عبدالله بن علي الشعفار ترك برحيله فراغاً كبيراً

لآلئ
14:14 مساء
قراءة 10 دقائق

هو من رجالات الدولة الأوفياء لم تغيره الحياة رغم مغرياتها الكثيرة ولم تؤثر في معدنه الأصيل، ورث الكرم والجود والطيبة من آباء له كرام، فتحوا بيوتهم ومجالسهم للقريب والغريب، طاف الدولة شرقها وغربها وشمالها وجنوبها وخبر الحياة التي بانت آثارها في سلوكه وتصرفاته التي صمدت أمام متغيرات الحياة الحديثة فتجد أن المال والثروة لم تغير في طباعه وعاداته فتجده رغم الغنى قمة في التواضع وما زال رغم سنه يعمل بجد واجتهاد ويدير أعماله وتجارته ويسافر في سبيل إنجاحها إلى شتى بقاع الأرض ضاربا فيها في سبيل العمل والكد ويقول إنه كما قال الرسول (ص): في التجارة تسعة أعشار الرزق، وهو موسوعة عامة في تاريخ الدولة وتراثها وإن تسأله في أي مجال من مجالاتها يجبك بما يعرفه ويخبره، وبكل تواضع وصدق يقول لك لا أعرف إن لم تكن لديه إجابة ومعرفة بما سألته، إنه عبدالله بن علي الشعفار رحمه الله الذي انتقل إلى رحمة الله يوم الأحد 12/10/2003 وقد أجرينا معه هذا اللقاء بتاريخ 5/3/1999 .

أنا اسمي ونسبي هو عبدالله بن علي بن سيف بن محمد بن سيف بن شعفار المرر ونحن في الأصل من عشيرة المرر إحدى عشائر قبيلة بني ياس سكان الظفرة منذ مئات السنين، وكان انتقال أكثر المرر من الظفرة إلى دبي في عصر الشيخ زايد بن خليفة في نحو عام 1856 ميلادية وكان أول استقرارنا في دبي في منطقة الرفاعة ومنها انتقلنا إلى اللية بالشارقة وكان ذلك في عهد شيخ دبي الشيخ حشر بن مكتوم في نحو العام 1866 ميلادية .

أم جدي علي بن سيف من الرميثات وأخوالها من آل بومهير ومنهم شمسة بنت مبارك المهيري وخلفان بن مبارك المهيري ومن أهل جدي خلفان بن حويرب المهيري ويقرب لهم من ناحية الأب آل غيث وعتيق بن أحمد المري المعروف ب عتيق المجيدعي أي الطويل كجذع النخلة وأحمد بن حريف .

الكمدة

محمد الكمدة هو أخي من أمي وأبي ولكننا الآن أصبحنا عائلتين إحداهما تحمل اسم العائلة الأصلي وهو الشعفار والأخرى تحمل اسم الكمدة نسبة لمؤسسها وهو أخي محمد بن علي بن سيف الشعفار المعروف ب محمد الكمدة، وسبب التسمية هو أن عائلتنا الشعفار كانت تسكن منطقة جميرا وكان ينزل عندهم البدو من العوامر وكان من شيوخهم حمد وسالم بن علوبة العامري وكميدش بن حمد بن علوبة وأولاده وهم فياض وسالم وعبدالله ونهيان وعلي وسعيد، وكان محمد هذا يلعب معهم ومع أقرانه من صبيان العوامر فتربى عندهم منذ صغره وسموه الكمّاد فلصقت به تسمية محمد الكماد ومحمد الكمدة فعرف بها واشتهر ب محمد الكمدة ومن أولاده اللواء سعيد بن محمد الكمدة نائب قائد عام شرطة دبي وخالد المسؤول بدائرة الطيران المدني وشركة طيران الإمارات بدبي .

كانت جميرا كلها مبنية من بيوت السعف والجريد ولم يكن فيها بيت مبني من الطين سوى بيت الشيوخ والمعروف باسم بالغريفة وهي من المعالم التاريخية في جميرا وهي أقدم أثر باقٍ فيها، والغريفة هي مجلس للشيخ راشد بن سعيد في منطقة جميرا وبنيت الغريفة في نخل عبدالله بن علي بالعبيدة والد السيد/ محمد عبدالله بالعبيدة، وكانت النخل تعرف بنخل أم الشيف حيث سماها بالعبيدة بهذه التسمية نسبة لتشابه زريبة نخله هذه بهير أم الشيف البحري، وهير أم الشيف البحري هو مغاص لاستخراج اللؤلؤ، وكان أطول هير بحري والذي كان يرتاده ابن عبيدة هو وعائلته وجماعته أيام الغوص، وقد اشترت المرحومة الشيخة حصة بنت المر أم الشيخ راشد هذا النخل بعد الوهيلة بسنة تقريبا وتم بناء الغريفة بعد ثلاث أو أربع سنين وقد قالت فيها الشيخة حصة سنة أو سنتين قبل وفاتها عام 1946 ميلادية، وكان وكيل الشيخ راشد في النخل والمسؤول عن الغريفة هو أحمد بن ثالث الحميري من أهالي منطقة جميرا .

