عكرمة بن أبي جهل.. شهيد اليرموك

ساعاتهم الأخيرة
02:34 صباحا
قراءة 4 دقائق

نتوقف الآن مع اللحظات الأخيرة في حياة صحابي جليل، اتسم بالشجاعة والكرم، وكان يفكر كثيراً في تلك الجاهلية التي كان يعيشها، ودائماً كان يتأمل كيف يمكن أن تتحول تلك القلوب الميتة والضمائر الخربة إلى قلوب وضمائر حية تسير مع الحق أينما سار؟ وبعد أن أسلم وحسن إسلامه، انطلق يدافع عن هذا الدين في كل غزوة وحرب، وكان دائماً يتمنى الشهادة في سبيل نصرة الدين الإسلامي. إنه الصحابي العظيم عكرمة بن أبي جهل.. شهيد اليرموك.

ومع أنه كان قبل الإسلام من أشد أعداء الرسول، صلى الله عليه وسلم، غير أنه عندما جاء ليعلن إسلامه، وعانقه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال له: مرحباً بالراكب المهاجر، زالت عداوته المستعرة لينهي صحيفة سوداء ويبدأ أخرى من أروع الصفحات.

وتأخذ التوبة كل ذرة من روح الرجل، فلا يرى بعدها إلا وهو لا يفارق المصحف يقرأ فيه، ثم يبكي قائلاً: كتاب ربي ولا يلمح إلا ساجداً لله راكعاً.

مبايعة على الموت

وتجسدت اللحظات الأخيرة في حياته - رضي الله عنه - في معركة اليرموك، فقد كان عكرمة صقراً مباغتاً على أعداء الإسلام، الى الدرجة التي جعلت خالد بن الوليد قائد جيوش المسلمين في المعركة، وابن عمه، يحاول منعه من التهور في القتال حتى لا يقتل فيؤذي ذلك نفوس المسلمين. لكن عكرمة لم يتوقف عن القتال، بل وقف يومها وفي اللحظات الأخيرة من حياته، يقول: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل موطن وأفر منكم اليوم؟ ثم نادى: من يبايعني على الموت؟. فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور وابنه عمر بن عكرمة في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا أمام فسطاط خالد.

وكان عكرمة يواجه الأسنة والرماح حتى جرح وجهه وصدره، فقيل له: اتق الله وارفق بنفسك. فقال: كنت أجاهد بنفسي عن اللات والعزى فأبذلها لهما، أفأستبقيها الآن عن الله ورسوله.. لا والله أبدا. وأشتد القتال وهجم عكرمة ومن معه هجمة أخيرة، استشهدوا فيها جميعاً، ما عدا ضرار بن الأزور.

وحمل عكرمة وابنه عمر إلى خالد بن الوليد، فوضع رأس عكرمة على فخذه ورأس عمر على ساقيه، وقطر في حلقيهما الماء.. وقال: زعم ابن حنتمة (أي عمر) أنا لا نستشهد.. وكيف؟ ألم يدفع بنو مخزوم هذا الثمن العظيم.. دم عكرمة وابنه وعمه؟.

وفي بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جلست أم سلمة تحدث عن الرسول، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت لأبي جهل عذقاً في الجنة فلما أسلم عكرمة قال: يا أم سلمة.. هذا هو.

ونادى المنادي في المدينة: استشهد عكرمة واستشهد ابنه عمر وعمه الحارث. وصمت الناس.. فقد كانت في حياته آية.. آية الضمير المعذب المرهف، حين انكشفت له الحقائق وآمن، وأدرك بروحه الحساسة قدر خطيئته الماضية، فأراد أن يطمس آثارها ما استطاع.. فصلى وصام وأنفق وجاهد.. ثم بعث نهراً من دمه ودم قومه بدد آخر صخور الخطايا..

وهكذا نام ابن أبي جهل مطمئناً آخر الأمر.. فقد لحق بالصديقين والشهداء وتبوأ مكانة في الجنة مع من سبقوه.

عبد الله بن العباس

يروى أنه لما كانت اللحظات الأخيرة في حياة الصحابي الجليل وحبر الأمة عبد الله بن العباس، راح يوصي ابنه ويقول: إني موصيك بحب الله وحب طاعته، وخوف الله وخوف معصيته، وإنك إذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك. وقال سالم بن أبي حفصة: عن أبي كلثوم: إن ابن الحنفية لما دفن ابن عباس، قال: اليوم مات رباني هذه الأمة. ولما بلغ جابر بن عبد الله وفاة ابن عباس صفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: مات أعلم الناس وأحلم الناس، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق. فرضي الله عن عبد الله بن العباس وعن سائر الصحابة أجمعين.

إبراهيم النخعي

ويروى أن الساعات الأخيرة في حياة العابد الجليل إبراهيم النخعي، رضي الله عنه، جاءت صعبة ومؤثرة، فقيل: إنه لما احتضر، جزع جزعاً شديداً، قيل له في ذلك، فقال: وأي خطر أعظم مما أنا فيه؟ أتوقع رسولاً يرد عليّ من ربي إما بالجنة وإما بالنار، والله لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة.

وكان العابد الجليل إبراهيم النخعي يروي أن الصحب الكرام كانوا يستحبون للمريض أن يجهد عند الموت، ويقول عمران الخياط - رحمه الله -: دخلنا على إبراهيم النخعي نعوده، وهو يبكي، فقلنا له: ما يبكيك يا أبا عمران؟ قال: أنتظر ملك الموت، ولا أدري أيبشرني بالجنة أم بالنار؟! (أورده الذهبي في السير، وابن خلكان في وفيات الأعيان).

وأشار أبو نعيم في الحلية وابن الجوزي في صفة الصفوة، الى أن ابن الحبحاب قال: كنت ممن صلى على إبراهيم النخعي ليلاً، ودفن في زمان الحجاج، ثم أصبحت فغدوت، فقال: دفنتم ذلك الرجل الليلة؟، قلت نعم. قال: دفنتم أفقه الناس. قلت: ومن الحسن؟! فقال: أفقه من الحسن، ومن أهل البصرة، وأهل الكوفة، وأهل الشام، وأهل الحجاز.

وقد اختلف في تحديد سنة وفاته بين خمس وتسعين، وقيل ست وتسعين، وذلك في الكوفة من العراق، وهو ابن نيف وخمسين سنة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"