رمضان في الإمارات.. تقاليد أصيلة تتوارثها الأجيال

لم تطرأ عليها تغييرات كبيرة
23:23 مساء
قراءة 4 دقائق
العادات الرمضانية في الإمارات، لم يطرأ عليها تغيير تقريباً منذ أجيال، فكما كان الأمر سابقاً تبدأ الاستعدادات قبل أيام من الشهر الفضيل بتحضير مستلزماته، وتجهيز المجالس لاجتماع العائلة والجيران، ثم شراء وتجهيز «المير»، وهي عادة إماراتية أصيلة، تقدم فيها الهدايا للأهالي والأصدقاء، كنوع من صلة الرحم. لذا فإن المجتمع الإماراتي من أكثر المجتمعات تمسكاً بعاداته وتقاليده، وأكثر حرصاً على الحفاظ على تراثه وهويته الوطنية، وهو ما يظهر جلياً فيما يخص تلك العادات المرتبطة بشهر رمضان.
ورمضان في التراث الشعبي الإماراتي، لا تختلف مظاهره كثيراً عن الحاضر؛ فهي نفسها مظاهر فرح الصغار والتكافل الاجتماعي وصلة الأرحام، تعيدنا جميعها للعيش في أجواء الماضي، بدفئه وتسامحه وأصالته، ولا تزال عادة التزاور، بين الأهل والجيران، من أبرز العادات الباقية حتى اليوم.
قديماً، كان الاحتفال بمجيء رمضان يبدأ من ليلة النصف من شعبان، «حق الليلة»، وقضت العادة في الإمارات بأن يتجمع الأطفال بعد صلاة المغرب بملابسهم التقليدية، فالبنات بالملابس المطرزة والصبيان ب«الكندورة» والطاقية المطرزة بخيوط الذهب، يحملون على رقابهم كيساً من القماش يسمى «الخريطة»، ويمشون جماعات تتوقف على البيوت وتبدأ بترديد الأهازيج لحث أهل البيت على منحهم المكسرات والحلويات، وهم ينشدون: «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم».
وإذا أهلّ رمضان، تنتشر في الإمارات موائد الإفطار الجماعي، حيث يجتمع أهل الحي في مكان واحد للإفطار، فتأتي النساء جالبات ما صنعن من وجبات، حسب المقدرة، ويتشارك الجميع في تناول الأرز والهريس والمحلى والعصيدة واللقيمات، ومن الحلويات الخبيصة والبثيثة والخنفروش والبلاليط.
وتعد زيارة الأهل والأقارب بعد صلاة التراويح من أبرز ما يشتهر به الإماراتيون في رمضان، إضافة إلى التسوق وشراء مستلزمات الأسرة واحتياجات عيد الفطر، إذ تتنافس المحال التجارية وتقيم مهرجانات التسوق والحملات التشجيعية الرمضانية.رمضان هو شهر العبادة والفضائل والتمسك بالعادات والتقاليد، ويعتبره أهل الإمارات، شهر الطاعة والمغفرة والكلم الطيب، والنفحات الإيمانية الطيبة، وهو شهر الخير والدعاء والاستغفار وقيام الليل. يقول د. راشد رشود، باحث في تاريخ وتراث الإمارات، إن الذاكرة الشعبية الإماراتية تحفل بمئات القصص والحكايات عن ليلة القدر، والتي تصوّر شكلها وما يناله الفائزون برؤيتها، إلاّ أن السمة البارزة للشهر الفضيل قديماً، كانت تميل إلى البساطة أكثر، وإلى عدم التكلف، بعيدة عن البهرجة والزخرف واللهو، حافلة بطلقات المدافع ومسيرات العبادة والفرح، بدءاً من ألعاب الأطفال الشعبية، وانتهاء بصلوات قيام الليل، وقراءة القرآن الكريم، ومحاولات ختمه مراراً وتكراراً. كما كان للأطفال أجواؤهم الخاصة، فهو الشهر الوحيد الذي يسمح لهم فيه بالخروج من البيت واللعب بعد صلاة المغرب، ولرمضان ألعابه، مثل «عُظَيم لوّاح» و«المدفع» و«عمبر» و«يوريد» و«الهول» و«لمسلسل».