عائلة بحرية

رغم أن أصول العائلة بدوية إلا أن لظروف الحياة وتقلباتها أثرها في حياتنا فقد استقر بنا الحال والسكن قرب سيف البحر فلهذا تحولنا إلى أهل بحر وصيد وغوص، وكان البدو قديما يرتادون البحر أيام موسم الغوص فقط ومن ثم يعودون إلى مواطنهم ومنازلهم في البر ويرعون حلالهم وبوشهم، أما من استقر منهم على البحر فأصبح اعتماده الكلي على البحر إضافة إلى حلاله وبوشه إن كان ممن يملك حلالاً وبوشاً ونحن كنا من هذا النوع حيث عمل آباؤنا في البحر والصيد والغوص ولم يتركوا حلالهم وبوشهم بل حافظوا عليها .

كان جدي سيف بن محمد له بيت في جميرا ومجلسه مفتوح للجميع من أهل المنطقة وكل من يمر فيها، وكان يبيت عنده أبناء السبيل .

عملت في الطواشة وهي تجارة بيع وشراء اللؤلؤ كما عمل بها والدي وجدي من قبل وكنت أقصد سفن الغوص لشراء حصيلتهم من اللؤلؤ وكذلك كنت أقصد مراكز تجمع النواخذة والتجار في أبوظبي ودلما، ومن أهل دلما المعروفين، مسعود بن سالم المحيربي والد بطي بن مسعود أحد رجال الشيخ راشد وأصدقائه، وبطي بن خلفون القبيسي، الذي يعتبر أحد شيوخ عشيرة القبيسات، وكذلك محمد بن راشد الشعيبي وفهد بن راشد الدوسري وهم من أهل الإحساء ومن كبار طواويشها وكانوا في كل موسم غوص يحضرون لدلما للبيع والشراء وكان يحضر من أهل الخبرة باللؤلؤ رحمة الشامسي وولده حمد وكذلك دكتور اللؤلؤ المرحوم إبراهيم بن حسن الفردان .

وراشد بن عويشة له فضل كبير على أهل دلما وأهل السفن أيضا، لا ينكرونه ولم ينسوه إلى يومنا هذا، وذلك أنه لم تكن في الجزيرة آبار مياه كثيرة، وما كان موجودا من الآبار فمياهه شحيحة ومالحة نوعا ما، وكانت الأمطار حين تهطل تستقر في أحافير صغيرة، وما أن تمتلئ تلك الأحافير حتى تتسرب بقية المياه إلى البحر، وكان أهل الجزيرة ينشئون سدوداً رملية لإيقاف المياه ومنعها من التسرب إلى البحر، وقام راشد بن عويشة بحفر أخدود كبير ممتد بطول السيف الذي تنحدر منه المياه الفائضة من الأحافير وقام ببناء سد من الحجارة والطين لمنع المياه من التسرب إلى البحر أو إلى باطن الأرض وبذلك حفظ مياه البحر، وزاد مخزون المياه في الجزيرة، فأصبح يكفيهم لطيلة موسم الغوص وما بعده بشهرين أو ثلاثة، بينما كانت المياه تكفيهم في السابق لمدة شهر ونصف الشهر أو شهرين إن زادت المدة .

صناع دول

في شبابي لزمت المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراه وصرت من رجاله ودائما معه في كل تحركاته وكان معنا الكثير من الرجال القريبين من المرحوم الشيخ راشد أمثال الشيوخ عبيد ومكتوم وحمد عيال الشيخ جمعة بن مكتوم وكذلك خرباش المرر وخميس بالجافلة والكثير من الربع وكنا له مثل ظله لا نفارقه إلا وقت نومه حيث نكون من صلاة الفجر إلى أن يقوم من مجلسه الليلي وقد شهدنا على كثير من أمور حياته وفترة حكمه التي تعتبر من أعجب فترات الحكم في المنطقة حيث صنع هذا الرجل إمارة وشارك في صنع دولة مع المغفور له بإذن الله أخيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، يحكي بها كل العالم ونحن فخورون جدا بكوننا من رجال هؤلاء الشيوخ والحكام .

