عبد الجليل الفهيم.. رجل دولة من طراز فريد

جهز من ماله الخاص حملات إغاثة في الظروف الطارئة
00:32 صباحا
قراءة 4 دقائق
أبوظبي: سلام أبو شهاب

عبدالجليل بن محمد الفهيم رحمه الله من جيل العشرينات ولد في أبوظبي سنة 1339ه - 1919م، ونشأ في كنف أسرة صغيرة ما لبثت أن تحولت إلى عائلة ممتدة، وكان رب الأسرة التاجر والوجيه محمد بن عبدالرحيم محباً للعلوم الدينية والأدب، يهوى القراءة والمطالعة في دواوين الشعراء الفطاحل فنشأ أبناؤه على ذلك وتعودوا حب العلم منذ الصغر.

حب العلم

تلقى عبد الجليل الفهيم تعليمه الأول على يد والده محمد بن عبدالرحيم الفهيم الذي اشتهر بالعلم والأدب، ثم واصل مسيرة تعليمه على أيدي علماء الدين والفقهاء، فنشأ صبياً محباً للعلوم والثقافة الإسلامية والأدب العربي في المدارس الدينية.
يعتبر عبدالجليل الفهيم من أصدقاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وبدأت صداقتهما منذ الأيام الأولى لنشأتهما في مدينة أبوظبي، واستمرت العلاقة بينهما وتوطدت بعد ذلك بصداقة قوية بعد انتقال عبدالجليل الفهيم في أواخر الثلاثينات للعمل إلى جانب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مدينة العين.
وما من أمر أصدره المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلا وكان عبدالجليل الفهيم أول المسارعين إلى تنفيذه ليقتدي به الناس، بعد ذلك حسب ما هو مطلوب منهم، وأثناء التداولات والاجتماعات التمهيدية التي كانت تعقد سعياً لقيام الاتحاد، كان عبدالجليل من الرجال الذين تحمسوا لفكرة الاتحاد وسارعوا إلى بناء جسور المحبة، وثمن الحكام وأولياء العهود هذا العمل الوطني والحلم القديم الذي كان يراود الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان منذ أن تولى مقاليد الحكم في أبوظبي سنة 1966م.

ونظراً لما كان يتمتع به عبدالجليل الفهيم من خلق حميد وحسن المعاشرة والذكاء فقد اختاره الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ليكون قريباً منه ليستعين بمهاراته في مكتبه بقلعة المويجعي، حيث كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، ولبى عبدالجليل الفهيم التكليف وذهب إلى العين وبكل التفاني والإخلاص نفذ كافة المهام التي كان يكلفه بها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حتى غدا عبدالجليل الفهيم الممثل الشخصي للشيخ زايد الذي يحمل توجيهاته إلى حكام وشيوخ القبائل والوجهاء والأعيان.

مجلس التخطيط

في بداية تولي المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه مقاليد الحكم أسس الدوائر والمؤسسات الحكومية التنموية، وشكل مجالس إدارتها من بعض الشخصيات المعروفة في أبوظبي، وكان على رأس من تم اختيارهم لمهمة التطوير والتغيير في البلاد عبد الجليل الفهيم، فقد اختاره الشيخ زايد بن سلطان على رأس مجلس التخطيط الذي أمر بتأسيسه في العام 1968، وكان هذا المجلس يهدف إلى نهضة أبوظبي في مجالات المعرفة والصحة والزراعة والصناعة والمواصلات والبلديات والإسكان والعمل والسياحة والمباني العامة والقروض الاستثمارية، وضم المجلس اثني عشر عضواً يمثلون مختلف القطاعات وهم حسب المرسوم رقم (14) الصادر عن حاكم أبوظبي بتاريخ 20/3/1968 (عبد الجليل الفهيم - خليفة اليوسف - خادم بن بطي - محمد الملا - سلطان بن عويس - محمد الكندي - رحمة المسعود - سلطان بن مطر - يوسف الصائغ - خلف العتيبة - مانع العتيبة - محمد حبروش السويدي).
وفي أواخر الستينات اختير عبد الجليل الفهيم لرئاسة والي البعثات التي ذهبت للتعاقد مع المعلمين الأردنيين للعمل في مدارس أبوظبي آنذاك، وعندما فتحت المدارس كان يزورها ويتابع التعليم، ويجلس مع المعلمين ليطمئن على أحوالهم ويسعى إلى تسهيل أمورهم واستقرارهم في البلاد.
و في سنة 1968 شكل المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لجنة (الأراضي والتعويضات) تتألف من عدد من الشخصيات: (عبد الجليل الفهيم - خليفة يوسف - أحمد المسعود - ثاني بن مرشد - راشد بن عويضة - هامل بن خادم بن غيث - يوسف الصائغ ). وتولت هذه اللجنة عملية تنفيذ المشاريع الكبرى في أبوظبي، واختيار الأماكن والطرقات، وتثمين المنازل والأملاك المتضررة من التخطيط وتعويض أصحابها، وقامت اللجنة بدور كبير سنة 1968م في تخطيط المدينة واقتراح المشاريع والمباني الحكومية.

نشاط تجاري

وكما عرف عن عبدالجليل الفهيم التميز والتفوق الدراسي عرف بتميزه التجاري، حيث كان ملماً ببعض خبرات النشاط التجاري التي أخذها عن والده التاجر محمد بن عبدالرحيم الفهيم، ونظراً لكثرة أسفاره للخارج وإطلاعه على ما يجري في العالم المتقدم وبنظرته المستقبلية وطموحه نحو التجديد والتحديث طور تجارته معتمداً على مبلغ زهيد أسس به شركته الخاصة لبيع قطع غيار السيارات في أبوظبي وأطلق عليها آنذاك اسم متجر العرب، وفي أواخر العام 1962 وقع عبدالجليل الفهيم اتفاقية الوكالة مع شركة مرسيدس وتمكن أبناء عبدالجليل الفهيم من الحفاظ على تماسكهم وتطوير أعمالهم وتجارتهم بثقة واقتدار لتصبح مجموعة شركات الفهيم واحدة من أهم الشركات التجارية في الدولة.

مساعدة المحتاجين

طوال رحلة كفاحه ونجاحه لم ينس عبدالجليل الفهيم أنه نشأ في رحاب أسرة كريمة تلتزم بالتقاليد والأعراف العربية الأصيلة والقيم الدينية الإسلامية السمحة وهي القيم التي زرعت بداخله منذ طفولته وصباه قيم الخير والإحسان، وعندما أنعم الله عليه بنجاح تجارته وهب حياته وماله لمساعدة المحتاجين وأعمال الخير فبنى على نفقته الخاصة العديد من المدارس والمساجد والمستشفيات والمساكن في الكثير من دول العالم، كما أخذ على عاتقه وطوال حياته طباعة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والعديد من الكتب الدينية بعدة لغات، كما كان يسهم من ماله الخاص في تجهيز حملات الإغاثة في الظروف الطارئة، فاستحق الإعجاب والتقدير ونال عشرات الجوائز مثل جائزة أبوظبي للتميز وجائزة يوم العلم، وكذلك أوسمة من ألمانيا والعراق وتونس والأردن والمغرب ومصر والعديد من الدول.

وإحياء لذكرى عبدالجليل الفهيم رحمه الله ووفاء لمسيرته في العطاء خصص أولاده جائزة تليق بمقام والدهم البار وبطلاب العلم المتميزين من أوائل الثانوية العامة، حيث أسس أولاده جائزة عبدالجليل بن محمد الفهيم للتفوق العلمي في منتصف مايو/ أيار من العام 1997 إحياءً لذكرى والدهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"