راشد شرار.. القيمة العالية المضافة للشعر الشعبي.. ديوان «غصن المعاني»

03:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
في الإمارات كما هو في بلدان الخليج العربية، يظل الشعر الشعبي أو النبطي محتفظاً برونقه الخاص، على الرغم من انتشار الأدب الشعري الفصيح منذ أن انتقل الناس من طور التعليم في الكتاتيب قبل ما يربو على نصف قرن، إلى التعليم الحديث والدراسات المتقدمة العليا، وأصبح الإلمام بالفصيح وبآلياته من نحو وصرف وقواعد هو السائد بنسبة عالية.. حتى اللهجة الشعبية القديمة التي كانت لغة التخاطب وبها ينشد الشعر تغيرت مفرداتها تغيراً كبيراً، وأصبحت اللهجة بصفة عامة قريبة من الفصحى قرباً هو من الفصيح ليس ببعيد.
والحقيقة أن أوّل من قرب اللهجة الشعرية الشعبية إلى الفصحى في الإمارات بمفردات لا تصعب على الفهم، هو مبارك العقيلي الأحسائي، الذي استوطن دبي في أواخر القرن التاسع عشر، وكان شاعراً ضليعاً في اللغة يحاكي الشعراء المتأخرين من العرب قبل النهضة الحديثة، والتغيير الذي حدث للغة الشعرية على يد البارودي، وشوقي، وأمثالهما، ومن يقرأ من العرب غير الخليجيين الشعر الشعبي للعقيلي، يجد أن العقيلي ليس من الشعراء الذين يغرقون في النبطية إلى أبعد حد.. ومن الشعراء الشعبيين الإماراتيين المعاصرين الذين يستسيغ لغتهم المثقفون والمتذوقون للشعر وبالذات الشعر الشعبي الجيد في اللفظ والمعنى، هو الأستاذ والشاعر الملهم، راشد شرار، الذي أعتقد أنه يحتل اليوم مكانة مرموقة وعالية بين الشعراء في الإمارات، وإذا ذكر الشعر والشعراء الشعبيون الإماراتيون، فإن راشد شرار يقف في الصف الأمامي بين الكبار منهم، ناهيك عن أن راشد شرار باحث ومقدم برامج، والصوت العالي في المهرجانات الشعرية المحلية، ومؤلف وصاحب دواوين عدة.
وأمامي، ديوان لراشد شرار اسمه: «غصن المعاني»، يقارب أربعمئة وخمسين صفحة، ويحتوي على أشعار نبطية لراشد فيها ومضات مضيئة ترضي أذواق الباحثين عن الشعر الجيد المفيد البعيد عن التكرار في مبناه ومعناه.
ونأخذ على سبيل المثال هذه القصيدة الجميلة التي تحمل بُعداً إنسانياً، وهمة عالية، وفكراً نيراً، قليلاً ما يجد المرء مثيلاً له في الشعر الشعبي.. بعنوان: أدري وليت الناس لو تدري:
أدري وتدري وليت الناس لو تدري
أنه فوادي بكبره ياسع العالم
لو كان فيهم خبيث النفس في صدري
يلقى المحبة وأشيل الظلم والظالم
على ظلام الحقود أمد من فجري
وأنا بطبعي أحب الطيب ومسالم
ما حيد رأي السفيه أثر على فكري
وما اسوق شوري على خالي الفكر ما لم
يدرك بأن المعاني تصب في نهري
وأميز الفعل من سالم ومن سالم
اللي أحبه ولو يأمر على عمري
يفداه عمري مدامه صاحبي سالم
إن قلت بدري عرفت الحب من بدري
مينا فوادي لمن هو يعشقه والم
أسري مع الشوق يوم الناس ما تسري
وأبلَغ الحب للجاهل من العالم
مراكب الجود في بحر الوفا تجري
تبغي المواني وأنا ربانها الحالم
الرمية اللي خطتني ما خطت أثري
صحيح عدّت لكن أثرها يالم
وفي كتاب «غصن المعاني»، مضامين جميلة يضعها راشد شرار على مائدة الشعر الشعبي في الإمارات، وتضع الشاعر راشد شرار في الصف الأول من الشعراء الشعبيين، الذين حاولوا الخروج من بيئة القبيلة الضيقة التي يطغى عليها الغزل الحسي بالمرأة، وتدور في حلقة ضيقة أيضاً من مفردات لغوية محدودة، إلى آفاق فيها السعة وفيها الرحابة.. وعندما يصبح الشعر على هذه الشاكلة من البعد الإنساني، يكون تأثيره على النفوس عميقاً، ويصبح أيضاً قيمة مضافة إلى الأدب الشعبي العربي في الإمارات..


بقلم:عبدالغفار حسين
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"