وشهدت المنطقة في وقت شبابنا الكثير من الأحداث السياسية التي ألقت بظلالها على المنطقة بأسرها ومنها دبي التي شهدت ظروفاً صعبة توجب من أهل المنطقة أن يأخذوا حذرهم ويتأهبوا لكل طارئ وكنا نحن من الرجال الذين سهروا على تأمين الأمن والدفاع عن المدينة إلى أن زال الخطر وانقشعت الغيوم وحل الأمن والأمان في المنطقة كلها، وقد قام المرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم أثناء تلك الظروف ببناء العديد من الأبراج والمربعات على أطراف دبي للمراقبة والحماية، إضافة إلى الكثير من تلك الأبراج والمربعات القديمة التي كانت مبنية في الأصل .

مربعة بناها الشيخ عبيد بن جمعة مكتوم بن حشر آل مكتوم في نهاية منطقة الشندغة في موقع المطاحن حالياً قرب دوار الصقر، وذلك في العام 1358 هجرية الموافق للعام 1939 ميلادية وذلك بُعيد أحداث ديرة المعروفة، وعُرفت بعد ذلك بمربعة عبيد بن جمعة، وهو الشيخ عبيد بن جمعة بن مكتوم الذي بنى له بيت بقرب هذه المربعة وكان عبارة عن بيت مبني من السعف والجريد .

تم بناء حصن نايف بعد الوهيلة مباشرة وكان عبارة عن سور يعلو ارتفاعه أربع أقدام فقط وبه مربعة واحدة وذلك لتكون مركزا لقوات الشيخ راشد ولتكون حصنا منيعا للرجال والذخيرة ومركز الحماية لمنطقة ديرة ومن ثم أصبحت مركزاً لقوة ساحل عمان وشرطة دبي بعد ذلك وبنيت الإضافات فيها في مراحل لاحقة وتغير شكلها القديم إلى ما عليه الآن .

وفي فريج السودان كانت مربعة الخقاق وهي نسبة إلى رجل يسمى عبدالله الخقاق السويدي وكان قائما عليها وكان يعرف بلقب الخقاق نسبة إلى رجل كان قبله يمسك المربعة فلصقت تلبوقته (لقبه) بهذا الرجل .

وتنسب مربعة مريم بنت حشر إلى الشيخة مريم بنت حشر وهي بنت الشيخ حشر بن مكتوم بن بطي حاكم دبي (1859 - 1886) وكانت المربعة ضمن حوطة بيتها التي كانت مبنية ومحوطة من سعف النخل فعرفت المربعة بها .

برج نهار

ينسب هذا البرج للموقع الذي بني فيه وهو منطقة نهار وقد اختلفت الآراء حول معنى وسبب تسمية الموضع بهذه التسمية نهار فمنهم من قال إن السبب يعود لقائد حربي سعودي يسمى (نهار) قتل ودفن في هذا الموقع وآخرون يقولون إن المنطقة تحمل اسم نهار منذ القدم .

وكان برج ابن غرير من أبراج سور دبي القديم والذي تهدم بفعل الزمن والتوسع العمراني لمدينة دبي وكان قابعا قرب شاطئ البحر في منطقة أم هرير في موقع القنصلية البريطانية ببر دبي حالياً وقرب بناية قرقاش، وعرف بهذه التسمية نسبة إلى أحمد بن ماجد الغرير الذي كانت ترسو سفنه بالقرب منه وكان بحارة سفنه يضعون شباكهم وحبالهم وأغراضهم في هذا البرج فعرف ببرج ابن غرير نسبة إليه وتظهر بقاياه في صورة لمدينة دبي ملتقطة من الجو عام 1950 ميلادي .

وبرج عبداللطيف كان يقبع وسط براحة فريج البستكية وعرف بهذه التسمية نسبة إلى رجل سكن بقربه يسمى عبداللطيف وكان هذا البرج لايزال باقيا في الثلاثينات من هذا القرن وأخذ بالسقوط إلى أن بقي نصفه وكان موجودا إلى بداية عقد الستينيات حيث أزيل نهائيا عند تعبيد الطرق وتنظيم المدينة وله أثر واضح وبقية في صورة دبي القديمة الملتقطة عام 1950 .

نقفة بن مسعود

مسعود بن سالم المحيربي أحد أعلام جزيرة دلما وشبه مقيم فيها، وهو والد محمد وبطي، وابنه محمد بن مسعود هو والد أحمد وعبدالله ورحمة، وبطي بن مسعود معروف في دبي ومن رجالات المرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم .

