قراءة في تاريخ السينما اليابانية

كتاب يتناول سيرة حياة المخرج كينجي ميزوغوشي
19:10 مساء
قراءة 5 دقائق

قليلة هي الكتب المترجمة إلى العربية حول تاريخ اليابان السياسي والاجتماعي، وعن كيفية انتقال المجتمع الياباني من الاقطاعيّة إلى الحداثة والديمقراطية، عن المآسي التي عاشتها اليابان، والعادات والتقاليد وعن دور المرأة في حياة الأسرة والمجتمع، ونوع التضحيات التي قدمتها، يمكن للقارئ أن يجد ذلك -وإن بشكل مختصر- في كتاب كينجي ميزوغوشي وفن السينما اليابانية، الصادر حديثاً عن وزارة الثقافة السورية، يقع الكتاب في 301 صفحة من القطع الكبير، تأليف: تيداو سيتو، ترجمة: عبدالله ميزر) . يتناول فيه حياة أعظم المخرجين اليابانيين، الذي استطاع بموهبته العالية وجهده الدؤوب التعامل مع الحياة اليابانية بأشكالها وتعقيداتها كافة في أفلامه .

ينقسم الكتاب إلى اثني عشر فصلاً، مابين طفولته ونشأته وأفلامه ومراحل وتطور الصناعة السينمائية في اليابان . يعرض المؤلف طفولة ميزوغوشي، والمراحل التي مرّ بها حتى وصل إلى عمله في الإخراج، وكان معروفاً أنه لم يكن يروق له أي عمل، وكان هذا يقلّل من شأنه اجتماعياً، ذلك أن المجتمع الياباني ينظر إلى المرء ويقدّره بما يعمله ويحسنه . ولكنه لم يكن يشعر بذلك الشغف في الأعمال التقليدية، إلى أن راق له عمله كمساعد مخرج، رغم أنه لم يكن من المرغوب مجتمعياً العمل في مهن مرتبطة بالفن والتمثيل حينها . وكان أمراً طبيعياً أن يعمل في هذه المهن ممّن لهم خلفيات اجتماعيّة قليلة الشأن، ولم يكن عمله متعلقاً بالإخراج، بل كان متعدد المهام متعلقاً بإجراءات التصوير، حتى أن المخرج نفسه الذي لم تكن له علاقة بتوجيه أداء الممثلين، أو ابتكار تقنيات سينمائية جديدة كما الآن، كان يعمل وفق ماهو مخطط له فقط .

صنع ميزوغوشي ستة وثمانين فيلماً بين عامي (1922-1956)، ومن أفلامه التي عبرت عن التقاليد الجمالية الآسيوية حياة أوهارو، الذي يعدّ من أعظم الأفلام التي صنعها كينجي ميزوغوشي مع يودا يوشيكاتا وتاناكا كينويو، وهو أيضاً من أفضل الأفلام في تاريخ السينما اليابانيّة، تدور قصة الفيلم حول سيدة تفقد مكانتها في البلاط الإمبراطوريّ لتصبح مومساً، لكنها ترفض الاستغلال وتحتفظ بكبريائها، وتنتقل بين مهن متعددة . يهدف ميزوغوشي في هذا الفيلم إلى إظهار قوة المرأة وكبريائها، متخطياً بجماله حدود موضوع المساواة بين الجنسين . وفاز هذا الفيلم بجائزة أفضل مخرج في مهرجان البندقية للأفلام في (1952)، مما أعطى إحساساً كبيراً بالثقة عند ميزوغوشي . وصنع في السنة التالية أوغيستا وفي السنة التي بعدها الحاكم سانشو، وفاز كلاهما بجائزة الأسد الفضيّ في مهرجان البندقيّة للأفلام، وأصبح اسمه معروفاً على المستوى العالميّ .

وتتعامل بقية أعماله مع تجربة الناس المؤلمة المترافقة مع عملية الحداثة، وزاوجت بين الألم والرغبة، وأظهرت ضرورة التخلص من التسلط والاضطهاد الإنساني، كما تحتل المرأة الجزء الأكبر من أفلامه، حيث كان اضطهاد النساء يشكل له أرقاً كبيراً . تناول حياة النساء اللواتي كرّسن حياتهن لمساعدة الرجال ذوي الإرادة الضعيفة . . نساء ذوات أرواح لاتقهر، ويملكن من القوة مايجعلهن يتحملن أكبر المآسي، وإن بدا عليهن الضعف في بداية الأمر . ومبعث هذا التعاطف بدأ مع أخته، التي آوته وقدمت له الكثير في أسوأ ظروفه . كانت أخته سوزو غيشا، تعيش كزوجة لأبناء أحد الاقطاعيين . استلهم الكثير من أفلامه من حياتها، خاصة الأفلام التي تدور حول مجتمع الغيشا وبنات الليل، وليس هذا فقط بل لأنه كان يتعامل كثيراً مع المومسات في حياته الشخصية أيام صباه، وكان على دراية كبيرة بتفاصيل حياة الغيشا والمومسات، وكان يعرف عنه أنه كان يشعر بخجل كبير عند الحديث مع النساء المحتشمات، وهي سمة تشاركها مع الرجال اليابانيين الكبار . كمالم يتسبب بأي فضحية لأي من الممثلات العاملات معه . ويقول المؤلف: لطالما النساء كنّ متخوفات، لكن لم يكن ميزوغوشي شخصاً تافهاً بطبيعته ولامستبداً أيضاً، فقد كان هوسه الوحيد هو سعيه للنجاح وصناعة اسم لنفسه . وأشهر هذه الأفلام شارع العار ونساء الليل ومرثيّة أوساكا ومدينة الرغبة ونساء قويات ومآزق الحب والكره وحبي يحترق .

