة العمل، وحاز خلال القمة السادسة لدول مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في مسقط، على وسام دول مجلس التعاون الخليجي، تقديراً لدوره في تعزيز التعاون الأمني لدول المجلس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"