عُمرة رمضانية غيّرت مسار حياتي

داوود جلاجل أحد رواد الفن الأردني:
02:54 صباحا
قراءة 4 دقائق
عمان:ماهر عريف

بعيداً عن أضواء الشهرة، ومواقع تصوير المسلسلات واللقاءات الفنية يلوذ الممثل الأردني داوود جلاجل بنفحات إيمانية خاصة داخل منزله في عمان، ويُمضي شهر رمضان وحيداً للسنة السادسة على التوالي منذ وفاة زوجته «نهاد»، واستقلال ابنه الأكبر «ليث» مع شريكة حياته وسفر الأصغر «غيث» للعمل.

جلاجل «69 عاماً» هو أحد رواد الفن الأردني يفوق رصيده 230 عملاً درامياً ومسرحياً وفيلماً ثلثها على الأقل دينية وتاريخية، ورغم اندراجه في أسرة انتهجت تعاليم شرعية بالفطرة، لكنه يؤكد أن فهمه لأصول الإسلام أسهم في تهذيب سلوكياته وحُسن معاملته للآخرين والرضا برزقه وندمه باكياً على خطايا شبابية، لافتاً إلى عُمرة رمضانية مُفاجئة قبل نحو 15 عاماً غيرت مسار حياته. وُلد جلاجل في قرية «سلوان» في مدينة القدس عام 1947 ضمن 13 أخاً وأختاً وتعلم من والده عامل البناء قيمة العطاء والصبر والقبول بما قسمه الله، وذلك عبر مشاهدته يومياً نهوض الأب منذ الصباح الباكر وممارسته مهنته من دون امتعاض، وعودته ليلاً فرحاً ومقتنعاً بأجره، وعند انتقال الأسرة إلى العاصمة الأردنية عمان كانا يذهبان نهاية كل أسبوع إلى القدس قبل احتلالها لزيارة الأقارب والتردد على المسجد الأقصى، وهناك التقى جلاجل الطفل حينها المقرئ الراحل عبد الباسط عبد الصمد، وقبل يده بعدما تمكن من المرور بين صفوف الازدحام بذريعة صغر سنه، وعاد سعيداً وصار حريصاً على التلاوة المُتقنة ،ما أسهم في تقنين اهتماماته.

مطلع ستينات القرن الماضي كان جلاجل يُرافق بعض أصدقائه في «حي المهاجرين» إلى المسجد الحسيني الأقدم والأبرز وسط عمّان لأداء الصلوات وقراءة القرآن وكتب السيرة النبوية والتفسير خلال شهر رمضان قبل العودة إلى البيت وانتظار صوت المدفع للاجتماع العائلي حول المائدة بحضور عمّاته أحياناً ويعرف موعد السحور حين تهّم والدته بتجهيز الطعام على موقد صغير مادته «السولار» وتُشرع في إيقاظهم.

التزام مبكر

يقول: افتقد تلك الذكريات التي رسّخت لدي تلقائياً أهمية الالتزام بتعاليم الشريعة وأداء الفرائض منذ الصغر ووجوب صلة الرحم والتسليم بقضاء الله وقدره وشكره على نعمه .
يضيف: تخرجت في الجامعة حاملاً ليسانس الحقوق، وبسبب قراءتي الدائمة للقرآن الكريم أجدت اللغة العربية الفصحى ومارست الفن كهواية أثناء الدراسة ثم احترفته لاحقاً، وجسدت «أبو حنيفة النعمان» عبر 14 مشهداً فقط ضمن مسلسل «أبو جعفر المنصور» وكان أحد أهم أدواري وشاركت في 42 عملاً دينياً مع الزملاء اللبنانيين، عدا تجارب أخرى أردنية وعربية.

رحلة مفاجئة إلى جدة

يتابع: عام 2001 تلقيتُ دعوة للمشاركة في برنامج رمضاني على شاشة التلفزيون السعودي، ومن دون إرهاصات سابقة أو تخطيط مقصود طلبت منهم فور انتهاء الحلقة تحويل تذكرة السفر من الرياض إلى جدة لأداء العُمرة قبل التوجّه إلى عمّان وفور وصولي الديار المقدسة انتابتني نفحات روحانية لم أشعر بها قبلاً غيّرت مسار حياتي إلى الأفضل عبر المحافظة عليها والرغبة الدائمة في العودة إلى المكان نفسه وتشذيب تصرّفاتي في علاقتي مع الخالق والناس.يسترسل:لا شك أن تلك المقومات ساعدتني في التعامل مع تقلّبات الحياة ،وفي مرحلة معينة لم أتلقَ عرضاً واحداً للمشاركة في عمل رغم تصوير عدة مسلسلات وقتها، وسألتُ زوجتي آنذاك «هل أنا مجرّد كذبة فنية؟» وسريعاً امتثلت لطلبها بتسليم أمري لله والدعاء بقلبٍ يؤمن بالاستجابة وفي اليوم التالي جاءني اتصال من منتج للانضمام إلى تجربة جديدة، وتكرر ذلك معي عندما عانت الحركة المهنية من جمود ولأول مرة يتراكم قسط الجامعة المستحق على دراسة ابني وخلال ساعات دعاني تلفزيون الكويت للإطلالة في برنامج جماهيري على الهواء مباشرة بمقابل مادي يعادل ستة أضعاف القسط، وتوليت تقديم مسابقات ثقافية وترفيهية فور رجوعي إلى عمان ،ما أضاف مصدراً آخر للدخل ثم غادرت للعمل في مسلسل عربي مشترك.ويؤكد جلاجل انسحاب ذلك على مواجهته المصائب عبر تقبله وتسليمه بقضاء الله، مع دعائه اللطف فيه. ويعقب: أصعب خبر تلقيته وفاة أبي ومرض أمي قبل تماثلها تدريجياً للشفاء وكُنتُ اتهجّد لله متوسلاً التخفيف عن زوجتي بعدما لازمها الإعياء سنوات وعانت جلطتين وكانت مؤمنة وواثقة أن ذلك بمثابة كفارة لها في الدنيا نحو مكسب أوسع في الآخرة.

أجواء مختلفة

جلاجل ورغم افتقاده زوجته ومعايشته وحيداً ذكريات تحضيرات الإفطار والسحور والزيارات العائلية معها، يحرص على توفير أجواء روحانية في منزله والتردد على ابنه وشقيقاته واحتضان والدته والإبقاء على تفاصيل رمضانية شعائرية تواكب الصوم إلى جانب أداء صلاة التراويح.
يقول: أفضّل الحصول على استراحة بعيداً عن مواقع التصوير لأمضى الشهر الفضيل في العبادة وقراءة القرآن الكريم، ومحاولة ختمه أكثر من مرة،وأرمّم علاقاتي الاجتماعية مع أقاربي ومعارفي والآخرين.وعن قراءاته ومتابعاته الدينية عموماً يعلق:كُنتُ اعتقد في مرحلة سابقة أن الإصدارات الدينية تُضيق الأفق، ثم تبين لي عدم صحة ذلك مع أهمية الاختيار الهادف، ومن قراءاتي شبه الدائمة في هذا السياق الأحاديث القدسية ومختار الصحاح وسيرة الأنبياء ولا أتابع عادة البرامج ذات الصلة، لكنني أتوقف عندها حسب أهمية الموضوع والواعظ وأسلوبه
ويضيف: أُقبل على سن السبعين وأدرك أن الأعمار بيد الله، وأعتقد أنني مستعد للحساب ارتكازاً على رحمة المولى التي وسعت كل شيء وأمنيتي الوحيدة قبل رحيلي أداء فريضة الحج، وهذا ما أسعى إليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"