صيد "الحجل" هواية وحرفة موسمية بالجزائر

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
الجزائر ناصر الدين السعدي:

يمارس أطفال وشباب من أرياف الجزائر، هذه الأيام هواية متوارثة عبر الأجيال، تحولت إلى حرفة موسمية في العقود الأخيرة، ينتشرون في الغابات والحقول والأحراش بالآلاف لصيد طائر الحجل البري بالطرق التقليدية، يخرجون من بيوتهم بمعدات بسيطة، ويعودون مساءً محملين بعدد كبير من الطيور وحتى الأرانب البرية.
الصيد يفيد في الاستهلاك العائلي ، كما صار مورداً مالياً مهماً، وينتظر الجميع بفارغ الصبر تساقط الثلوج الذي تأخر كثيراً هذا العام ففيه تزيد فرص الصيد بشكل محسوس. ويفتح موسم الصيد البري رسمياً في بداية أكتوبر/ تشرين الأول، ويستمر حتى بداية مارس/ آذار ثم تصير ممارسة هذه الهواية ممنوعة قانوناً لستة أشهر هي مدة التزاوج ربيعاً والتفريخ وتربية الفراخ صيفاً. ولا يحتاج الصيد التقليدي إلى مهارات عالية، مثلما هو الشأن بالنسبة للصيد بالبندقية والقوس، فيكفي هنا تحضير معدات بسيطة مثل الأسلاك المعدنية والألواح الخشبية الرقيقة وخيوط الكرنب لتحقيق صيد وفير خلال ساعات ودون عناء.
يصنع من يمارسون هذه الهواية أدوات الصيد بأنفسهم وهي فخاخ منوعه، ينصبونها في مواقع تتردد عليها أسراب الحجل، بحثاً عن الغذاء خصوصاً في غابات الزيتون والصنوبر والبلوط والخروب وغيرها، ويكون الصيد أكثر وفرة حين تكون الأرض مكسوة بطبقة سميكة من الثلج تخفي كل ما يمكن أن يشكل غذاء للطيور، هنا يعري الصيادون الأرض من الثلج ويزرعون أغذية مفخخة تمسك بالطائر بمجرد تناولها.
ولا يتوقف الإبداع في طرق الصيد، ففي كل عام تجد شاباً أو حتى طفلاً ابتكر طريقة جديدة يتعلمها منه غيره، فتصبح منتشرة وتدخل في السياق العام لما يمكن تسميته «فنون الصيد البري التقليدي». وثمة فخاخ تحتاج إلى الحراسة كونها تتسبب بقتل الطائر أو سرقته من الذئاب والثعالب في حال غفل الصياد، لكن توجد طرق أكثر أماناً وهي بسيطة جداً وصارت الأكثر استخداماً.
يشرح نور الدين، وهو من قرية لعزيب الجبلية بولاية بجاية، طريقة الصيد التي يتبعها، قائلاً: «الأمر بسيط لكن يحتاج إلى جملة من التقنيات يجب أن تجرى بشكل صحيح حتى يتحقق الصيد. فيجب أن تختار وقت نصب الفخ مهما كان نوعه ووضع الطعم بطريقة صحيحة وتوفير الشروط التي تجعل الطائر يتوجه نحو الفخ. فالحجل عموماً يسير لمسافات طويلة على الأرض بحثاً عن الأكل، وهو يسير على أسهل الطرق ويتفادى تجاوز الحواجز. لذلك يكفي أن تضع العوائق أمامه في الاتجاهات الأخرى حتى تجده قصد المكان المفخخ».
ونور الدين البالغ من العمر27 عاماً، حصل على جائزة أفضل صياد تقليدي في منطقته 4 مرات متتالية في السنوات الأخيرة، ويصطاد عادة بفخ مشكل من اللوح الخشبي. وهو عبارة عن قطعتين من اللوح الرقيق بطول 30 إلى 35 سم وعرض 10 إلى 15 سم تركب على إطار حتى تشكل ما يشبه باباً من دفتين، توضع بإحكام مسطحة لتغطي حفرة بعمق 30 سم على الأقل. ويموّه الباب الخشبي الصغير بأوراق الأشجار اليابسة ويوضع حولها سياج من أغصان الأشجار الصغيرة والقش بعلو 10 سم على الأقل على مسافة نحو 20 متراً من كل جانب.
وتوضع حبات القمح أو الذرة أو الزيتون أو أي أكل يمكن أن يتبعه الطائر سيراً إلى أن يمر على الفخ فيقع فيه، وقال نور الدين إن هذه الطريقة تبقي الطائر حياً حتى التقاطه على عكس أنواع أخرى من الفخاخ التي تعرض الطائر للخنق حتى الموت. ويوجد الحجل البري، وهو ألذ أنواع اللحوم على الإطلاق على طول الشريط الساحلي شمال البلاد إلى عمق نحو 500 كلم جنوباً باتجاه الصحراء، ويكرم الضيوف في الريف الجزائري في هذا الموسم بلحم الحجل الذي يؤكل بعد مدة قصيرة من اصطياده، وتنتشر طريقة الصيد هذه في ولايات كثيرة بالشمال مثل تيزي وزو وبجاية وجيجل وسطيف وبومرداس وتيبازا وغيرها.
أما سعيد من شمال ولاية سطيف شرقي البلاد، فيضع الفخاخ على بعد أمتار من داره وبعد مدة يجدها عامرة بطيور وأرانب. يقول: «حدث أن وضعت 10 أفخاخ دفعة واحدة ووجدت معظمها عامراً وأحيانا ينبهني كلب العائلة الذي يبقى عادة خارج البيت إلى أن طيراً أو أرنباً وقع في الفخ. وتكسب عائلات كثيرة أموالاً معتبرة من الصيد البري الموسمي ففي كثير من الطرق الريفية تجد هذه الأيام عشرات من سكان الريف من مختلف الأعمار يعرضون صيدهم للبيع، من طيور الحجل والأرانب البرية حية في أقفاص أو قفف تختار منها التي تريد ويتكرم البائع عموما بذبحها ونزع الريش عنها وسلخها إن طلب الشاري ذلك. وأغلب الزبائن من سكان المدن خصوصاً من ذوي الأصول الريفية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"