يحلل المؤلف مواضيع أفلام ميزوغوشي باعتماد حوادث شخصية، مثل شخصية والده، الذي كان ميزوغوشي يجده انهزامياً، وشخصيات نسائية مثل أخته وأمه وزوجته التي أصيبت بالجنون، وهي المأساة الكبرى في حياته، وسبّب له ذلك معاناة كبيرة، وزاد لديه شعور الاحتقار للذات وانعكس ذلك في فيلم حياة أوهارو والحاكم سانشو .

ويعتبر هذا الكتاب بحثاً في أفلام ميزوغوشي، ولكن اهتمام المؤلف ينصب على تقييم موقع عمل ميزوغوشي ضمن التاريخ الثقافي والاجتماعي في اليابان . حيث يوضح الفترات التاريخية في اليابان: (فترة إيدو) من (1603-1868) آخر الفترات من تاريخ اليابان القديم، (فترة مييجي) المرحلة الأولى من تاريخ اليابان الحديث (1868-1912) . نجد الكثير من المقارنات في الكتاب بين أعمال كبار المخرجين اليابانيين مثل: أكير كوروساوا، الذي أظهر في أفلامه التقاليد الأخلاقية والجمالية للساموراي بمهارة، وأيضاً المخرج أوزو ياسو جيرو، الذي صنع أهم الأفلام التي تعبر عن الثقافة البرجوازية في اليابان، والمخرج إمامورا شاهي، الذي تناول في أفلامه شريحة المزارعين التي كانت تشكل الطبقة الاجتماعية الأعرض في اليابان .

يتحدث المؤلف عن المراحل التي مرت بها صناعة الأفلام اليابانية، وتأثيرات الثقافة الغربية في المخرجين وفي الحياة اليابانية بشكل عام، وعن المسرح الياباني وتداخله مع السينما اليابانية، والتي لايخلو ذكرها خلال الكتاب، وأشكال المسرح الياباني الواردة الذكر في الكتاب خلال كلّ فصوله الأربعة وهي: 1-(كابوكي) المدرسة القديمة، ويعود تاريخها إلى فترة إيدو، حينما قامت إحدى الكاهنات بتقديم عرض ديني عام ،1603 2-(مسرح نو) يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر، يرتدي الممثلون أقنعة ويستخدمون نبرة الصوت ذاتها، 3- (بونراكو) مسرح الدمى التقليدية اليابانية يعود إلى فترة إيدو أيضاً . 4- (شينبا) يمزج بين المسرح والسينما، عادة مايقدم القصص الميلودرامية، يعود بجذوره إلى شكل المسرح الدعائي في العام ،1880 وقد اكتسب اسم شينبا بالصيغة الأدبية المدرسة الجديدة على نقيض المدرسة القديمة أو الكابوكي، وذلك بسبب تناولها القصص الواقعية .

تعرض ميزوغوشي لانتقاد لاذع بسبب أسلوبه الكلاسيكي، حيث كانت أفلامه توصف بأنها تقليدية وليست عصرية، ولم يكن النقاد يشعرون بميل تجاهه، حتى الذين أشادوا بأفلامه، كانوا يجدون أنه يدخل نفسه في التفاصيل الإنسانية الصغيرة، التي تبطئ سرعة إيقاع أفلامه، وأن موضوع علاقاته الإنسانية مبني على السيكولوجيا القديمة الخالية من الشعور المعاصر، ولكن هدأت الانتقادات فجأة عندما أصبحت تقنية ميزوغوشي التي كان يستخدمها في أفلامه المشهد الواحد-اللقطة الواحدة رائجة في الغرب في سنوات الخمسينات، ولقيت مديحاً كبيراً في فرنسا على نحو خاص . وليصبح بعدها رغم آراء منتقديه ملهماً لكبار المخرجين اليابانيين، بنقله المعاناة الإنسانية في واقع اجتماعي بائس عاشته اليابان .

يجدر الذكر أن مؤلف الكتاب أحد أكثر النقّاد اليابانيّين البارزين، له العديد من المؤلفات حول أساتذة السينما اليابانيّة الكبار- أكيرا كوروساوا، وياسوجيرو أوزو، وناغيسا أوشيما، وشوهي إيمامورا، كما أن له العديد من المؤلفات حول السينما العالمية والآسيوية . ويعمل حالياً رئيساً للأكاديميّة اليابانيّة للصور المتحرّكة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"