شكري سرحان ابن النيل

ولد فنياً على يد أهم ثلاثة مخرجين
13:09 مساء
قراءة 4 دقائق

نموذج مرسوم بدقة لمواصفات فتى الشاشة الأول، وجه متسق الملامح، بعينين غائرتين واسعتين، تعبران بدقة وشفافية عما يعتمل بداخل صاحبهما، فوقهما حاجبان كثيفان، يتماشيان مع الأهداب الطويلة وشعر الرأس الغزير فاحم السواد، فضلاً عن قوام ممشوق، دافق بالحيوية . إنه الشاب شكري سرحان الذي يوحي بالثقة، لذا طالعنا في عشرات الأفلام في دور الفتى المحبوب، المتأنق .

هذه الأدوار التي أداها في جوهرها هي دور واحد، بأداء مكرر، من فيلم لآخر، وبذات الكليشيهات المحفوظة، لكن موهبة شكري سرحان التي صقلها له زكي طليمات، إبان دراسته في المعهد العالي للتمثيل، كانت أكبر من الاستسلام داخل الشرنقة التي فرضتها عليه السينما المصرية، فاستطاع أن يحطم جدارها، بفضل كبار المخرجين، فأسندوا إليه أدواراً لا علاقة لها بأبعاد نجومية الفتى الأول، فبدا مع كل عمل مختلفاً كأنه يولد من جديد . والمفارقة تكمن في أن مجد شكري سرحان، يتجلى في أدائه البارع لتلك الشخصيات التي تحرر فيها من أغلال وقناع النجم .

ولد الفنان شكري سرحان في 12 مارس/ آذار ،1925 في محافظة الشرقية، في عائلة عمل الكثيرون منها بالفن، حيث كان له شقيقان عملا معه بالفن، هما الراحلان صلاح سرحان، وسامي سرحان، وابن عمه الفنان الكبير الراحل محسن سرحان، فضلاً عن أنه خال المطربة المعتزلة سوزان عطية .

وعلى أيدي عباقرة الإخراج يوسف شاهين، صلاح أبو سيف، توفيق صالح، ولد شكري سرحان فنياً ثلاث مرات، في أقل من أربعة أعوام، حيث قام الجريء يوسف شاهين، بنزع بذلة النجم عنه ومنحه جلباباً متواضعاً وأخفى شعره الطويل تحت طاقية وقدمه في العام 1951 باعتباره حميدة، ابن النيل، الشاب المفعم بالأشواق تجاه العاصمة . أما صلاح أبو سيف، فقد قرر بمعاييره التي لا تخيب، تحطيم صورة النجم الشهم، الذي يمثل طوق نجاة للبطلة المغلوبة على أمرها، وأسند له في العام 1953 شخصية موظف حسابات تافه، تكوينه النفسي مهلهل، يستدرج الضحايا إلى وكر ريا وسكينة .

من إخراج توفيق صالح، قدم شكري سرحان بصدق ومهارة، دور عجلاتي، في درب المهابيل ،1955 يتصارع مع سكان زقاق من أجل انتزاع ورقة اليانصيب من يد المعتوه الذي حصل عليها عن طريق المصادفة، بقميصه الكاروهات وبنطاله القديم، وبطريقته العفوية في تعليق الدراجة على الجدار، يعطي مذاق الحقيقة .

كان ذلك ميلاداً على يد ثلاث مدارس فنية لثلاثة من كبار قامات الإخراج في مصر والوطن العربي، لينطلق شكري سرحان بعد هذه المرحلة محصناً بقدرات خاصة وفكر وإبداع اكتسبه من أهم مخرجي السينما المصرية عبر تاريخها .

تخرج شكري سرحان في المعهد العالي للفنون المسرحية عام ،1947 وبعد تخرجه رشح لأول فيلم سينمائي وهو هارب من السجن، غير أن مخرجه استبدل به الفنان فاخر فاخر، وكانت بدايته الحقيقية في السينما مع فيلم نادية عام 1949 إلا أن ذلك الدور المساعد حجز له البطولة أمام النجمة الاستعراضية نعيمة عاكف، حيث قدمه المخرج حسين فوزي للقيام أمامها بالبطولة في فيلم لهاليبو، ثم اختاره المخرج الكبير يوسف شاهين لبطولة فيلم ابن النيل عام 1951 الذي يعتبر الانطلاقة الحقيقية لشكري سرحان في مجال السينما .