«المسحر» أبرز ما يميز رمضان، ويُسمّى في بعض البلدان «المسحراتي»، وهو رجل لم يعيّنه أحد، نذر نفسه لتنبيه الناس بموعد السحور، يمر على البيوت، حاملاً طبلاً صغيراً يطرقه خمس طرقات وهو يردد: «قُم يا نايم قم.. قومك أخير من نومك». ويقول رشود: يطوف «المسحر» طوال شهر رمضان على البيوت من دون أجر أو ثناء، وفي ليلة العيد، يطوف على البيوت ليتلقى مكافأة عمله، ويستقبله الناس بالترحاب ويتبادلون معه التهاني، ويغدقون عليه العطايا والهدايا، ومن عطاياهم تكون زكاة فطرهم.
وجبة الإفطار كانت بسيطة خفيفة وكذلك السحور، فيتناول الصائمون التمر واللبن، ويذهب الرجال إلى المساجد وكل واحد منهم يحمل طبقاً أو مجموعة أطباق وبعد انقضاء الصلاة يجتمع المصلون في رواق المسجد الخارجي، صغاراً وكباراً، ليتناولوا شيئاً قليلاً من المائدة العامرة، ويدعوا كل من يمر بهم أياً كانت جنسيته ليشاركهم مائدة الخير والبركة. أما النساء فبعد أن يصلين في البيت يتناولن شيئاً مما أعددنه ولا يكثرن ثم يتأهبن لاستقبال الزوج أحسن استقبال.
يقول د.رشود: «يعود الزوج إلى البيت فيتناول شيئاً من الشاي والقهوة ثم يستعد الجميع لصلاة العشاء وصلاة التراويح، وبعد سماع الأذان يذهب جميع أفراد الأسرة إلى المسجد ويصلون العشاء والتراويح ويعودون بعدها، لتعد النساء طعام العشاء وهي عادة إماراتية شهيرة فيتناول الجميع العشاء وبعض الأطباق الحلوة مثل (الساقو والعصيدة واللقيمات والخبيص)، أما السحور فيقتصر على التمر أو الرطب واللبن والكامي والماء والبعض قد يأكل العيش، (أرز) وماء، فتكاد المنازل والمطاعم لا تخلو من الأكلات الشعبية كالمجبوس والثريد والبرياني واللقيمات؛ إضافة إلى الهريس الذي يعد الصحن المفضل على مائدة الإفطار في الإمارات».
تنتشر المجالس المعروفة باسم (الميلس) أو (الديوانية)، خلال الشهر الكريم، ويجلس صاحب الدار في صدر مجلسه لاستقبال زائريه. ويقول د. رشود: «تعتبر المجالس في الماضي ملتقى أهل المنطقة، فيتبادلون أخبار الغوص والأسفار أو إنشاد الشعر، حيث كان يخصص للشعر مجلس في ليلتين في الأسبوع الواحد. وكانت المجالس تبقى مشرعة حتى وقت السحور، فيسمع الجميع طرقات المسحراتي الذي يجول بحماره وخلفه الأطفال يرددون معه: (اصحَ يا نايم.. واذكر ربك الدايم)، فينفض الجميع عقب وقت السحور لأداء صلاة الفجر ثم الذهاب كل إلى بيته». أما النساء والفتيات فكن يجتمعن يومياً لتفصل كل واحدة ثيابها وثياب أهلها من الرجال والصغار، فإذا جاءت العشر الأواخر تستعد النساء لترتيب وتنظيف البيت وتجهيز الحلويات والأطعمة الخاصة لاستقبال عيد الفطر المبارك، بحسب رشود.
واشتهرت أيضاً العديد من الألعاب الشعبية الخاصة بالشهر الكريم، مثل لعبة الخاتم بين لاعبين أو لاعبتين، ولعبة الصوير وهي من الألعاب الجماعية، ولعبة المدافع، والمريحانة.
ويرجع حرص الإماراتيين قديماً على هذه العادات إلى عدة أسباب، منها الارتباط القوي بالدين، الذي كانت تعاليمه تحث على الترابط والتآخي، بالإضافة إلى وجود حاجة دائمة لأهل الحي إلى هذا الترابط. إن رمضان هو شهر العبادة والفضائل والتمسك بالعادات والتقاليد، وهي صفات يتحلى بها الشهر المبارك في مختلف الدول العربية والإسلامية، خصوصاً الإمارات.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"