في إحدى مواسم الغوص اشترى مسعود بن سالم نقفة وهي عبارة عن صدفة فيها بروز ونتوء بارز يُحتمل أنه محتوى على لؤلؤة أو طين أو حصاة أو أي شيء، وقد اشتراها بمبلغ 500 روبية، وهو مبلغ كبير يدفع في نقفة في ذلك الزمان .

ظلت النقفة لديه مدة شهر لم يكسرها ليجد ما بها ولم يبعها لأي شخص آخر حيث لم يُدفع فيه سعر مناسب أو حتى وصلت إلى رأس مالها الذي اشتراها بها، فلم يبعها مسعود بن سالم وظلت لديه إلى أن وصل أحد التجار الإحسائيين من الدواسر وهو محمد بن راشد الشعيبي، وهو تاجر لم تكن خبرته كبيرة في تجارة اللؤلؤ وليس له باع طويل في عالمه، وقد وصل وموسم الغوص قد مضى أكثر من نصفه، وجاء ليشتري ما لدى التجار من لؤلؤ ويعود به إلى بلده .

وكانت عادة التجار الإحسائيين أن ينزلوا في الجزيرة في غرف تقع في أطراف بعض البيوت أو في بيوتٍ خالية قد رحل عنها أصحابها لقضاء موسم الصيف في ليوا أو العين أو أي من المصايف .

محمد الشعيبي نزل إلى الجزيرة، وكان أول من تقابل معه هو مسعود بن سالم المحيربي، وسأله الشعيبي عن الموسم فقال له إن النواخذة قد باعوا والطواويش قد اشتروا، وسأله الشعيبي عن بيعه وشرائه، فقال له المحيربي إنني لم أشتر سوى نقفة وإنني قد إدخرتها لنفسي ولم أكسرها ولم أبعها لأنه لم يدفع فيها كل من رآها الثمن المناسب أو حتى رأس مالها، فقال له الشعيبي إني أرغب في رؤيتها، فأحضرها مسعود وأراه إياها، فقال الشعيبي قل تم، فقال مسعود تم، فاشترى الشعيبي النقفة وعاد قافلا إلى بيته وقام بكسر النقفة وإذا بها دانة كاملة الاستدارة، فخرج من بيته مسرورا متوجها إلى خبراء اللؤلؤ وهم رحمة الشامسي وولده حمد وإبراهيم بن حسن الفردان وعبيد بن مكي وغيرهم ممن يوجدون في الجزيرة في مواسم الغوص، فقام إبراهيم بن فردان بمعاينتها وقام بتنظيفها وإزاحة القشرة عنها فإذا بها من أجود أنواع الدانات واللآلئ ، وحضر فهد الدوسري أحد التجار الإحسائيين واشتراها بمبلغ 25 ألف روبية، وما أن قبض محمد الشعيبي الثمن حتى عاد قافلا إلى الإحساء من دون أن يكمل الموسم في دلما، وفي طريق عودته مر على الهفوف واشترى هناك نخلا بمبلغ 3 آلاف درهم وسمّاها نخل المسعودي نسبة إلى مسعود بن سالم المحيربي الذي اشترى منه النقفة، ومن ثم اشترى نخلا أخرى سمّاها أم عويرض نسبة إلى الهير الذي تم منه استخراج النقفة التي فيها دانة السعد .

ومن أهل دلما المعروفين ابن خلفون بطي بن خلفون القبيسي، الذي يعتبر أحد شيوخ عشيرة القبيسات، وراشد بن عويشة، وراشد بن عويشة هذا له فضل كبير على أهل دلما وأهل السفن أيضا، لا ينكرونه ولم ينسوه إلى يومنا هذا، وذلك أنه لم تكن في الجزيرة آبار مياه كثيرة، وما كان موجوداً من الآبار فمياهه شحيحة ومالحة نوعا ما، وكانت الأمطار حين تهطل تستقر في أحافير صغيرة، وما أن تمتلئ تلك الأحافير حتى تتسرب بقية المياه إلى البحر، وكان أهل الجزيرة يبنون سدوداً رملية لإيقاف المياه ومنعها من التسرب إلى البحر .

وقام راشد بن عويشة بحفر أخدود كبير ممتد بطول الشاطي الذي تنحدر منه المياه الفائضة من الأحافير وقام ببناء سد من الحجارة والطين لمنع المياه من التسرب إلى البحر أو إلى باطن الأرض وبذلك حفظ مياه البحر، وزاد مخزون المياه في الجزيرة، فأصبح يكفيهم طوال موسم الغوص وما بعده بشهرين أو ثلاثة، بينما كانت المياه تكفيهم في السابق لمدة شهر ونصف الشهر أو شهرين إن زادت المدة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"