امتدت مسيرة شكري سرحان الفنية منذ عام 1949 حتى ،1991 قضاها في عطاء متجدد متنوع، بين أدوار كوميدية وأخرى تراجيدية غارقة في الميلودراما، حتى وصلت أفلامه إلى مئة وخمسين فيلماً، ما بين أفلام البطولة المطلقة . والجماعية، وبين أدوار هامشية في ختام حياته الفنية، وهو ما جعله يعتزل التمثيل في عام 1991 .

من أشهر الأفلام التي قام ببطولتها الفنان شكري سرحان فيلم البوسطجي الذي قدمه للجماهير وأصبح معروفاً لديهم، ثم فيلم رُد قلبي مع الفنانة مريم فخر الدين، الذي نال عنه جائزة الدولة الأولى في التمثيل عام ،1959 ويُعد فيلم شباب امرأة الذي قام ببطولته من أهم أفلامه التي مثلت مصر في مهرجانات عالمية، ومنها مهرجان برلين . ومن أفلامه المهمة أيضاً فيلم النداهة مع الفنانة ماجدة، وفيلم اللص والكلاب مع الفنانة شادية والفنان كمال الشناوي .

ومن الأدوار الخالدة التي أداها شكري سرحان دوره في فيلم الزوجة الثانية مع الفنانة سعاد حسني والفنان صلاح منصور، وفيلم ليلة القبض على فاطمة أمام الفنانة فاتن حمامة، وفيلم قيس وليلى، وفيلم وراء الشمس، والسفيرة عزيزة مع سعاد حسني، وقنديل أم هاشم، وفيلم صراع الأبطال، وأنا حرة، وامرأة على الطريق، وكان آخر أفلامه فيلم الجبلاوي مع الفنان كمال الشناوي عام 1991 .

إضافة إلى ذلك قدم شكري سرحان أعمالاً إذاعية ومسرحية وتلفزيونية، ومن أهم أعماله الإذاعية مسلسل المعدية مع الفنانة كريمة مختار، وفي التلفزيون قدم مسلسلات بيار الملح وملك اليانصيب والمشربية بالإضافة إلي المسلسلين الدينيين على هامش السيرة ومحمد رسول الله . وشارك شكري سرحان في بطولة 7 مسرحيات أهمها: سيرك يا دنيا، رجال الله، وآه يا ليل يا قمر .

ويُعد فيلم شباب امرأة من أهم أفلامه التي مثلت مصر في مهرجانات عالمية، منها مهرجان برلين، كما حصل على جائزة الدولة الأولى في التمثيل عن فيلميه شباب امرأة واللص والكلاب، وحصل على جائزة أحسن ممثل أول عن دوره في فيلم الزوجة الثانية، وفيلم النداهة، وجائزة أحسن ممثل من جمعية السينما عن فيلم ليلة القبض على فاطمة .

تم تكُريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1996م بمناسبة الاحتفال بمرور 100 عام على دخول السينما، وتم اختياره كأحسن ممثل مصري، كما حصل على جائزة المهرجان الآسيوي الإفريقي لأحسن ممثل عن دوره في فيلم قيس وليلى .

وفي عام 1991 اعتزل الفنان شكري سرحان الفن واعتكف في آخر أيامه على قراءة القرآن الكريم، حتى عرف بعشقه للقرآن، بعد تقديمه مسلسل على هامش السيرة، وفي 19 مارس/ آذار من عام 1997 توفي هذا الفنان المبدع تاركاً وراءه أعمالاً خالدة، تم اختيار العديد منها ضمن أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، منها أنا حرة، الله معنا، ريا وسكينة، رد قلبي، اللص والكلاب، بورسعيد، قنديل أم هاشم، السفيرة عزيزة، درب المهابيل، الطريق المسدود، وراء الشمس، جسر الخالدين، النداهة، الزوجة الثانية، ليلة القبض على فاطمة، إحنا التلامذة، عودة الابن الضال، لا تطفئ الشمس، شباب امرأة، وابن النيل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"